وقد أعلن المصرف المركزي في الإمارات
بأنه يدرس تحويل 10% من احتياطيات
العملة الصعبة لديه إلى اليورو.
وقال السويدي محذراً "إن الإدارة
الأميركية تناقض مبادئها.
المستثمرون سيضعون ما حدث في اعتبارهم وسيشرعون في النظر إلى الفرص
الاستثمارية من منظور جديد."
وبالقدر نفسه من الاستياء كانت ردة فعل
محافظ المصرف المركزي السعودي حمد سعود السياري الذي يقول: "أهي
حمائية أم تمييز؟ أيحق للشركات الأميركية أن تشتري ما تريد أينما كان
ولا يحق لشركات أخرى أن تشتري داخل الولايات المتحدة؟"
المصرف التجاري السوري قرر بالفعل أن
يتحول إلى اليورو بدلاً من الدولار في معاملاته بعد دعوات صدرت عن
البيت الأبيض في المصارف الأميركية للكف عن تقديم خدمات المراسلة
للمؤسسات المالية السورية متذرعة بالمخاوف من عمليات غسيل الأموال.
روسيا والسويد أيضاً ولأسبابهما الخاصة
قررتا استبدال اليورو بالدولار في احتياطيات النقد الأجنبي وهو ما زاد
من إضعاف الدولار.
أيضاً إيران تستعد لافتتاح بورصة نفطية
إقليمية تستخدم اليورو لإنجاز الصفقات وتهدد هيمنة البترودولار نتيجة
الضغوط المتزايدة عليها من الولايات المتحدة بخصوص طموحاتها النووية
المزعومة.
المصارف الشرق أوسطية ذات الفروع في
الولايات المتحدة عرضة أكثر من غيرها للتقلبات السياسية.
والبنك العربي هو الذي يوجد مقره الرئيسي
في الأردن هو أحد ثلاثة مصارف تواجه دعاوى قضائية لعائلات ضحايا
التفجيرات الانتحارية من الأميركيين الذين قتلوا أثناء زياراتهم
لإسرائيل. ويقول المدعون إن البنك
العربي قد عمل على إرسال الأموال إلى حماس وهي التهمة التي دفعت البنك
إلى إقفال كل حسابات حماس لديه.
وفي وقت كتابة هذه السطور، لم يبقى سوى
بنك مصر الدولي في العالم كله يقبل التبرعات لصالح الحكومة الفلسطينية
التي تقودها حماس وهو ما يثبت المدى الذي بلغه النفوذ الأميركي في
توجيه أعمال المصارف في الشرق الأوسط.
وأصبحت الودائع العربية في المصارف
الأميركية بعد 11 سبتمبر عرضةً
للخطر حين رفعت عائلات 600 من
ضحايا الهجمات دعوى قضائية على العائلة المالكة السعودية مطالبة
بتعويضات تبلغ ترليون دولار أمريكي إضافة إلى الإدعاء على 7
مصارف ومؤسسات خيرية وشركات حكومية
عربية أخرى.
وأصبحت الكثير من المصارف في المنطقة
تشعر بحساسية خاصة تجاه الاستثمارات المباشرة في الولايات المتحدة
وخصوصاً تلك الاستثمارات المملوكة كلياً أو جزئياً للدول المستهدفة من
قبل إدارة بوش وتخشى من أن أصولها في الولايات المتحدة يمكن أن تجمد أو
حتى تصادر في حال حدوث أي مواجهة.
وهذا الخوف شيء حقيقي بالفعل.
ففي مارس 2003،
صادرت الحكومة الأميركية كل الأصول العراقية ووضعت مليارات من أموال
العراق في الخزينة الأميركية. كما
جمد حلفاء أميركا 3.7 مليار دولار
أخرى للعراقيين.
ومع تجاوز أسعار النفط 70
دولاراً للبرميل، أصبحت المنطقة متخمةً
بعوائد النفط التي تحتاج إلى بيئة خصبة لاستقبالها.
وعادة ما كانت الولايات المتحدة توفر هذه
البيئة حيث كانت تستقبل 50% من
إجمالي الاستثمارات العربية الخارجية، ولكن بالنظر إلى الجو العدائي
الراهن ضد العرب فإن السؤال الذي يردده الكثيرين هو عن أفضل الدول
البديلة للولايات المتحدة.
يقول مجلس الأعمال الروسي العربي إن
السعودية قد سحبت 200 مليار دولار
من الولايات المتحدة عام 2004،
وأن الإمارات سحبت ملياري دولار وقطر 2.7
مليار دولار.
معظم هذه الاستثمارات المسحوبة أودعت في
مصارف أوروبية والمشكلة هي أن أوروبا مرتبطة سياسياً بالولايات المتحدة
وغالباً ما تحذو حذو أميركا في أي أزمة سياسية.
وينظر إلى اليابان وسويسرا على أنهما
ملاذين آمنين غير أن النظام المالي الياباني يعاني من بيروقراطية عالية
وأسعار فائدة منخفضة جداً فيما تعطي سويسرا أمن الودائع أولوية أكبر من
المكاسب الاستثمارية.
