والت وويرشيمر أنكرا هذه
الصلة المختلقة عمداً لتشويه صورتهما ودعواهما: "للأسف، بعض منتقدينا
حاولوا تشويه صورتنا عبر ربطنا بعنصريين يعبرون عن عنصريتهم علناً
للإيحاء بأننا عنصريان ومعاديان للسامية. وعلى سبيل المثال يقول مايكل
تايلور إن دراستنا قوبلت بترحيب جم من قبل مايكل ديوك زعيم منظمة
كوفلوكس كلان. أما ألان درشوفيتز فيشير إلى أن بعض المواد التي عرضناها
مأخوذة من مواقع للنازيين الجدد وبعض الأدبيات الحاقدة الأخرى. نحن لا
نستطيع أن نجبر الناس فيما تحب أو تكره، غير أنا نأسف أ يكون ديوك قد
استخدم دراستنا لدعم أجندته العنصرية التي نرفضها تماماً."
أحد هؤلاء المنتقدين هو
كريستوفر هيتشنز الكاتب البريطاني والاشتراكي السابق الذي تحول لسبب لا
يعرفه أحد إلى أحد أبواق المحافظين الجدد واستقر في الولايات المتحدة.
وهو يقول إن الدراسة "تفوح منها رائحة ما خفيفة ولكن ظاهرة." وبقراءة
ما بين السطور يصبح من الواضح أنه يوحي بأنها معادية للسامية.
كما اتهم البعض كاتبي
الدراسة بأنهما يعطيان المصداقية لنظريات المؤامرة المعادية للسامية
التي تقول إن مجموعة يهودية سرية تعمل من أجل أن تحكم العالم، مع أنهما
يؤكدان أن اللوبي مكون من مجموعات متفرقة من الأفراد المؤسسات كما أن
ليس كل أعضائها من اليهود.
وهذا صحيح تماماً. إذ
تقول مقالة لشلومو شامير نشرتها صحيفة هآريتز الإسرائيلية في مارس
الماضي إن مجموعة ضغط جديدة من المسيحيين المؤيدين لإسرائيل تحاول أن
تصبح أقوى من إيباك.
يقول شامير:
"الإيفانجلستي التلفزيوني جون هاغي يقول لقلدة اليهود إن 40 مليون
مسيحي إيفانجلستي في الولايات المتحدة يساندون إسرائيل وإنه يخطط
لتوظيف هذه القوة في لمساعدة إسرائيل عبر إطلاق لوبي مسيحي مناصر
لإسرائيل." بل يخطط هاغي أيضاً لقيادة وفد من 500 مسيحي إيفاتنجلستي
إلى إسرائيل هذا الصيف.
الإيفانجيليون الذين
يدعمون المطامح الإسرائيلية يفعلون ذلك بسبب إيمانهم القوي بالنبوءات
الإنجيلية. وهم يؤمنون أن إسرائيل يجب أن تبني هيكلها المدمر في القدس
قبل عودة المسيح إلى الأرض. بعض اليهود قلقون من هذه الفكرة فيما
النفعيون منهم يرحبون بالدعم الأمريكي لدعم مساعيهم على المدى القريب
دون الاكتراث كثيراً بالدوافع الإيفانجيلية.
أما المحلل الاقتصادي
والإعلامي إدوارد هيرمان فيقول: "الأثرياء من اليهود أغدقوا الأموال
على جماعات الضغط التي تناصر إسرائيل، خصوصاً في الأوقات التي بدت فيها
تواجه تهديداً محتملاً. وينظر إلى إيباك التي كانت موازنتها السنوية 15
مليون دولار منذ أوائل التسعينيات على أنها اللوبي الأكثر نفوذاً في
الولايات المتحدة. وحسبما يذكره المحلل السياسي ستيفن إسحق فإن اللجنة
الديمقراطية القومية تحصل على أكثر من نصف أموالها من مصادر يهودية."
وينقل عن أحد خبراء
الاستراتيجيا من غير اليهود قوله "لا يمكنك حتى الأمل في أن تحقق أي
شيء على صعيد السياسة الوطنية إذا ما كنت من الحزب الديمقراطي وليست
لديك أموال يهودية." وهذا القول يفسر تماماً السبب الذي يجعل هيلاري
كلينتون التي تأمل بترشيح نفسها للرئاسة عن الديمقراطيين في 2008 تبذل
كل جهدها لخدمة المصالح الإسرائيلية.
يقول هيرمان:
"الجمهوريين كانوا أقل اعتماداً على هذا المصدر غير أن الكثيرين منهم
(ومن أنصارهم من اليمين المسيحي) كانوا مخلصين لخدمة إسرائيل بسبب
سياستها القاسية ودعمها للعسكريتاريا الأمريكية."
ورغم أن للوبي نفوذ كبير
في السياسة الأمريكية الراهنة، فهو حريص أيضاً على يحافظ على هذا الزخم
عبر قولبة الطلبة الأمريكيين فكرياً ليكونوا من أنصار إسرائيل.
