وخضعت
تونس للاحتلال الفرنسي بين 1881 و1956 حين حصلت على استقلالها بزعامة
قائد حركة الاستقلال الوطني الحبيب بورقيبة.
تحتل
تونس موقعاً مهماً في غربي البحر المتوسط في مقابل جزيرة صقلية وتستمد
البلاد شعورها الوطني القوي من إدراكها لتاريخها المجيد كما أن ثقافتها
وتقاليدها إسلامية طوال 14 قرناً مضت إضافة إلى أن لغتها العربية تجعل
منها جزءاً من الوطن العربي الذي يمتد من المحيط الأطلسي غرباً حتى
الخليج العربي وبحر العرب شرقاً.
يمكن
تلمس عجائب تونس القديمة في كل أرجاء البلد كما أنها توحي لمن يتعرف
عليها بأن التاريخ والثقافة قد تضافرا ليصوغا دولة حديثة شديدة التميز.
تونس الجديدة ورثت موقع قرطاج العتيقة غير أنه اليوم بعيد عن تلك
العظمة التي صنعها ذات يوم وجعلته الأكثر شهرة وثروة في الإمبراطورية
الفينيقية.
تاريخ عريق
في 814
قبل الميلاد أسست الملكة اليسار مدينة قرطاج، وكانت قبلها أمير سابقة
من مدينة صور. وبعد أن قتل أخوها بغمليون، ملك صور، زوجها الكاهن
الأكبر هربت من طغيان بلادها لتؤسس مدينة قرطاج وما حققته من نفوذ
لاحقاً. وفي أوج قوتها أصبحت قرطاج تعرف بأنها "المدينة المتألقة" التي
تحكم 300 مدينة أخرى في غرب المتوسط وتتوسط ما أصبح يعرف بالإمبراطورية
الفينيقية الغربية.
وفي
قرطاج التقت أليسار أنياس، المحارب الإغريقي الذي هرب من مدينة طروادة
المدمرة لتتحطم سفينته ويجد نفسه على سواحل قرطاج. الملكة أليسار (التي
تعرف أيضاً باسم ديدو وهي الكلمة الفينيقية التي تعني الرحالة) وقعت في
هوى أنياس وأعجبتها شخصيته وشمائله. تقول ملحمة الإنياذة لفيرجيل إن
ديدة كانت شخصية محترمة جداً. وفي سبعة أعوام فقط، بعد هروبها من صور،
استطاع الفينيقيون أن يبنوا إمبراطورية قوية تحت زعامتها. وكان رعاياها
شديدي التعلق بها ويمجدونها. وأصبحت محبوبة أكثر حينما آوت أنياس
ورجاله بعد هروبهم من طروادة. لكن بعد أن أتى ميركوري رسول جوبيتر، كما
تقول الملحمة، إلى أنياس ليذكره بأن رسالته ليست البقاء في قرطاج مع
حبه الجديد وإنما أن يمضي إلى إيطاليا ليؤسس روما، تغيرت شخصية ديدو
نحو الأسوأ. وحينما رحل أنياس أصبحت تريد الانتقام وأمرت ببناء تنور
لتحرق فيه كل ما تركه وراءه من متاع. وعند هذا التنور خطرت لديدو
رؤيتها بأن قائداً قرطاجياً هو حانيبعل سينتقم لها في المستقبل. وبعدها
طعنت نفسها لتقضي على حياتها.
بين
700 و409 قبل الميلاد وقعت مواجهات متكررة بين قرطاج والإغريق نتيجة
التنافس على مناطق النفوذ وطرق التجارة. وفي ظل الأسرة الماغونية، هيمن
القرطاجيون على كامل غرب المتوسط غير أن الإغريق عادوا واستعادوا اليد
الطولى بعد معركة إميرا في 480 قبل الميلاد. ثم توسعت ساحة المناوشات
بين القرطاجيين والإغريق للسيطرة على صقلية حتى وصلت أراضي تونس في 311
قبل الميلاد حين غزا الإغرق رأس بون. كما أصبحت قرطاج المنافس الرئيسي
للإمبراطورية الرومانية في السيطرة على غربي المتوسط في القرن الرابع
قبل الميلاد وهو ما كان سبباً لاندلاع الحرب الرومانية القرطاجية
الأولى. كما عاثت الحرب الرومانية القرطاجية الثانية خراباً في المنطقة
بين 218 و202 قبل الميلاد حيث عبر حانيبعل جبال الألب لمهاجمة روما.
