Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور تحيـــة الى لبنـــان كلمة رئيس مجلس الإدارة

 

بقلم: مارتن توماس

عرف الإنسان العمل المصرفي والتمويل منذ أن عرف التجارة. النظام التجاري القائم على المقايضة أو المجتمعات التعاونية المحضة لم تكن بحاجة للمصارف أو النقد أو التمويل. بل هي تعتمد الاستبدال المباشر للبضائع والخدمات مقابل بضائع أو خدمات أخرى.

غير أن العمل التعاوني المباشر بين الأفراد أصبح مستحيلاً مع تطور المجتمعات نحو مزيد من التعقيد. كما أن تجارة المقايضة لا يعود لها وجود حالما تخرج عن نطاق الزراعة المنزلية البسيطة والعمل اليدوي في المزارع أو الصيد.

وهكذا فإننا نجد أدلة موثقة على تعاملات مالية تدخل فيها الفائدة والربح ودفاتر قيد تعود للمدنيات الأولى في بلاد الرافدين- بابل على وجه التحديد- في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وقد عثر على معظم هذه الأدلة بين سجلات المعابد القديمة.

 

مع المال والتجارة والربح دائماً ما يأتي عنصر آخر ليكمل الصورة ودائماً ما سبب الريبة والقلق بين النخب الاجتماعية والدينية في كل الأزمان ألا وهو: الدَيْن. القروض توفر لنا القدرة على شراء البضائع والخدمات قبل أن نمتلك فعلاً أثمانها نقداً. وبعدها نعمل ونكسب ثم نسدد القروض.

الناس الذين يعطوننا هذه القروض لتلبية حاجاتنا الحالية هم أيضاً تجار وينتظرون ربحاً من هذا القرض. أما الربح- أو لنقل ثمن القرض- فهو ما نسميه الفائدة. ولعل سهولة الحصول على قروض يكاد يستحيل سدادها على المقترض والوقوع تحت مديونية كبيرة تسبب مصاعب جمة لعوائل المقترضين الذين يحاولون السداد هي التي أقلقت أهل الفكر كثيراً. فهل من الصواب ومن الجائز للإنسان أن يتربح من وراء تسببه بوجود قرض؟ وبالتالي هل من الجائز أخذ فوائد على القروض؟

الإسلام كان دوماً شديد الوضوح في الإجابة على هذا السؤال. لا، من غير الصواب ومن غير الجائز فعل ذلك. الأديان السماوية الأخرى لها نفس الموقف، غير أنهم تركوا هذا التشريع يغيب شيئاً فشيئاً مع ظهور الرأسمالية مثلما هي عليه اليوم. صحيح أن هناك بالفعل منافع للناس من الأدوات المالية المحملة بفائدة، غير أن هذا لا يلغي بقاء الجوانب السلبية العدية لمشكلة الدين. ولهذا فقد كان للإسلام موقف قوي ضد الفائدة.

غير أن هذا الأمر قد سبب الصعاب في زماننا المعاصر، ليس للأفراد فحسب بل وللدول النامية أيضاً. إذ كيف يمكن للمسلمين دون القروض والرهونات وبرامج التوفير وغيرها من منتجات التمويل الرأسمالية المعاصرة أن يستفيدوا من المزايا التي توفرها من غير أن تتعرض لمساوئ الديون الربوية؟

الحل الجوهري لذلك كان موجوداً منذ الأيام التي ظهر فيها التمويل، غير أنه لم يكن واسع الاستخدام. ويتمثل في إسقاط مبدأ الفائدة المحددة مسبقاً قبل تقديم القرض واعتماد مبدأ الشراكة في المخاطر والربح بدلاً منها، أي أن الربح لن يكون معلوماً بالطبع إلا بعد أن يتم تحديد كل احتمال والشراكة في المخاطر مقدماً. وبالطبع فإن للإسلام موقف أخلاقي بخصوص التمويل والاستثمار حيث يحرم المتاجرة بأشياء من مثل القمار والخمور والمنتجات الخلاعية ولحم الخنزير.

والمثير للاهتمام فعلاً هو أن الكثير من بيوت التمويل الغربية قد اكتشفت أن الاستثمارات الملتزمة أخلاقياً يمكن أن تحقق عوائد تزيد عن المعدل السائد.

ومع تنامي الثروات في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وعلى وجه الخصوص نتيجة للنفط والمشاركة المتنامية في الاقتصاد العالمي، زاد الطلب على منتجات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بالقدر الكافي لإثارة اهتمام المؤسسات المالية ودفعها نحو تطوير منتجات عصرية تناسب الاحتياجات العالم عموماً.