الدعائي المعادي للعرب
دانييل بايبس وعبر مندى الشرق الأوسط أطلق حملة "مراقبة الجامعة" التي
تشجع الطلبة الجامعيين على الإبلاغ عن أي أستاذ يتجرأ على تحدي السياسة
الأمريكية الخارجية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
ونشر بايبس ملفات عن
ثماني باحثين لم يكونوا مؤيدين لإسرائيل بالقدر الذي يراه وافياً إلى
جانب أسماء 146 شخصاً قال إنهم يدافعون عن الإسلام الجهادي. وللدفاع عن
الحرية الأكاديمية، قام أكثر من 100 أكاديمي بالاتصال بحملة مراقبة
الجامعة طالبين إضافة أسمائهم إلى القائمة.
ويعرف عن دانييل بايبس
وصفه للمسلمين بأنهم "برابرة" يريدون "استبدال القرآن بالدستور
الأمريكي." كما قال في ناشنال ريفيو قبل بضع سنوات إن "المجتمعات
الأوربية الغربية غير مستعدة لمواجهة الهجرة الكاسحة القادمة من الشعوب
ذات البشرة البنية والمعتادة على طبيخ غريب ولهم معايير مختلفة
للنظافة." كل هذا وتجد لدى قليلي الحياء ممن يشاركونه آفكاره ما يكفي
من الوقاحة ليتهموا والت وويرشيمر بالعنصرية.
وبايبس هو أيضاً كاتب
دائم في صحيفة جيروزاليم بوست وموقع غاملا الذي افتتحه المستوطنون
اليهود المنادين بترحيل الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفي مواجهة الغضبة
العارمة من جانب الأوساط الأكاديمية، وجد بايبس نفسه مضطراً للتخلي عن
جملة مراقبة الجامعة.
زاكاري لوكمان أستاذ
التاريخ في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك أحس بمرارة بالغة
من هذه الأساليب المكارثية التي لجأ إليها بايبس وخط له رسالة قال
فيها: "رغم أني راقبت أفعالك منذ سنوات عديدة، لم يخطر ببالي أبداً أنك
ستنحدر لهذا المستوى الوضيع جداً لتقوم بهذه المحاولة البشعة لزعزعة
النزاهة والأعراف الأكاديمية ولتحقق بالتضليل والخداع والتهديد المبطن
ما عجزت عن تحقيقه بالعقل والتبادل الفكري الحر."
وها هو عدد متزايد من
المفكرين يرحبون بإثارة هذا السجال المحيط بهذه القضية المحرمة التي
فتحتها شجاعة والت وويرشيمر، بل إن الحوار بشأنها قد وصل حتى صفحات
نيويورك تايمز.
في هذه الصحيفة يطرح
كاتب الرأي طوني جوت في عمود بعنوان "لوبي وليس مؤامرة" هذا السؤال:
"هل يؤثر اللوبي الإسرائيلي في قرارات سياستنا الخارجية؟ بالطبع نعم،
فهذا هو أحد أهدافه. وقد كان ناجحاً في تحقيقه..."
ويحذر جوت من أنه فيما
ضحايا الهواوكست يموتون وتلك الذكرى تخبو فإن الأجيال المقبلة من
الأمريكيين لن تكون قادرة على تفهم دور الضحية المفضل لدى الإسرائيليين
ويتساءل عن الذي يجعل "القوة والسمعة الإمبراطورية للولايات المتحدة
متحالفة بهذا القدر من الالتصاق بدولة متوسطية صغيرة مثيرة للمشاكل."
ويضيف: "الأوروبيون
والأمريكيون اللاتينيون والأفارقة والآسيويون يتساءلون بالفعل عن الذي
يجعل الولايات المتحدة تقرر قطع أي إحساس لها ببقية العالم عندما يتعلق
الأمر بهذه القضية."
هذا هو بيت القصيد في كل
ذلك الصخب الذي سببته دراسة والت وويرشيمر. الدراسة نفسها متوازنة
وتعتمد على الحقائق كما أنها ليست معادية للسامية أبداً. لكن إذا ما
سمح لمثل هذا الحوار أن يشيع في الأوساط الأكاديمية الأمريكية ووصل إلى
البرامج الحوارية التلفزيونية فإن الشعب الأمريكي قد يشعر بالصدمة من
دعمه العبودي هذا لإسرائيل التي ينظر إليها الكثيرون في العالم على
أنها دولة غير شرعية تستحق النبذ.
وفي غضون ذلك كله، نتيجة
لقوة اللوبي البالغة وقصر نظر أمريكا المعتدلة وعجز الأمريكيين من أصل
عربي عن عرض قضيتهم بأي طريقة مفيدة، سيعيش الشعب الأمريكي في بلهنيته
في أرض الخيال التي يتصورها لعقود عديدة مقبلة. أما الأستاذ جوان كول
وغيره من المؤيدين للحق الفلسطيني فأمامهم طريق طويل ومهجور.
|