تقول
:"أكد لي الجندي ميشيل سويدان من حزب القوات اللبنانية وهو محاط
بالأعلام اللبنانية البيضاء والحمراء بأنه لبناني مسيحي. وقال لي ’إننا
نحب إسرائيل. إسرائيل تساعدنا. إسرائيل هي مثل الأم لنا‘."
وقبل
سنوات طويلة من دورها الذي لعبته فيما سمي ثورة الأرز- وهو العبارة
الذي ابتدعته وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية باولا دوبرينسكي التي
كانت بين الموقعين على المشروع لقرن أمريكي جديد- كانت إسرائيل تمنح
الجنسية الإسرائيلية وعشرة آلاف دولار لجنود جيش لبنان الجنوبي من
عملاء الجيش الإسرائيلي أيام الحرب الأهلية اللبنانية...، كما تقول
شوه.
بل إن
صحيفة نيويورك بوست قد كشفت أن بأن السي آي أيه وأجهزة استخبارية
أوروبية عديدة كانت ولا تزال تمول منظمي المظاهرات اللبنانية المناوئة
لسوريا لممارسة الضغوط على بشار الأسد.
كما
تبحث شوه في النفوذ السري الذي تمارسه الولايات المتحدة في لبنان عبر
زياد عبد النور، ابن البرلماني الثري اللبناني خليل عبد النور. وزياد
عبد النور رئيس اللجنة الأمريكية لتحرير لبنان وقد عمل على توأمة
منظمته هذه مع معهد أمريكان إنتربرايز الذي يعمل على تنظيم المؤتمرات
لكبرى المنظمات وجماعت الضغط اليهودية الأمريكية كما تقول.
ولعبد
النور علاقات مع المنظمة اللبنانية العالمية التي تنادي بعودة الاحتلال
الإسرائيلي لجنوب لبنان، كما تقول الكاتبة التي تحدثت مع رئيس اللجنة
الأمريكية لتحرير لبنان هاتفياً.
حين
سألته شوه عبد النور في نوفمبر الماضي عن الأزمة السورية قال بدون
مواربة: "لست آسفاً لها. لست آسفاً لها. نظام بشار الأسد وغميل لحود
هذا في سبيله ليذهب سواء كانت الاتهامات صحيحة أم لا. حين ذهبنا إلى
العراق بغض النظر عما إذا كانت هناك أسلحة دمار شامل أم لا، كان الأمر
المهم هو أننا انتصرنا. وصدام ذهب. كل مانريده سيحدث.
"وإيران؟ لن نسمح لإيران بأن تصبح قوة نووية. سنجد طريقة لفعل ذلك...
سنجد ذريعة للتخلص من إيران. ولا يهمني ما تكون هذه الذريعة. ليس هناك
مكان للدول المارقة في هذا العالم. وسواء كذبنا أو لفقنا شيئاً ما أو
لم نفعل، ليس هذا ما يهمني. الغاية تبرر الوسيلة."
وتقول
شوه إن عبد النور يفخر بعلاقاته مع الاستخبارات الأمريكية ويقول:
"اسمعي، أستطيع الحصول على أكثر المعلومات سرية لدى السي آي أيه من كل
أنحاء العالم. إنهم يتصلون بي. زأنا أقدم لهم المشورة. أنا أعلم مالذي
يجير، وهذا الأمر سيحدث."
ثم
سألته شوه عما إذا كانت خطته هي مجرد استبدال النفوذ السوري بنفوذ
أمريكي أو إسرائيلي، قال: "أنا... نحن... ليست لدينا أي مشكلة مطلقاً
في وجود تدخل أمريكي مكثف في لبنان... على المستوى الاقتصادي أو
العسكري أو السياسي أو الأمني... أياً كان. إسرائيل هي الولاية 51 في
الولايات المتحدة. فليكن لبنان هو الولاية 52 وإن لم يعجب ذلك العرب
فهذا شأنهم."
إن
لإسرائيل سجل معروف في تنفيذ ما يعرف بأنه عمليات "الراية المزيفة"
والاغتيالات وبالتالي ليس من المستبعد تورط الموساد الإسرائيلي في
إلهاب مشاعر العداء لسوريا عبر توريط سوريا في اتهامات زائفة.
