لقد
عرفنا في الفقيد الغالي الراحل كل صفات القائد العربي النبيل، وهي
الصفات التي دفعت والده المغفور له صاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل
مكتوم أن يعهد إليه بأن يلقي كلمته إلى رعيته يوم تسلم مقاليد الأمور
في إمارة دبي عام 1958، وكان عمر فقيدنا آنذاك خمسة عشر عاماً. كما
أوكل الأب لابنه الراحل متابعة الجهود الحثيثة التي أثمرت قيام دولة
الإمارات العربية المتحدة. وبعد ذلك، ترك الراحل الكبير بصمته
الإيجابية على جميع المناصب التي تولاها سواء كان نائباً لرئيس مجلس
الوزراء أو رئيساً للمجلس، عضواً في المجلس الأعلى لحكام الإمارات أو
نائباً لرئيس الدولة.
وبعد
قيام دولة الإمارات، ازدادت صعوبة المهام الملقاة على عاتق قادتها.
وكان من أهمها الحفاظ على التجربة واستمرار نجاحها وحل ما يبرز من
مشاكل وعقبات. وكان لسموه دور كبير في بناء مؤسسات الدولة وتنميتها
وتطويرها، منذ البداية
وحتى رحيله. ويعود لفقيد الأمة الشيخ مكتوم بن راشد فضل
كبير في نجاح التجربة الاتحادية.
ومنذ
ذلك الحين واصل سموه مسيرة العطاء والحب لإمارته وبلده
وشعبه
وأسهم بكل الاخلاص والوفاء بدور مشهود في اعلاء شأن الدولة وترسيخ
وحدتها.
ولقد كان المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم أحد الرجال العظام
الذين
كرسوا لدولة الإمارات العربية المتحدة ولإمارة دبي كل حياتهم
وجهودهم لبناء الوطن وإعلاء شأنه والارتقاء بالمستوى
المعيشي لأبنائه. وقد بقي سموه متواضعاً للحق، محباً لعمل الخير، واسع
الصدر، وثاقب البصر، حتى غدا مضرب المثل في تفانيه وكرمه الذي لم يقتصر
على أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة، بل تجاوزها إلى غيرها من
الدول العربية والإسلامية.
لقد
كان المغفور له من القادة الذين سيسجل لهم التاريخ أدوارا لا تنسى في
حياة أوطانهم وفي التاريخ العربي وحتى العالمي. فتحت إشرافه المتواصل
وبتوجيهاته الحكيمة، سابقت إمارة دبي الزمن، فأصبحت قبلة للعالم بأكمله
في حجم الإنجازات الكبرى التي حققتها خلال عقود قليلة من الزمن. وهكذا
غدت دبي مركزاً اقتصادياً عالمي المستوى، وأثبتت أن تنويع الدخل في
الدول التي كانت أساساً تعتمد على النفط ليس بالأمر المستحيل. بل إن
الكثير الكثير من الأرقام القياسية العالمية في شتى القطاعات تحطمت في
دبي. وسرعان ما تحولت إلى مثال ناصع يشار إليها بالبنان في مختلف أرجاء
العالم.
لقد
حققت دبي من التقدم والنهضة تحت قيادة المغفور له صاحب السمو الشيخ
مكتوم بن راشد آل مكتوم ما لم يكن يخطر ببال أحد. وتميز ذلك التقدم
والنهضة
بالشمولية الكاملة، بحيث شملا جميع مرافق الحياة، بدءاً من الاقتصاد،
ومروراً بالعمران والبنية التحتية وانتهاء ببرامج ومشاريع
الجذب السياحي المدهشة. ونتيجة لكل ذلك، أصبحت دبي
ملتقى دولياً لجميع ما يخطر بالبال من أنشطة. وقد أذهل العالم أن هذه
النهضة الهائلة تحققت دون
الاعتماد على النفط، بل على تفكير منفتح
وعلى
رؤية مستنيرة واستراتيجية بعيدة المدى.
كل ذلك
جعل من المغفور له صاحب السمو الشيخ مكتوم طرازاً مميزاً من الحكام.
فقد وضع سموه خلال مسيرته وفي مختلف المناصب التي تولاها الخطوط
العامة للتطور في مناخ من الحرية والانفتاح والمرونة القانونية
والتشريعية واللامركزية الإدارية الموسعة والمشاركة في
صنع القرار وبناء علاقة جيدة مع العالم لاستقطاب أفضل ما عنده من خبرات
وتقنيات. وكان من الطبيعي أن يعتمد كلياً على شعب يحبه ومسؤولين أحسن
انتقاءهم، وعلى رأسهم شقيقه، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.
والحداد الذي يعيشه شعب الإمارات على الراحل الغالي لم يقتصر على قطاع
معين. فما من قطاع إلا وخسر الكثير برحيل الشيخ مكتوم، بكل ما كان
يتجسد فيه من أخلاق الفارس العربي من شهامة ونبل وحلم وكرم.
إن
خسارة دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بوفاة المغفور له الشيخ
مكتوم بن راشد أكبرمن أن تعبر عنها الكلمات، وهي خسارة أيضاً للعالمين
العربي والإسلامي. لكن عزاءنا هو في أن الأمانة وصلت إلى من يستحقها،
والراية وصلت إلى يد القادر على حملها، ألا وهو صاحب السمو الشيخ محمد
بن راشد آل مكتوم، الذي اعتلى سدة المسؤولية بعد انتقال شقيقه إلى رحمة
الله، وهو سيكون خير خلف لخير سلف.
إننا
في الوقت الذي ندعو فيه للفقيد الكبير بالرحمة وقلوبنا دامعة على
فقدانه في وقت نحن أحوج ما يكون لحكمته وبعد نظره، لنتطلع للمستقبل
بأمل كبير معاهدين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
الجديد بأن نتابع المسيرة وراءه، وكلنا ثقة بأن سموه سيتابع الجهود
الخيرة، ويقود شعبه من مجد إلى مجد، ومن رفعة إلى رفعة.
خلف أحمد الحبتور |