يقول محيي
الدين بن هندي: "لا شيء تغير.
الإحساس نفسه بالقيادة التقدمية ظل يشع
من ديوان الحاكم. المغفور له
الشيخ مكتوم أمضى ما يمكن للمرء تسميته فترة التدريب تحت إشراف والده
وأصبح مستعداً لحمل المسؤوليات التي واجهها لاحقاً."
كانت للشيخ
مكتوم شخصيته وخاصته من المحيطين به غير أنه أبقى حوله وفي المناصب
الحكومية الرفيعة في دبي كل أولئك الذين لمس والده للموهبة لديهم وطور
قدراتهم قبل أن يعطيهم المسؤوليات.
يقول قاسم
سلطان: "كان للشيخ مكتوم أسلوبه
الحصيف جداً. لم يكن مندفعاً
أبداً. وحينا كان يصدر أمراً، كان
يفعل ذلك بعد أن يكون قد استمع لآراء لكل الذين يثق بهم ودرس كل هذه
الآراء بروية."
وحول الشيخ
مكتوم يوجد أشقاؤه الذين أعدهم الشيخ راشد بعناية بالغة لتحمل
المسؤوليات التي تنتظرهم.
كانت أوائل
الثمانينيات مرحلة عصيبة بالنسبة للاقتصاد العالمي حيث أعاقت دورتان من
الركود، لا دورة واحدة فحسب، النمو الاقتصادي.
ولم تكن دبي محصنة ضد الانخفاض الكبير في
أسعار النفط الناجم عن هذا الكساد.
غير أن آثار انخفاض أسعار النفط قلل
عوضها تنويع الاقتصاد للتقليل من الاعتماد على النفط وهي سياسة الحكومة
دوماً. وفي ذلك كان للشيخ حمدان
على وجه الخصوص دور مهم يقوم به.
إذ تحت توجيهاته تم تأسيس شركات دوبال ودوغاز ودوكاب، وهي ثلاثة مشاريع
حكومية أصبحت من مصادر الدخل المهمة للإمارة.
كما كانت هذه المشاريع الأساس الذي بنت
عليه أسرة آل مكتوم اقتصاداً حراً من الاعتماد على مصدر وحيد للدخل.
كما كان
الشيخ حمدان يترأس بلدية دبي خلال هذه المرحلة التنموية المهمة في
الإمارة. وكان الشيخ راشد معروفاً
بكرهه للروتين والبيروقراطية، غير أن التوازن أصبح مطلباً واقعياً في
هذه الإمارة المتنامية.
البيروقراطية أصبحت ضرورية، ومع ذلك لم يكن يسمح لها أن تخنق المشروع
أو ثقافة القدرة على الإنجاز التي تأسست عليها دبي وازدهرت.
يقول
مالكوم كوريغان: "الحكومة العربية
بيروقراطية إلى حد مخيف وتتفشى فيها كثرة التنظيمات المتشعبة وتسمها
المواقف المخيفة للمسؤولين الحكوميين.
وكان أمام الشيخ حمدان مهمة كبرى تنتظره.
كانت دبي بحاجة إلى جهاز بيروقراطي قوي
حتى تتطور بالشكل الذي فعلته في الثمانينيات وحتى اليوم.
غير أن دبي لم تكن أبداً في تاريخها
أرضاً للبيروقراطية. وكان البلد
بحاجة لتجنب كل الأخطاء التي أفشلت معظم المؤسسات الحكومية في لبلدان
العربية الأخرى."
ويضيف
كوريغان: "إن الحكومة المحلية هي
غرفة المحركات التي تشغل كل القطاع الخاص والتنمية الحكومية.
بدون حكومة محلية جيدة لا يمكن الحديث عن
أي تنمية مستدامة. ولهذا كان
النجاح الذي حققه الشيخ حمدان بالغ الأهمية.
بدون ذلك النجاح لم يكن بالإمكان تخيل
دبي على ما هي عليه اليوم في 2006."
كذلك كانت
صلاحيات الشيخ محمد تتوسع كثيراً باستمرار.
فمسؤولياته في منصب وزير الدفاع لدولة
الإمارات كانت كبيرة جداً، أما في دبي فقد كان مسؤولاً بين أشياء أخرى
عن مطار دبي الدولي والعديد من مشاريع دبي الصناعية الكبيرة.
كما بدأ أيضاً يتسلم مسؤولية إدارة نفط
دبي، وكانت تلك من المهام الرئيسية في حكومة دبي بالنظر إلى أهمية
النفط للاقتصاد.
