شهدت
الإمارات العربية المتحدة فترة تحول شديدة التسارع في العقود الثلاثة
والنصف الماضية حيث تغير واقع يتصف بالاقتصاد البسيط والموارد الشحيحة
أوائل السبعينيات إلى مجتمع عصري في فترة قصيرة جداً.
وعرفت دولة الإتحاد منذ نشأتها في ديسمبر
1971 تحولات تنموية اقتصادية
واجتماعية سريعة كان الدافع الرئيسي وراءها التزامن بين إعلان قيام
الإتحاد بين إمارات الدولة السبع والارتفاع الحاد في أسعار النفط عام
1972 وما تلا ذلك من تفقات كبيرة
لإيرادات الصادرات النفطية.
فجأة قفزت
البلاد قفزة سريعة من واقعها المتواضع حين نشوئها إلى بلد تتمتع بثروات
وإيرادات نفطية كبيرة خلال ربع قرن من الزمان.
وكانت حكمة المغفور له الشيخ زايد بن
سلطان آل نهيان رئيس الدولة القوة المحركة وراء الاستثمار الأمثل
لعوائد النفط لإنجاز لتحقيق الإنجازات والرخاء الذي تعرفه البلاد الآن.
ومن أجل
إدارة وتشغيل مختلف القطاعات الاقتصادية وتعويض عدم الكفاية في
القطاعات الخدمية الناشئة كانت البلاد بحاجة لحجم كبير من العمالة
المدربة. غير أن العمالة المواطنة
لم تكن قادرة بعد على لعب دور فاعل في إنجاز هذه العملية التنموية
الضخمة.
التدفق
الضخم لإيرادات النفط أوجد فجوة هائلة بين السرعة الهائلة التي تتم بها
عملية التنمية والتحديث وإرساء البنى الأساسية للدولة من جانب ومستوى
المهارات والخبرات المتوفرة لدى العمالة المواطنة من جانب آخر.
وبمعنى آخر فقد كانت عملية التنمية
الشاملة في الإمارات التي مولتها إيرادات النفط أكبر بكثير من سرعة
توفير الموارد البشرية المواطنة.
ونتيجة لذلك ظهرعجز حاد في العمالة من كل المستويات سواء العمالة غير
الماهرة وحتى تلك اللازمة لشغل المواقع المهمة والمتخصصة والفنية.
وقد كان
تراجع حجم مشاركة العمالة المواطنة في هذه العملية شيئاً متوقعاً ليس
لتدفق إيرادات النفط الضخمة فحسب بل ولصغر عدد مواطني الدولة أيضاً
وافتقارهم حينها للمهارات المطلوبة لإدارة وتشغيل المشاريع التنموية
الطموحة.
هذا الواقع
قاد نحو تزايد الاعتماد على العمالة الوافدة التي أخذت بالقدوم إلى
البلاد بأعداد ضخمة تجذبها الموارد المالية الكبيرة والمشاريع التنموية
المتوفرة. وكان المخطط لهذا
الاعتماد على العمالة الوافدة أن يكون شيئاً مؤقتاً وقصير الأجل.
غير أن البلاد وبعد ثلاثة عقود ونصف لا
تزال تواجه مشكلة العجز المزمن في العمالة المواطنة نوعاً وكماً حيث
الأعداد الكبيرة من المواطنين العاملين في المؤسسات الحكومية الاتحادية
والمحلية في مقابل الأعداد الكبيرة من الوافدين العاملين في شركات
القطاع الخاص.
وتذكر
إحصائيات أعدها المجلس الوطني الإتحادي في يونيو 2001
إن الإمارات العربية المتحدة اصبحت دولة
استثنائية فيما يتعلق بنسبة السكان المواطنين إلى الأجانب.
تبعاً لإحصاء 1995
كانت تلك النسبة 24.5
في المئة مقابل 64
في المئة وفق إحصاء 1986.
بل إن احصائيات أحدث عهداً تشير إلى أن
النسبة انخفضت أكثر لتصل 18 في
المئة عام 1999. وربما ستواصل
انحدارها في السنوات المقبلة ما لم تتغير الظروف القائمة حالياً.
بمقارنة
أعداد العمالة عام 1995 الواردة
في الجدول المرفق (218494) يتبين
القارئ استمرار الحاجة للمزيد من الموارد المواطنة المدربة الجديدة
لتقليص الفجوة في أعداد العمالة المطلوبة مثلما هو وارد في توقعات
أعداد العمالة لعام 2015.
مقارنة بين
أعداد الموارد البشرية الوافدة والمواطنة
السنة |
المواطنين |
الوافدين |
نسبة
المواطنين |
1995 |
121291 |
2114603 |
9.08% |
2000 |
166961 |
1329177 |
11.16% |
2005 |
229881 |
1454900 |
13.64% |
2010 |
316512 |
1592515 |
16.58% |
2015 |
453791 |
1743149 |
20% |
تقرير هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية
2000
هذه
المشكلة لا تقتصر على الإمارات فحسب، إذ يشير تقرير إقتصادي لبنك دبي
الوطني نشر حديثاً إلى أنها تطال بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون
لدول الخليج العربي مثل قطر التي تبلغ نسبة العمالة المواطنة فيها
17 في المئة والكويت 19
في المئة والسعودية 28
في المئة والبحرين 45
في المئة وعمان 46
في المئة.
بالنظر إلى
هذه الأرقام ودخول المزيد من الأجيال الشابة إلى سوق العمل في ظل تركيز
عام وشامل على الموارد البشرية باعتبارها أساس العملية التنموية، تولي
الحكومة في الإمارات جل اهتمامها لهذا العنصر البشري بالغ الأهمية.
والحكومة تفعل ذلك لأنها بنت كامل خططها
التنموية والتزاماتها تقريباً على نتاج عملية تنمية الموارد البشرية.
كما أنها تعمل على إنجاز هذا الهدف تلبية
للمتطلبات التنموية الراهنة التي تأخذ في اعتبارها كل أنحاء البلاد.
ولهذا فقد وضعت التوطين الهدف الجوهري
للتعليم والتدريب وتنمية العمالة المواطنة.
أصبح
التوطين اليوم عملية تنفذه كل قطاعات العمل في الإمارات والمتوقع هو
استبدال المواطنين بجزء كبير من العمالة الأجنبية مع الوقت.
واليوم تمثل الرؤية البعيدة لصاحب السمو
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم
دبي القوة الدافعة وراء عملية التوطين.
ونحن اليوم
نشهد كيف أن الكثير من المؤسسات المهمة في الإمارات تحذو حذو سموه
وتجعل من التوطين في قمة أولويات خطط الموارد البشرية لديها.
وعلى سبيل المثال، حددت مجموعة شركات
الحبتور نظام حصص يستهدف تحقيق نسبة توطين تبلغ 35
في المئة من كوادرها العاملة بحلول عام
2007 وعل كل المستويات الوظيفية
في كل إداراتها. |