تتصرف الولايات المتحدة وكأنها الدولة التي
تمتلك براءة اختراع "الديمقراطية." إذ على النحو نفسه الذي
تعمل به على تصدير أرز أنكل بنز وقهوة ستاربكس ومقاتلات إف 16
إلى الشرق الأوسط، نجدها شديدة التحفز لفرض علامتها الخاصة من
"حكم الشعب للشعب" على المنطقة.
الولايات المتحدة تريد إقناعنا بأن
الديمقراطية سلعة تأتي بقياس واحد يناسب جميع الأحجام شأن
القمصان الفضفاضة التي تحمل "صنع في أمريكا." وقد حاولت في
سبيل ذلك أن تحيط هذا النظام، الذي يعود في جذوره إلى الثقافة
الإغريقية، بما يكاد يكون هالة من القداسة الدينية. وكل من
يحاول أن يقاوم مسعاها هذا تصفه دونما وجه حق بالشيوعي أو
الفاشي أو المتزمت أو الدكتاتور.
لقد آن الأوان لكسر هذا الموضوع المحرم
المزعوم. لا بد لنا من أن نحلل الدوافع الأمريكية إذا ما أردنا
أن نبني هذه المنطقة وفق صورتها الأصيلة. علينا أن نسأل أنفسنا
عما إذا كانت الديمقراطية بشكلها الغربي مناسبة لنا. ويتعين
علينا أن نسأل أنفسنا عما إذا كانت هناك حلول أفضل منها
لواقعنا: حلول محلية أصيلة تنبع من طبيعتنا وطبيعة حاجاتنا.
واشنطن لا تكف عن القول لنا بصلافة إن
الديمقراطية هي السبيل الوحيد المتاح أمام هذه المنطقة، هذا
على الرغم من أن الوطن العربي قد تطور بدونها على مدى آلاف
السنين وأعطى العالم مفكرين مهمين وإنجازات كبيرة في الآداب
والرياضيات والفلسفة والعلوم الأخرى.
لا أقصد بهذا القول الإيحاء بأن هناك العديد
من حكوماتنا التي تتسم بالكمال وتخلو من أي عيب ، بل هي أبعد
ما تكون عن ذلك، لكن هذا هو أيضاً حال ما تسمى ديمقراطيات
غربية حيث يجري إقناع المواطنين بأنهم أحرار فيما الكثيرون
منهم ليسوا كذلك.
معنى
الحرية
ما هي الحرية؟ أو لنطرح هذا السؤال المهم بصيغة
أخرى: ما هي مكونات الحرية؟
أولاً، وقبل أي شيء آخر، لا يمكن لأي إنسان أن
يكون حراً إلا بعد حصوله على حاجاته الأساسية مثل المأوى
والطعام والتعليم والرعاية الصحية والأمن.
ما هو معنى صندوق الانتخاب لإنسان يعيش في
صندوق كرتون على الأرصفة؟ ما هي قيمة الصوت الانتخابي لإنسان
لا يستطيع تأمين تكلفة عملية زراعة نقي العظم لطفله؟ ما معنى
جواز السفر لمن لا يستطيع شراء تذكرة سفر؟
نعم، هؤلاء ربما كانوا رعايا دولة ديمقراطية،
لكن إذا لم تكن هذه الديمقراطية قادرة أو راغبة في الاهتمام
بشأنهم، فإن "الديمقراطية والحرية" لن تكون عندها أكثر من
مفهوم فكري لا صلة له بالحياة.
لقد رأينا هذه الصورة العام الماضي حين ضرب
إعصار كاترينا ولاية لويزيانا الأمريكية. الفيضانات التي خلفها
الإعصار لم تدمر البيوت فقط. لقد شاهد العالم كله بكثير من
الذهول ذلك الانهيار المأساوي لأسطورة الحلم الأمريكي. إذ
بعيداً عن القلب السياحي لنيو أورليانز كانت هناك أحياء لا
تختلف عن تلك الموجودة عادة في دول العالم الثالث، ومعظم
سكانها هم من الأمريكيين الأفارقة الذين يعيشون فقراً مدقعاً.