واليوم تتوفر في أسواق المال مجموعة كاملة من الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ليس لعمليات التمويل الدولية فحسب بل وللأفراد أيضاً إذا ما أرادوا على سبيل المثال تمويل شراء بيت أو سيارة.

كما أن المنتجات الإسلامية في بعض الدول، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة وبريطانيا، أصبحت تمثل بدائل جذابة لبرامج التمويل التقليدية القائمة على الفائدة وخصوصاً في سوق الإسكان.

ورغم أن منتجات الرهن الإسلامية تتوفر بأشكال وصيغ عديدة فإن أكثرها شيوعاً هي عقود الإجارة والمرابحة.

في عقود الإجارة، تقوم الشركة الممولة بشراء العقار وتؤجره للمالك المفترض مستقبلاً لمدة محددة مسبقاً، قد تمتد حتى 25 عاماً على طريقة الرهن العادي. وينم تحديد الأجرة السنوية وفق أسعار السوق ويتم إعادة النظر فيها دورياً، ولكن في العموم بتواتر أقل من تغير أسعار الفائدة في عقود التمويل التقليدية. وهذه الصيغة قد تكون أكثر ملاءمة للمستأجر كونها تؤمن له استقراراً أكبر بخصوص قيمة الأقساط. وفي نهاية المدة المتفق عليها تنقل ملكية العقار إلى المستأجر دون دفع أي فائدة.

أما عقود المرابحة فهي أكثر بساطة من ذلك، حيث يقوم البنك بشراء العقار مقابل سعر معلوم ثم يبيعه للعميل بسعر أعلى متفق عليه يسدده على أقساط متساوية. وهذا أيضاً يوفر للعميل إمكانية سداد دفعات ثابتة طوال مدة السداد ولكن باعتبار أن العميل يسدد رأس المال فقط تنتفي عندئذ شبهة الفائدة.

وتتوفر صيغ تمويل أخرى لرجال الأعمال المبادرين من أجل تمويل مشاريعهم الجديدة.

وعلى سبيل المثال يقوم البنك في عقود المضاربة بتوفير رأس المال مقابل أن يتشارك مع العميل في أرباح مشروعه بنسبة توزيع أرباح متفق عليها إلى أن يتم سداد القرض. وإن لم تتحقق أرباح لن يحقق البنك أي أرباح على قرضه.      

وتتوفر في الأسواق أيضاً منتجات شراء وإعادة تأجير عديدة تشابه عقود التأجير المنتهي بالشراء أو عقود التأجير طويل الأجل، ولكنها في كل الأحوال تقوم على سداد رأس المال فقط.

لكن ليس الجميع راضياً عن هذه الصيغ. إذ يقول البعض إنها تذكرهم بالعقد الثلاثي في العصور الوسطى حين كان المصرفيون الأوروبيون يصيغون عقوداً معقدة ثلاثية الأطراف بهدف الالتفاف على التحريم الذي فرضه البابا على الربا حينها. وكانت تلك العقود بارعة في كونها تلتزم تقنياً بالتحريم لكنها تنتهك المبدأ الذي ينطلق منه هذا التحريم وهو عدم جواز الفائدة وضرورة الشراكة في المخاطر.   

واليوم نجد المزيد والمزيد من المؤسسات التجارية التي بحثت عن وسائل للتمويل لا تلتزم فحسب بمنطوق القانون بل وبروحه أيضاً وتوصلت إليها. وفي هذه الصيغ يتشارك الطرفان في الأرباح والخسائر ولا يتم اللجوء فيها إلى التحايل من أجل حماية رأس المال بل الشراكة الحقيقية.

ونتيجة لعدم وجود عبء الدين، تجد أن الأعمال تزدهر وتصبح البنوك شريكة وليس ممولة فحسب، والمفارقة أن المصارف التقليدية قد جهدت طويلة لتحقيق هذه الحالة لكنها بقيت تحاول حماية نفسها من إمكانية الانكشاف أمام للمخاطر.