وعلى
سبيل المثال كرمت إسرائيل مؤخراً يهود مصريي المولد كانوا المنفذين لما
عرف لاحقاً بفضيحة لافون حين تم تفخيخ أماكن بريطانية وأمريكية داخل
مصر في الخمسينيات وتفجيرها على امل أن توجه الولايات المتحدة الاتهام
للحكومة المصرية وتأخذ الجانب الإسرائيلي ضد جمال عبد الناصر.
بعدها
قامت إسرائيل بقصف السفينة الحربية الأمريكية إس إس ليبرتي عام 1967
والهدف من ذلك كان اتهام مصر بهذه الفعلة، ولكن الذي حدث لسوء حظ
الإسرائيليين هو أن سفينة مصرية كانت قريبة من السفينة الأمريكية
وساهمت في إنقاذ بحارتها الذين أصبحوا اليوم شهوداً غير مرحب بهم على
الهجوم اليوم.
وهناك
أدلة أيضاً على أن الأمريكيين قد استخدموا هذا التكتيك في خليج تونكين
لإشعال شرارة حرب فيتنام ويمكن للقارئ أن يقوم ببحث بسيط على الإنترنت
للحصول على معلومات عن عملية نورثوودز الفاشلة التي خططت فيها الولايات
المتحدة حسب جيمس بامفورد في كتابه "Body
of Secrets"
لتنفيذ هجمات ملفقة على مواطنين أمريكيين من أجل حشد مواطنيها وراء حرب
ضد كوبا.
دعوني
أكرر القول إني لا أريد بذلك الإيحاء بأن أمريكا أو إسرائيل هي التي
كانت وراء اغتيال رفيق الحريري ولكن الإشارة إلى أن للآثنتين دوافع
لتحريك الشارع اللبناني ضد سوريا وحشد الرأي العام العالمي ضد دمشق.
كما أن
المحامين السوريين يسألون عن سبب عرض قضية اغتيال الحريري أمام مجلس
الأمن الدولي في حين أن الاغتيال هو قضية تخص لبنان وسوريا.
الساسة
يتعرضون للقتل في كل أنحاء العالم منذ قرون غير أن تلك الجرائم تخضع
للتحقيق الداخلي ولا تحال إلى المجتمع الدولي.
وعلى
سبيل المثال لم تتدخل الأمم المتحدة في اغتيال الرئيس سلفادور أليندي
أو الرئيس أنور السادات أو زعيم حماي المقعد الشيخ أحمد ياسين أو تسمسم
الرئيس فيكتور يوشينكو.
كما أن
البيت الأبيض لم يشغل نفسه بالوفاة الغامضة للرئيس ياسر عرفات كما لا
نزال بعد كل هذه السنين بانتظار معرفة قاتل الرئيس جون كينيدي. إذاً
لماذا تحقق الأمم المتحدة مع سوريا وتهدد دولة ذات سيادة بفرض عقوبات
دولية وربما ما هو أسوأ من ذلك؟
وفيما
كان أصحاب المصلحة محتارين من عدم توفر أي شاهد ذي مصداقية، خرج نائب
الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام من قصره الباريسي حيث يعيش في
منفاه المترف ليحرك الموضوع من جديد.
وأعلن
خدام في لقاء مع تلفزيون العربية في 30 ديسمبر أن بشار الأسد هدد
الحريري قبل اغتياله. وقال إن الأسد يحتكر السلطة وإنه الحاكم الوحيد
وإنه ليس هناك من قانون في سوريا إلا المصالح الشخصية.
غير أن
دوافع خدام هي محل شكوك خطيرة كما تشير صحيفة نيويورك تايمز في 1
يناير: "إن أقوال خدام يمكن النظر إليها أيضاً على أنها صفعة أخيرة
للأسد الذي كان على خلاف مع خدام وغيره ممن يسمون بالحرس القديم ممن
أحاطوا بحافظ الأسد حتى وفاته في 2000. وينظر لخدام على نطاق واسع بأنه
كان مهندس السياسة السورية في لبنان غير أنه أخذ مع الوقت يزيد من
انتقاداته للكثير من سياسات الرئيس الشاب الذي أجبره على الاستقالة من
منصبه نائباً للرئيس الصيف الماضي."
