وقد حصل منتجو الأفلام في الإمارات على فرصة لعرض أعمالهم، حيث خصص يوم
من المهرجان لعرض أعمال خمسة مخرجين إماراتيين صاعدين. هذه الأفلام ضمت
أربعة أفلام قصيرة وفيلم طويل، وقد صممت الفعالية بحيث توفر نظرة عامة
على مجتمع الإمارات ونطاق السينما الإماراتية.
يقول مبرمج المهرجان، مسعود أمر الله العلي، والذي أوكلت إليه المهمة
الصعبة في اختيار الأفلام المحلية التي ستعرض: "أصعب ما تمر به هو أن
يكون لديك فيلمان رائعان، يتوجب عليك أن ترفض أحدهما. اخترت ما يمثل نظرة
عامة إلى مجتمع الإمارات وسينماه، وهذا يعني رفض العديد من الأفلام
الواعدة وصناعها."
وقد عكست الأفلام الأربعة التي اختارها – بئر عشبة، سجائر، جوهرة، وبلاط
مبلل- ماضي وحاضر ومستقبل الدولة، إضافة إلى عدة أساليب سينمائية متنوعة.
فيلم بئر عشبة للمخرج وليد الشحي من رأس الخيمة، يصور المشهد الطبيعي،
وهو انعكاس لطبيعة الأحلام، وكيف تؤثر في الواقع، والعكس. ويعود فيلم بئر
عشبة إلى المجتمع الإماراتي في السبعينيات من القرن المنصرم، وهو يتناول
أيضاً التنوع الطبيعي لأرضنا." ويضيف أمر الله: "الشحي مخرج موهوب، وفيلم
"بئر عشبة" يكاد يكون شاعرياً في طريقة تنفيذه."
أ
ما "سجائر"، فهو قصة الصراع الذي تعاني منه امرأة عصرية بين عملها الناجح
كمذيعة في التليفزيون، وحبها لرجل، بينما يتناول فيلم "جوهرة"، الفيلم
الحائز على جوائز للمخرج هاني الشيباني من دبي، قصة طفل يتنازعه
عالمان.هذا الفيلم فاز بجائزة أفضل فيلم قصير في مسابقة أفلام الإمارات،
ومهرجان أفلام الشرق الأوسط في بيروت، إضافة إلى إشادة في مهرجان قرطاج
السينمائي. وأخيراً، فيلم "بلاط مبلل" للمخرجة لمياء حسين قرقاش التي
تبلغ من العمر 22 عاماً يتناول علاقة غامضة بين رجل وامرأة.
يقول أمر الله: "الحدث الخاص بدولة الإمارات في المهرجان هو فرصة رائعة
لمجتمع الإمارات وبقية العالم لرؤية ما يستطيع صناع السينما في الإمارات
فعله. فيلم "بلاط مبلل" على سبيل المثال، فيلم تجريبي تماماً، بدأ كمشروع
جامعي، بينما فيلم "سجائر" له روحه الفكاهية الخاصة به. عند اختياري لهذه
الأفلام، أردت أن أظهر أننا لا نقوم فقط بإنتاج أفلام درامية، بل أفلام
اجتماعية وفكاهية وعميقة كذلك."
الفيلم الطويل، "الكشف عن دبي"، عرض أيضاً ضمن فعالية أفلام الإمارات،
كجزء من برنامج المهرجان الخاص "عملية الجسور الثقافية". هذا الفيلم من
إخراج الإماراتية نايلة الخاجة، وهو بشكل وثائقي يصور دبي من خلالي عيني
زائر غربي يراها للمرة الأولى.
وفي تعليقه على الفيلم، يقول مدير المهرجان ستيفنسون: "بعدة طرق، يعتبر
فيلم "الكشف عن دبي" قلب المهرجان، لأنه يثير التساؤل حول الجسور بين
الحضارات، ويظهر كيف أن دبي هي المكان المناسب لمبادرة كهذه. ما يجعله
أكثر خصوصية هو أن هذا الفيلم الذي يبني الجسور من إخراج مخرجة
إماراتية."
وقد عرض 13 فيلماً، تشمل 10 أفلام بدأت عرضها في الخليج، ضمن قسم
"الليالي العربية" في المهرجان، مما أعطى المشاهدين فرصة لتذوق بعض أفضل
الأفلام العربية. من مصر إلى المغرب، لبنان، وهولندا، فلسطين إلى
الولايات المتحدة الأميركية، مجموعة متنوعة من الأفلام للعرب أو عن العرب
اختيرت لتعطي زوار المهرجان نظرة عن رؤية العالم للعرب، ورؤية العرب
لأنفسهم.
"المهرجان فرصة لتقديم أفلام تقدم القصة من كلا الجانبين، سواء من الجانب
العربي أم الغربي، وما وراءه." يقول أمر الله، الذي ساهم في إدارة مسابقة
الأفلام الإدارية في مجمع دولة الإمارات الثقافي. "إنها منا لهم، ومنهم
إلينا، ولهم ولنا."
تم اختيار أفلام "الليالي العربية" بعد أن شاهد أمر الله أكثر من 200
فيلم، وزار 16 مهرجاناً سينمائياً حول العالم.