ولكن الحرب انتهت بتسوية قرطاج بالتراب على يد الرومان الحاقدين في
الحرب الرومانية القرطاجية الثالثة لتصبح تونس جزءاً من الامبراطورية
الرومانية ويباع مواطنوها عبيداً.
كان
القائد القرطاجي حانيبعل (247-182 قبل الميلاد) وهو أشهر اسم عرفته
قرطاجة أحد أعظم القادة العسكريين في التاريخ. وحملته الأشهر على روما
حدثت في الحرب الرومانية القرطاجية الثانية (218-202 قبل الميلاد)
حينما فاجأ الرومان في عقر دارهم بعد أن عبر الألب بجيشه.
حين
ولد حانيبعل في 247 قبل الميلاد كانت قرطاج مسقط رأسه تعاني الإذلال
بعد أن هزمها الرومان وجردوها من كل أراضيها التابعة لها في صقلية
وسردينيا وكورسيكامع أنها كانت أثرى مدن المتوسط وأكثرها رخاء.
كان
حانيبعل الابن الأكبر للقائد العسكري حاميلقار برقة الذي اصطحبه معه
إلى إسبانيا في 237 قبل الميلاد حيث كان يريد احتلالها للتعويض عن
خسارة قرطاج أراضيها للرومان. وحين مات حاميلقار في 229 قبل الميلاد
تولى عزربعل، صهر حانيبعل، قيادة الجيش من بعده. استطاع القائد الجديد
أن يؤمن موقع قرطاج بالوسائل الدبلوماسية بين القرطاجيين والإيبيريين.
وتزوج حانيبعل أميرة من الجزيرة الإيبيرية.
لكن
عزربعل قتل غيلة في 221 واختير حانيبعل قائداً للجيش القرطاجي في
الجزيرة الإيبيرية. وعاد إلى سياسات والده الحربية وهاجم الإيبيرين
ثانية ليستولي في 220 على سلمنقة. وفي العام التالي حاصر ساغنتوم،
حليفة روما. ولأن الرومان كانوا منشغلين بالحرب الإليرية الثانية وغير
قادرين على دعم ساغنتوم، سقطت المدينة بعد حصار دام ثمانية شهور.
في 219
قرر حانيبعل الخروج في أكثر مناوراته العسكرية جرأة وبراعة فبدأ هجومه
على مدينة روما نفسها بالمسير عبر جبال الألب بجيشه بما فيه من أفيال
وخيل وجند ويوقع بالجيوش الرومانية هزيمة ثقيلة. واستطاع أن يحارب
الجيوش الرومانية طوال ستة عشر عاماً على أراض معادية قبل أن تعود
الأمور وتتغير لصالحهم. وفي النهاية قرر الانتحار بالسم في 182 قبل
الميلاد ليحرم الرومان من فرصة الإمساك به أسيراً. وحينها قال كلماته
الأخيرة الشهيرة "لنضع حداً لقلق الرومان الذين ينتظرون بملل موت عجوز
يكرهونه."
وبعد
أن هزم الرومان القرطاجيين جعلوا من مدينة أوتيكا على ساحل تونس عاصمة
لهم في 146 قبل الميلاد.
العصور الوسيطة
دخل
المسلمون العرب تونس في 670 للميلاد بقيادة عقبة بن نافع بهدف فتح
البلاد والاستقرار فيها. واستطاع الفاتحون المسلمون في طريقهم إلى تونس
براً أن يهزموا معاقل بيزنطة على امتداد الساحل واحداً بعد الآخر.