حين نقيم النظام الأمريكي، وهو ليس بديمقراطية
حقيقية وإنما "جمهورية ديمقراطية،" من الجدير بنا ملاحظة الدور
الضئيل الذي يلعبه الناس العاديون حين اختيار رئيسهم، وهو
الشخص الذي يجب عليه قبل كل شيء أن يحظى بقبول وتبرعات أنصاره
من أوساط الشركات التجارية الكبرى.
ولهذا لم يكن أمراً مستغرباً أن تظهر عائلات
سياسية في الولايات المتحدة، وأبرزها عائلتا كينيدي وبوش. ومن
يدري، فقد تضاف عائلة كلينتون إلى القائمة في 2008. فهل يتعين
علينا أن نصدق أن أكثر الناس أهلية لحكم بلد ضخم يصل عدد سكانه
إلى 300 مليون نسمة تقريباً ينحدرون بمحض "الصدفة" من بضع
عائلات فقط؟
جوهر الأمر هو أن النظام يجعل الناخبين
يعتقدون بأنهم أسياد أمرهم حين يقررون مصيرهم، غير أن كل ما
يعرض عليهم هو الاختيار بين مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري، فقط.
وكل ما عدا ذلك هو بحكم الساقط منذ البداية. كما أن الطريقة
التي صمم فيها المجمع الانتخابي تعني أيضاً أن المرشح الخاسر
في السباق الانتخابي الرئاسي ربما يكون قد فاز بأصوات شعبية
أكثر من "الفائز" الفعلي، وهو ما يتناقض تماماً مع مبدأ "صوت
واحد للناخب الواحد."
ولهذا فإن الديمقراطية الأمريكية ليست هي "حكم
الشعب للشعب" بأكثر مما هي "حكم الشعب من قبل المؤسسة الصناعية
العسكرية" رغم أنها تتخفى وراء واجهة ديمقراطية لإرضاء الجمهور
الساذج المقتنع بذلك.
"الشرق
الأوسط الجديد"
يتحدث الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته
كوندوليزا رايس حالياً عن "شرق أوسط جديد"، والذي من المفترض
أنه مرسوم وفق المواصفات الأمريكية. غير أن من ينادي به يتجاهل
عمداً تاريخنا وتراثنا وثقافتنا وتقاليدنا وأدياننا وطوائفنا
مثلما يتجاهل حقيقة أن أي حكم رشيد لا بد وأن يكون مبنياً على
نحو يأخذ هذه التعقيدات بعين الاعتبار.
هل سأل أحد منا نفسه عما يجعل إدارة بوش عازمة
بهذا القدر من العناد على دمقرطة الشرق الأوسط؟ أم هل يصدق أحد
منا فعلاً الرئيس بوش، ذلك الرجل الذي يعتقد أنه صاحب رسالة،
بأنه يذرف الدموع على شعوبنا؟
ألم نتساءل عما يدفع بلداً يبعد عنا آلاف
الأميال ليبذل هذا القدر من الوقت والجهد والمال من أجل تغيير
الوطن العربي، فيما نجده يتعامى عن معاناة ملايين البشر في
إفريقيا وآسيا، دع عنك 43 مليون مواطن أمريكي غير قادرين على
سداد تكاليف الضمان الصحي وبينهم ملايين ممن يعيشون تحت خط
الفقر؟
ما الذي يجعل منطقتنا هاجساً لواشنطن؟ هناك
جواب بسيط واحد: الولايات المتحدة تريد حماية أمن شريكتها
الإستراتيجية، إسرائيل، والهيمنة على الموارد الطبيعية المهمة
في المنطقة. ولتتمكن من تحقيق ذلك بفاعلية، فهي بحاجة لإضعاف
القيادات الحالية عبر افتعال اضطرابات داخلية تحت شعارات
الحرية والديمقراطية.
وبعد ذلك تعمد إلى تنصيب حكومات دمى موالية
للولايات المتحدة تضع مصالح شعوبها في مرتبة ثانية بعد مصالح
أمريكا وإسرائيل.
علينا ألا نسقط ضحية هذه الخدعة المحبوكة
جيداً. يجب ألا نضلل أنفسنا ونتعامى عن حقيقة كونها مجرد خدعة
مثلما يتبين لنا من تجارب أمريكا الفاشلة في أفغانستان والعراق
وفلسطين.