ويسود اعتقاد بأن آسيا أصبحت على وشك
استقبال تدفق كبير من الأموال من الشرق الأوسط يقدرها بعض المحللين
بعدة مليارات من الدولارات.
وتعتبر الهند والصين وسنغافورة وماليزيا مؤهلة أكثر من غيرها لاستقبال
هذه الأموال.
ويذكر تقرير نشرته مجلة غلوبال فايننس أن
الاستثمارات العربية في الخارج يتم توجيهها "إلى
الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا تتضمن ودائع خزينة في الولايات المتحدة
إضافة إلى عقارات في باريس ولندن ونيويورك".
وينقل التقرير عن عارف نقبي نائب الرئيس
التنفيذي والمسؤول التنفيذي الأول في شركة أريج كابيتال بدبي قوله
"إن النمط آخذ بالتحول والفرص
بدأت بالظهور في الأسواق الناشئة."
ويشير نقبي إلى أن المستثمرين العرب
الذين كانوا يستثمرون سابقاً في البترودولار أو سندات الخزينة أصبحت
لديهم ثقة مستجدة في منطقتهم.
ويقول: "لا
أظن أن ذلك يمثل ظاهرة مؤقتة فهناك الكثير من السيولة الناجمة في وجه
منها عن ارتفاع أسعار النفط والأداء القوي لأسواق الأسهم (رغم
الانخفاض الحالي في السوق). غير
أن هذه السيولة نتجت أيضاً عن كون المستثمرين العرب قد بدؤوا يدركون أن
من الأسهل لكم الاستثمار قريباً من أوطانهم."
ومن الصحيح أيضاً القول إن الدول العربية
توفر عوائد للاستثمار أكثر جاذبية وفي بعض الأحيان ضمانات شديدة القوة
لا تتوفر حتى في الغرب.
ومن سوء الطالع أن المستوى المنخفض
للاستثمارات العربية البينية يعود في وجه منه إلى انعدام الثقة بين
مختلف البلدان العربية ولكون القوانين والأنظمة التي تحكم القضايا
المالية غالباً ما تتغير في غمضة عين.
وتعتبر السعودية حالياً أكبر الدول
العربية الجاذبة للاستثمارات الخارجية.
وتقترح مقالة بقلم مدير التحرير السابق
للأهرام الأسبوعي بعنوان "غياب
الإرادة" على العربي "ضرورة
التطلع إلى جيراننا شمال المتوسط.
إن لديهم الكثير من الدروس التي يتعين علينا تعلمها.لقد
نجحوا في نهاية المطاف في إكمال التحول من أعداء ألداء خاضوا حربين
عالميتين إلى درجة غير مسبوقة من التعاون الاقتصادي.
وخلال نصف قرن استطاعت هذه الدول أن تصلح
العلاقات فيما بينها وتطلق سوقاً مشتركة وعملة موحدة وتبدأ توسيع نطاق
تعاونها ليتضمن السياسة الخارجية والأمن."
الحالة النموذجية تقتضي أن يبقى الجزء
الأعظم من الأموال العربية في أوطانها.
وهذا لن يفيد المنطقة على الصعيد المالي
فحسب بل سينهي أيضاً المخاوف الأيديولوجية.
وعلى سبيل المثال لدى السعودية وحدها
أكثر من ترليون دولار تستثمرها في الولايات المتحدة تلك البلد التي
توظف ثروتها وأسلحتها لغزو واحتلال دول مسلمة ودعم العدوان الإسرائيلي
على حساب الشعب الفلسطيني.
على المستوى الفردي، علاقة الحب التي
تجمع العرب بالولايات المتحدة قد انتهت بالتأكيد.
تقول صحيفة وول ستريت جورنال إن أعداداً
أقل بكثير من العرب تزور الولايات المتحدة لقضاء الإجازات مفضلين
"المنتجعات الفندقية وحدائق
الألعاب ومراكز التسوق في دبي."
بل إن مستشفيات شهيرة مثل مستشفى مايو كلينيك ومستشفى كليفلاند كلينيك
قد شهدت انخفاض المرضى العرب فيها بنسب تتراوح بين 20
و30
في المئة منذ 11 سبتمبر.
كما شهدت الجامعات والمدارس الأميركية
انخفاضاً حاداً في أعداد الطلبة العرب مما يكلف الولايات المتحدة خسائر
سنوية بحوالي 43 مليون دولار.
مادام الأمريكيون يواصلون النظر إلى
11 سبتمبر على أنه المنظور الذي
يجب استخدامه لرسم صورة دول الشرق الأوسط وشعوبها، فإن المستثمرين
العرب سيواصلون بدورهم البحث عن دول أكثر وداً تجاههم.
إن حالة الذهان الاستعدائي ورهاب الأجانب
الذي يعيشه الأميركيون يجب تخفيفهما إذا ما أرادوا للحلم الأمريكي أن
يبقى كما كان.
وإذا ما تحول سحب الأموال العربية من
الولايات المتحدة إلى تدفق بدلاً من القطرات التي هو عليها الآن وتواصل
اختيار المزيد من الدول لليورو بدلاً من الدولار، فإن الفقاعة
الاقتصادية الأمريكية التي أثارت الكثير من الإعجاب قد تنتهي بانفجار
غير مشهود من قبل. |