وفيها أسسوا مدينة القيروان التي أصبحت نقطة انطلاق لهم للاستيلاء على
ما تبقى من الجيوب الرومانية وقبائل البربر. وتحولت تونس إلى مركز
طبيعي للحكم الإسلامي في شمال إفريقيا. فقد كانت المنطقة الوحيدة التي
تتمتع بالمقومات الحضرية والتجارية والزراعية الضرورية لدولة متمتدنة.
وبعد
عدة أجيال ظهرت أرستقراطية عربية محلية لم يعجبها تدخل مركز الخلافة
البعيد في الشؤون المحلية. وشهدت تونس تمرداً خفيفاً في 797 وتحول
لاحقاً لحركة أكثر خطراً حين وصل للقيروان. وحينها لم يتمكن عامل
الخليفة على تونس من استعادة النظام، غير أن القائد المحلي إبراهيم بن
الأغلب كان لديه جيش صغير استطاع أن ينهي التمرد بفضله. وطلب من
الخليفة هارون الرشيد أن يجعله عامله على إفريقيا وذريته من بعده
فوافق. حكم إبراهيم بن الأغلب وذريته من بعده الذين عرفوا بالأغالبة
تونس وطرابلس وشرق الجزائر كولاة للخليفة من 800 وحتى 909 للميلاد.
وكانت نخبهم العسكرية مكونة من العرب والبربر ومن الجند العبيد. أما
الجهاز الإداري فكان من العرب والمهاجرين من فارس ومن المحليين الذين
يتحدثون العربية والبربرية إلى جانب بعض المسيحيين واليهود.
ازدهرت
تونس تحت حكم الأغالبة حيث انتشرت أعمال الري لتزويد المدن بالماء وري
البساتين ومزارع الزيتون. وبنيت مئات الأحواض في القيروان لتخزين الماء
من أجل تربية الخيل. كما ربطت طرقات التجارة والبضائع المستوردة تونس
بأنحاء الصحراء الكبرى والسودان والمتوسط ثم فتحت جيوش الأغالبة صقلية
في 835.
في
عصور لاحقة جعلت الفوضى تونس هدفاً للغزاة من النورمانديين الذين أسسوا
لهم مملكة في صقلية واستولوا على المهدية وقابس وصفاقس وجزيرة جربة بين
1134 و1148. وكانت الدولة الوحيدة التي يمكن الركون إليها في المغرب
العربي في ذلك الوقت هي دولة الموحدين (1130-1163) في المغرب والتي ردت
على هذه الهجمات وأجبرت النورمانديين على التراجع إلى صقلية. والخليفة
الموحد عبد المؤمن سيطر على كامل المغرب وتدخل في الأندلس ووصل حكمه
حتى الجزائر وتونس.
لكن
الدولة الموحدية، مثل سابقاتها، سرعان ما تفكك حكمها في تونس. وفي 1230
ظهرت فيها دولة الحفصيين التي حكمت بين 1230 و1574 واعترفت بها مكة ثم
اعترفت بالمستنصر خليفة عليها. واستطاع الحفصيون رد حملة لويس التاسع
في 1270. وعرفت تونس بعدها ازدهاراً كبيراً نتيجة التجارة المتزايدة مع
أوروبا والسودان في عهد المستنصر الذي استخدم الأموال في تحويل عاصمته
تونس وبناء القصور والحدائق فيها. ويقال إن المنتزه الذي بناه قرب
بنزرت لم يكن له مثيل في العالم أجمع.
وفي
1492 بدأت هجرة المسلمين واليهود من الأندلس بعد طردهم منها على يد
الإسبان وهي الهجرة التي بلغت ذروتها بعد سقوط غرناطة. وأتى القادمون
الجدد بالكثير من الخبرات القيمة في الزراعة والحرف. وأصبحت تونس بين
1534 و1581 ساحة للصراع بين الدولة العثمانية وإسبانيا قبل أن تدخل
نهائياً في 1574 داخل الإمبراطورية العثمانية. |