لنتأمل فيما قالته وزيرة الخارجية كوندوليزا
رايس عن موضوع نشر الديمقراطية خلال كلمة ألقتها بمدينة سولت
ليك سيتي في 29 أغسطس:
"من كان له أن يتخيل حصول تلك التغيرات
الإيجابية التي شاهدناها تحصل في أماكن مختلفة مثل مصر
والسعودية والكويت والمغرب والأردن؟ ومن كان يتخيل أن الشعب
اللبناني سيخرج بمئات الألوف مطالباً بمستقبل ديمقراطي جديد؟
"من كان له أن يتخيل أن الشعب في العراق
وأفغانستان بعد كل تلك السنوات من الطغيان والبؤس سيخرج
بالملايين ليسمع صوته للجميع ويدلي بصوته الانتخابي من أجل
حياة أفضل؟"
من الذي تحاول رايس أن تضحك عليه؟ نعم، هم
أدلوا بأصواتهم من أجل حياة أفضل، غير أن المشكلة هي أنهم لم
يخرجوا سوى بحياة أكثر سوءاً من ذي قبل نتيجة للتدخل الأمريكي.
رايس لم تقل لنا أن مقاتلي طالبان أعادوا
تجميع قواتهم في أفغانستان التي أصبحت دولة بلا قانون حيث
الفتيات الأفغانيات أصبحن يخشين حتى من مغادرة بيوتهن خوفاً من
تعرضهن للاختطاف كما لم تقل شيئاً عن موسم الأفيون الأفغاني
هذا العام، الذي سيجد طريقه إلى شوارع أوروبا، وهو الأضخم
حجماً من أي وقت مضى.
هي لم تقل شيئاً عن أن أكثر من 50 عراقياً
يقتلون يومياً في المتوسط ، وهو واقع لا يمكن القبول به أبداً
لدرجة أنه أصبح يصب في جانب المطالبين بتقسيم العراق إلى ثلاث
دويلات. وقد سبق للبنتاغون أن حذر بالفعل من أن العراق قد يكون
على شفير حرب أهلية. كما لم تفسر لنا سبب كون "الديمقراطية"
العراقية ليست أكثر من مهزلة يصوت فيها معظم العراقيين بشكل
آلي لصالح زعاماتهم القبلية أو الدينية فيما يمثل وصفة نموذجية
لهيمنة أقلية عرقية أو دينية على باقي أطياف الشعب العراقي.
لم تأت رايس على ذكر تدمير حكومتها المتعمد
للسلطة الوطنية الفلسطينية التي أتت للحكم نتيجة لانتخابات حرة
وعادلة كما امتنعت عن إدانة اختطاف إسرائيل لوزراء فلسطينيين
منتخبين أصولاً.
وهي لم تقل بأنه إذا ما أجبرت مصر على تعديل
دستورها وإصلاح نظامها الانتخابي قبل أن تصبح الظروف مواتية
لذلك، فقد تجد البلاد نفسها في خضم فوضى عارمة تدفع
بالمستثمرين إلى الفرار منها.
وبالطبع لم تشر رايس من قريب أو بعيد إلى خيانة
حكومتها للحكومة اللبنانية المنتخبة ديمقراطياً والموالية
للولايات المتحدة التي ناشدتها الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار
مع تحول كل أنحاء لبنان إلى تلال من الأنقاض الإسمنتية
المحطمة.
لا أحد يشك في ذكاء كوندوليزا رايس. ولهذا فإن
النتيجة الوحيدة التي لا بد لنا من استخلاصها هي أنها كانت تذر
الرماد في العيون للتعمية على الغايات الحقيقية للإدارة
الأمريكية. هي تعرف أن الشرق الأوسط ليس كتلة ضخمة واحدة
ومتماسكة. وهي تعلم أن المنطقة تتكون من مزيج غني من الأديان
والطوائف، مثلما تعلم أن منطقتنا بحاجة إلى زعامات قوية قادرة
على التواصل مع جموع السكان ومعالجة الانقسامات الطائفية.
يكفينا ما رأيناه حتى الآن! علينا ألا نقع بعد
اليوم في فخ هذه الخطابة التضليلية. إن لدينا ما يكفي من
الحكمة لنصوغ بأيدينا طرقنا الخاصة في حكم أنفسنا، وربما يكون
ذلك عبر المزاوجة بين أفضل الممارسات التي لدينا وأفضل العناصر
المكونة لنموذج الحكم الغربي.