وقد
كان رد البرلمان السوري قوياً على أقوال خدام وطالب بمحاكمته بتهمة
الخيانة العظمى. ويقول الكثير من المراقبين إن خدام هو أحمد الجلبي
وإياد علاوي السوريين وأنه يريد العودة إلى السلطة على دبابة أمريكية.
إذا ما
كانت عناصر سورية هي المدبرة لقتل رفيق الحريري وجبران تويني بالفعل
فإن هذا عمل مدان و تجب محاكمة المدبرين. فالضحيتان كانا رجلين طيبين
عملا بجد لتحسين أوضاع بلدهما ولا يستحقان مثل هذه النهاية المؤلمة.
ولكن
إن نظرنا إلى ما هو أبعد من قتل هذين الرجلين الطيبين على نحو مأساوي
لوجدنا سيناريو أكبر بكثير آخذ بالحدوث وهو السيناريو الذي إن سمحنا له
بالتقدم دون ضبطه فإنه سيزعزع استقرار المنطقة ويرمي بالفتنة بين
العرب.
وهذا
هو بالضبط جوهر خطة المحافظين الجدد. هم يريدون مواجهات بين العرب. آخر
ما يتمنون حدوثه هو موقف موحد للعرب لأن العالم العربي إن اتخذ موقفاً
موحداً فلن يتمكنوا من السيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة وسيؤدي
ذلك إلى إضعاف إسرائيل.
هذه هي
الحقيقة. سوريا ولبنان جاران. اقتصاداهما مرتبطان ببعضهما بشكل وثيق
شأن ثقافتيهما وتراثيهما. الكثير من العائلات الكبيرة موزعة بين سوريا
ولبنان وأي من هذين البلدين لن يختفي. الحدود الواحدة ستجمعهما دوماً.
وبالتالي ألن يكون من الأفضل للبلدين إنهاء الأحقاد القديمة والشروع في
عملية عفو ومصالحة على النموذج الجنوب إفريقي مثلاً؟
لكن
مهما كانت عليه حال العلاقات اللبنانية السورية، فإن النفوذين الأمريكي
والإسرائيلي مؤكد بأنهما سيدفعانها نحو الأسوأ بغض النظر عن الشكل الذي
يأخذه هذا النفوذ والكلمات الودية الذي يوصف به.
إن عزل
سوريا واستعداءها تطور خطير بالنسبة للمنطقة. فالأسد منهمك الآن في حشد
ماتلديه من أصدقاء أقوياء في حال تعرضت سوريا لهجوم. ويعتقد برلمانيون
روس إن روسيا ستأخذ جانب سوريا في حال حدوث مواجهة مع الولايات
المتحدة.
يقول
شامل سلطانوف: "إذا ما تعين على روسيا الاختيار بين حليفيها
الاستراتيجيين فستأخذ جانب سوريا بالتأكيد." ويقول نيقولاي ليونوف إن
من مصلحة الولايات المتحدة اتهام سوريا بقتل الحريري: "سوريا معبر
ممتاز للنفط وذات موانئ عميقة على المتوسط. كما أن هذا يوفر ذريعة جيدة
للفت أنظار العالم بعيداً عن مجريات العراق."
ولنتذكر هذا! ليست الديمقراضية هي ماتريد أمريكا وإسرائيل تحقيقه في
لبنان وإنما دعم مصالحهما وهيمنتهما على الشرق الأوسط. وما ميليس
وتقريره إلى ذر للرماد في العيون ضمن خطة خبيثة. وإن سارت الأمور حسبما
هو مخطط له فلن يكون هناك من فائز إلا الولايات المتحدة وعميلتها
إسرائيل. فهل ستذرف الاثنتان الدموع إذا ما تشظى لبنان وسوريا
واجتاحتهما الفوضى؟ ماذا تظنون؟ |