لم يتمكن
الشيخ راشد أبداً من العودة إلى حياته العامة السابقة التي كان معتاداً
عليها قبل أزمته الصحية. ومع أنه
كان يصر على متابعة التطورات بنفسه، غير أنه أصبح مهتماً بإحالة قدر
كبير من الصلاحيات إلى أبنائه الذين أثبتت التجربة مقدرتهم.
ومع ذلك بقي على نشاطه في بعض الأمور
التي كان لديه اهتمام خاص بها.
يقول الشيخ
أحمد : "لم يفقد الوالد أبدأ
اهتمامه بالتعليم. كان يتابع قطاع
التربية عن كثب على المستويين الاتحادي والمحلي."
بحلول عام
1990 أصبح الفريق الطبي المعالج
للشيخ راشد قريباً منه على الدوام، لكن أصبح من الواضح حينها أن السن
وليس المرض هو الذي أخذ ينال من صحته.
كان الشيخ راشد في معظم أمسيات الشتاء
حين يكون الجو معتدلاً يجلس على شرفة في قصر زعبيل ليتطلع إلى دبي.
وهناك كان يستقبل الضيوف من أصدقائه
وأقاربه. يقول بن سوقات: "كنت
أزور الشيخ راشد كل يوم تقريباً وكان أول ما يسأل عنه حين أذهب إليه هو
أخبار التطورات في دبي وأخبار الناس الذين يعرفهم.
كانت شهيته للمعلومات كما هو عهدها دوماً.
كنا نجلس ونتحدث عن الأيام الخوالي أو
يحدثني عما يأمله لدبي في المستقبل."
ويوم
7 أكتوبر من ذلك العام غط الشيخ
راشد في نوم عميق وأسلم الروح الساعة العاشرة مساء فيما أنجاله بجانبه.
على الجانب
الآخر من الكوكب، وقف الأعضاء في مجلس الأمن وفي الجمعية العمومية في
الأمم المتحدة دقيقة صمت على روح الفقيد، وفي بريطانيا نشرت ديلي
تلغراف مقالة نعي مطولة ذكرت أن الشيخ راشد "قاد
إمارته الصغيرة لتحقق قدراً غير مشهود من الرخاء ليس بالاعتماد على
النفط فحسب بل على التجارة أيضاً..."
أما إندبندنت فأطلقت عليه لقب "الأمير
التاجر" وأضافت إنه "يغادر
دبي وقد أصبحت تتفوق بفارق شاسع على أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط
سواء للعيش فيها أو للتجارة والعمل بشكل يجعله موازية لهونغ كونغ
وسنغافورة، خصوصاً بعد أن اكتسب اقتصادها دفعة تحفيز جديدة بعودة أسعار
النفط للارتفاع."
وقالت
وكالة الأنباء الفرنسية أن الشيخ راشد قد جعل من دبي "مرشحة
قوية لتأخذ محل هونغ كونغ في التجارة العالمية في القرن الواحد
والعشرين."
نعم ، لقد
شهدت السنوات الخمس عشرة التي تلت وفاة الشيخ راشد تحقق هذا الاحتمال.
فدبي تنافس هونغ كونغ وسنغافورة اليوم،
فيما أسمت الأمم المتحدة دبي بأنها واحدة من "مدن
الألفية الجديدة". كل هذا تحقق
بفضل الأسس التي أرساها الشيخ راشد وقدرات أبنائه الذين بنوا إمارة
أصبحت مثالاً يحتذى لكل العالم.
وبالطبع
فإن وفاة المغفور له الشيخ مكتوم تدعونا أيضاً للتفكر ملياً في فترة
حكمه من أجل توثيق تلك السنوات المثيرة التي عمل فيها مع أشقائه على
بناء دبي جديدة تماماً. في عهده
أتيح للحلم الذي بناه الشيخ راشد أن يتحقق على أرض الواقع.
والتاريخ سيكتب قصة نجاح المغفور له
الشيخ مكتوم القائد والإنسان.
واليوم
يجلس فرسان أنجال الشيخ راشد حول طاولاتهم المستديرة ولكن في ناطحات
السحاب الحديثة والعصرية، في مشهد بعيد تماماً عن ذلك الحصن ذي الجدران
الطينية الذي انطلق منه لأول مرة الحلم بمجتمع يحظي بأفضل معايير
الخدمات والتعليم والصحة. |