ولعل أحد المثلة القائمة بالفعل حالياً هو
حكومة الإمارات العربية المتحدة التي تضرب جذورها في أرض صلبة
من التقاليد غير أنها في الوقت نفسه تضع المستقبل نصب عينيها.
تتشكل الإمارات العربية المتحدة من حكومة
اتحادية ومجلس أعلى يضم كل حكام الإمارات السبع. ويعطي دستور
الدولة سلطات محددة وقدراً من الاستقلال الذاتي لكل إمارة من
إمارات الإتحاد. وقد حققت هذه الطريقة في الحكم قدراً كبيراً
من النجاح منذ صياغتها عام 1971 حين ولادة الاتحاد.
في الحقيقة لقد أبلت هذه الطريقة في الحكم
بلاء عظيماً لأنها وفرت الاستقرار والتواصل، بخلاف
الديمقراطيات الغربية التي يتغير قادتها كل بضع سنوات وتتغير
معهم الخطط والسياسات أيضاً. ولهذا يستطيع أعضاء المجلس الأعلى
في الإمارات وضع خطط على المدى الطويل دون الخشية من إمكانية
توقف مشاريعهم قبل أن تتحقق الأهداف المرجوة منها.
وأحد الاعتبارات المهمة أيضاً هو أن حكام
الإمارات السبع هم من عائلات تتمتع باحترام كبير بين الأهالي
جيلاً بعد جيل وتولي اهتماماً كبيراً وحقيقياً لرخاء رعاياهم؛
كل رعاياهم دون استثناء. هنا لن تجد شحاذين ولن تصادف من ينام
تحت الجسور أو على الأرصفة.
المواطنون في الإمارات العربية المتحدة
يتمتعون بالقدر نفسه من الحرية المتاحة لرعايا ما تسمى
بالديمقراطيات الغربية، ذلك أن الحريات الشخصية تزدهر مع توفر
الثروة والأمان. كما أن بمقدورهم دوماً الوصول إلى الحكام
ومناقشة ما يعانوه من مشكلات معهم وجهاً لوجه.
في أي مكان آخر في العالم يحصل المواطن على
قطعة أرض مجانية وقرضاً بلا فائدة يسدده على مدى ثلاثين عاماً
لبناء بيته عليها؟
في أي بلد في العالم غير الإمارات تتكفل
الحكومة بنفقات توفير أفضل مستويات التعليم لشبابها داخل
البلاد أو خارجها وتسدد عن المريض نفقات سفره مع عائلته إلى أي
مكان في العالم للحصول على العلاج المناسب؟
وإلى الذين لا يصدقون إلا ما يرون بأم العين،
أقول بأن الأمر لا يتطلب سوى إلقاء نظرة عابرة على إمارات
اليوم: بلاد مستقرة تتمتع بأعلى معايير الحياة على وجه الأرض
ولا تعرف إلا ما ندر ذلك المستوى من الفساد على شاكلة إنرون أو
وترغيت المتفشي في الولايات المتحدة.
قد يشعر البعض أنهم يميلون للجواب بالقول
"نعم، لكن الإمارات تمتلك موارد نفطية وهذه الثروة هي التي
تدعم تطورها الاقتصادي والاجتماعي." غير أن هذا ليس صحيحاً.
هناك الكثير من الدول المنتجة للنفط التي لا تستطيع التحدث عن
انجازات مثل تلك التي حققناها كما أن العديد من إمارات الدولة
تحصل على معظم دخلها من التجارة والصناعات الخدمية والمصرفية
والسياحة.
ولنأخذ على سبيل المثال، إمارة دبي التي أنا
منها. لقد كانت مسيرة تقدمها السريع من أرض قاحلة لا تعرف سوى
بعض من الواحات وقرى الصيد البحري إلى إمارة عصرية تجسد حداثة
القرن الواحد والعشرين، ولا تقل تطوراً عن أي حاضرة في أوروبا
أو الولايات المتحدة، ثمرة لقيادة حكيمة بدأت مع المغفور له
الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، والد نائب رئيس دولة الإمارات
العربية المتحدة حاكم دبي سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
دبي هي زرع الشيخ راشد الذي أثمر وآتى أكله عل
يد أنجاله. ولنا أن نتخيل الشكل الذي كانت ستأخذه دبي اليوم لو
أن الإمارات اعتمدت عام 1971 ذلك النموذج من الديمقراطية الذي
تريد الولايات المتحدة فرضه على هذه المنطقة.