"جميع الأفلام العربية المختارة للمهرجان تم اختيارها على أساس محتواها
ونوعية إنتاجها. لقد حاولت أن أختار مزيجاً من الأفلام ذات الميزانية
الضخمة، والأفلام للمنتجين المستقلين، بحيث ندعم صناع الأفلام الشبان في
مجتمعنا."
وقد حرص أمر الله على اختيار مواضيع متنوعة، من السياسية الجادة، إلى
الكوميديا الخفيفة. يقول: "العالم ينظر إلى الشرق الأوسط من منظور سياسي،
وسياسي فقط، ولكن لدينا روح الفكاهة أيضاً. لدينا نفس هموم الناس حول
العالم - عائلاتنا، مجتمعنا، وظائفنا، مستقبلنا. أردت أن أظهر الصورة
الحقيقية للعرب، مهما كنا غير مرتاحين إليها. كنت أستطيع اختيار أفلام
تجارية لا تعكس الواقع بدقة، ولكن الأصعب والأكثر إفادة لمجتمعنا هو رؤية
الأفلام التي تروي الحقائق، حتى لو كانت الحقيقة بشعة."
من النجوم العالميين الذين زاروا المهرجان ممثلة هوليوود سارة ميشيل
جيلار، التي وصلت إلى دبي لحضور العرض الأول لفيلمها "الضغينة".
تقول سارة: "هذه زيارتي الأولى إلى الشرق الأوسط، ولكني أعتقد أن المنطقة
جميلة جداً. لقد درت حول العالم للترويج لهذا الفيلم، وأستطيع القول أن
هذا المكان هو المفضل عندي، والتجربة المفضلة حتى الآن."
وقد أشادت سارة بفكرة المهرجان القائمة على التواصل الحضاري، وتوقعت أن
لا يمر وقت طويل قبل أن يصبح مهرجان دبي حدثاً دولياً ضخماً.
"سوف يكون من الأصعب فالأصعب أن تصل أفلامك إلى مهرجان دبي السينمائي،
وأن تتمكن أنت من الوصول إلى هنا، ولذا يشرفني أن أكون الأولى هنا." تضيف
جيلار. وقد عملت هي في تجربة تواصل حضاري خاصة، حيث أن فيلمها "الضغينة"
هو الفيلم الياباني الأول المعاد تصنيعه خصيصاً للجمهور الأميركي. تم
تصوير الفيلم بالكامل في اليابان، وقد أخرجه المخرج الياباني ذاته الذي
قام بإخراج الفيلم الأصلي، وفريق عمل كامل من اليابانيين، وكانت جيلار
واحدة من الأميركيين القلائل في الفيلم.
تقول: "أعتقد أننا كلما قمنا أكثر بنقل السينما من جهة في العالم إلى جهة
أخرى، كلما ساهمنا أكثر في التواصل بين الحضارات. فيلم "الضغينة" هو
مساهمتي الأولى في ذلك، وأود أن أكررها. كلما استطعنا فعل ذلك، كلما قل
عدد الجسور التي علينا أن نعبرها."
وهذه الممثلة التي تتكلم بطلاقة وثقة تقف بحزم وراء تعزيز وضع المرأة
عبر إعطائها أدواراً إيجابية في السينما والتلفزيون. وقد أكدت أنها ستسعى
لنقل صورة إيجابية عن الشرق الأوسط في الغرب.
وأضافت " سأبذل كل ما بوسعي لأقوم بأدوار غير نمطية عن الشرق الأوسط."
وأشارت إلى أن برنامجها التلفزيوني الشهير "بافي، قاتلة مصاصي الدماء"
مكرس لتقديم صورة غير نمطية للمرأة الشابة. وعوضاً عن البرامج الأخرى
التي تركز على فتيات يبذلن كل جهودهن لإبراز منظرهن واكتساب الشهرة، فإن
برنامجها يهدف لنقل رسالة مؤداها أن الفتيات والنساء يمكنهن تحقيق أي شيء
يريدونه.
وقال "لقد كان دور بافي مذهلاً في نموذجيته. والوحوش والعفاريت التي
تصارعها كانت ترمز للجوانب المرعبة في الحياة، وأنا فخورة للغاية بما
أعطيته من قوة للمرأة في ذلك البرنامج. لقد كان بالفعل درساً اجتماعياً
ثميناً للكثير من الشباب والشابات لأنه لم يتسم بالعنف المطلق، بل كان
يعالج مواضيع تتراوح بين الاعتداءات المنزلية والحب من أول نظرة، ولكن
بأسلوب إيجابي جداً."
وكان بين الأفلام التي لقيت أكبر قدر من الإشادة خلال المهرجان تلك التي
تتطرق لمختلف جوانب القضية الفلسطينية. ومن ضمنها كان فيلم "الجدار"
الفرنسي الذي يدرس تأثير جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية،
و"خاص"، الفائز بالجوائز، والذي يصور عائلة فلسطينية تقع رهينة بأيدي
جنود إسرائيليين.
ومع عرض هذه المجموعة الواسعة من الأفلام خلال المهرجان بحضور عدد من
مشاهير السينما العربية والعالمية، يبدو أن مهرجان دبي السينمائي الدولي
الأول قد انطلق ليغدو حدثاً رئيسياً في أجندة دبي، ينتظره الكثير من عشاق
الأفلام الراقية في الإمارات العربية المتحدة بلهفة كبيرة.
|