وقد درس خبراء التمويل الإسلاميون أيضاً إمكانية التوصل إلى حلول لفقاعة المديونية العالمية الهائلة التي أوصلت اقتصاد العالم إلى حالة خطيرة من عدم التوازن. ولنقارن بين أكثر من 30 ترليون دولار تشكل إجمالي السندات التجارية والسيادية في العالم وبين قاعدة رأس المال في الاقتصاد العالمي لنجد هرماً مقلوباً يشكل الدين قاعدته التي تستند قمة من الإنتاج المنتج للدخل لخدمة هذا الدين، الذي يصر المقرضون على ضرورة سداده لهم بغض النظر عن الكوارث الاجتماعية التي قد يسببها ذلك.

في المقابل نجد أن نظام التمويل الإسلامي يبقي دوماً على رابط بين التمويل والإنتاج كما أن مبدأ الشراكة في ا

لماطر لا تسمح لدوامة الدين بأن تتوسع بلا حدود. وحتى صندوق النقد الدولي يرى ضرورة إيقاف هذه الدوامة ويضغط على الدول النامية لتبني مبادئ تشابه تماماً مبادئ التمويل الإسلامي وإن لم يسمها بالاسم.

وعلى سبيل المثال هم يسعون لتحقيق النمو عن طريق الاستثمار الأجنبي المباشر وليس عن طريق الاقتراض. وإن لم يكن من الاقتراض من بد فليكن قروضاً ذات مواعيد استحقاق طويلة الأمد بحيث تتمكن المشاريع من التطور أولاً ثم تبدأ بالسداد من الربح وليس من الدخل. كما يتوجب على المقرضين والشركاء على المستوى الدولي أن يتشاركوا في الأرباح والمخاطر على المدى الطويل وأن يتم كسر الحلقة المفرغة للديون التي لا نهاية لها.

وقد حقق التمويل الإسلامي قفزات كبيرة منذ السبعينيات من القرن لماضي. لكن لا يزال هناك مجال واسع للتطوير والتغيير.

لا تزال هناك حاجة لإرساء إطار قانوني عام وشفافية أوسع وتوحيد أكبر للمعايير والنظم. ومن شأن هذا على سبيل المثال أن يضع حداً لممارسة مكروهة تتمثل في "تسوق الفتوى" حيث تجد بعض المؤسسات المالية تبحث هنا وهناك عن أحد علماء الدين ترى أنه أكثر مسايرة لخططها التجارية. وهذه الممارسة تطعن مصداقية الحوار العلمي العقلاني ومجمل التمويل الإسلامي.

على كل حال أصبح من الأسهل والأسرع اليوم إصدار سندات إسلامية مما كان عليه الحال في السابق لأن أعداداً أكبر من العلماء قد ساهمت في العملية ووضعت سوابق في دراسات شرعية يهتدى بها. وهذا الأمر سيتواصل بالتحسن مع الوقت ويجعل من هذه المنتجات أكثر جاذبية.

ولا يزال التمويل الإسلامي بحاجة للمزيد من الإبداع والابتكار وخصوصاً فيما يتعلق بتمويل المشاريع والبنى الأساسية وأسواق المال كما لا زلنا بحاجة للمزيد من إسهام مؤسسات التمويل العالمية وليس من الدول الإسلامية فحسب.

بشكل عام حقق تطوير المنتجات والخدمات الإسلامية النجاح والشعبية، وهو ما يتوقع له أن

يتحسن أكثر في المستقبل.

عبر المشاركة في المخاطر، ستعمل المؤسسات المالية على تحقيق قدر أكبر من الأرباح لها ولعملائها دون أن تكون مهتمة بتقاضي الفائدة فحسب. ومع الوقت سيكون الأمر أكثر نفعاً للطرفين معاً مقارنة مع وضع العميل تحت تل من الديون بحيث يعمل فقط من أجل سداد الدين وليس تنمية أعماله. الرأسماليون الأمريكيون يسمون هذه الحالة باستراتيجيا "الكل رابح" وينفقون الملايين على تدريب رجال الأعمال لديهم لفهمها. أما في الإسلام فهي مبنية على تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم 

 

 

               

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289

 
 

الصفحة الرئيسيـة

كلمة رئيـس مجلـــس الإدارة

اسـرائـيـل و تسـيـيـس...

تحيـــة الى لبنـــان

التمـويل الا سـلامـي

متى يعـلم الامريكـيـون.....

أســتـون مارتـن

فـريا شتـارك

السكـر

العـبقـرية الـبشـرية

عـثمان بن عـفان

هـاجـــر

سـوقـطرة

كـأس عــالـمي

الحـبـتـور لـلمشاريع...

أخــبـار الحـبتــور

مـــن نحــــــن

الأعـداد المـاضيـة

اتصلـوا بنـا