الشيء المؤكد هو أننا كنا سنفتقد تواصل
الرؤية، لأن كل سياسي منتخب كان سيحاول حال فوزه بالسلطة فرض
رؤيته الخاصة والتي ربما كانت تتناقض مع رؤية سابقه وتلغيها.
وفي المقابل، لا بد من الاعتراف أيضاً بأن هذا
النموذج الذي نجح في الإمارات لن يكون بطبيعة الحال مناسباً
لكل جيرانها، حيث لكل مجتمع حاجاته وغاياته الخاصة وتحدياته
النابعة من طبيعته. غير أن هذا النموذج يبقى دليلاً دامغاً على
أن هناك حلولاً أخرى غير ذلك السبيل الأوحد الذي تريدنا
الولايات المتحدة أن نبتلعه قسراً.
بعض الدول والشعوب العربية قد تكون لديها رغبة
أصيلة في الديمقراطية. وهذا قد يكون تطوراً جيداً بشرط أن تكون
الرغبة هذه نابعة من المجتمع ومتجذرة فيه وألا تؤثر سلباً على
الأقليات فيها.
غير أن الأكثر أهمية من وضع تصنيفات جاهزة على
البنى السياسية لجعلها مطابقة للمواصفات الغربية هو وجوب أن
تعمل دولنا من أجل مكافحة الفساد وضبط الإنفاق وصناعة الثروة
للجميع.
إن القيام بهذه الخطوات حاجة أكثر إلحاحاً
اليوم في الدول العربية الأكثر فقراً التي تنفق حوالي 30% من
إجمالي ناتجها المحلي على إشباع نهم قططها السياسية السمان
وعائلاتهم وزيادة ثرواتهم واستدامة نمط ومعايير حياة فائقة
للنخب فيها ومن ضمن ذلك الحياة الباذخة التي يعيشها ضباط الجيش
المتقاعدون مهما طالت المدة التي ابتعدوا فيها عن الخدمة.
باستثناء الدول الإسكندنافية، إذا ما كانت
هناك دولة تجسد الديمقراطية الفاعلة حقاً فهي بريطانيا، رغم
أننا يجب ألا ننسى بأن عمر هذه الديمقراطية قد تجاوز الآن ألف
عام قبل أن تصل إلى ما هي عليه من نضج حالياً.
أعضاء البرلمان البريطاني يتقاضون رواتب تماثل
رواتب باقي الناس، وتبلغ حالياً 59095 جنيه إسترليني، إضافة
إلى معاش معقول حين تقاعدهم. ولا يتجاوز راتب رئيس الوزراء ضعف
هذا الرقم تقريباً.
وهؤلاء لا يتنقلون محفوفين بحاشية باهظة
التكاليف من الحراس الشخصيين أثناء ولايتهم كما لا توفر لهم
الدولة هؤلاء الحراس بعد تقاعدهم مثلما هو الحال في معظم دول
الشرق الأوسط.
خلاصة القول، هو أننا يجب أن نبتعد عن عقلية
كل شيء أو لا شيء. هناك الكثير من التجارب المفيدة التي يمكن
أن نتعلمها من الغرب لتحقيق الحكم الرشيد لدينا، لكننا يجب أن
نبقى حريصين في اختياراتنا أيضاً.
ربما
لا نكون جاهزين لاعتماد ديمقراطية "حكم الشعب للشعب" أو راغبين
فيها. لكننا بوجود قيادات حكيمة ومخلصة تدرك أن مهمتها خدمة
شعوبها وليس العكس، يمكننا أن نجعل من بلادنا دولاً قوية
ومزدهرة وتتمتع بالحرية والعدالة... وأن نشعر بالفخر في الوقت
نفسه لكوننا نجحنا على طريقتنا نحن.
خلف احمد الحبتور |