في ذلك
الوقت كان هناك خطان متمايزان فقط هما المقور، وهو مقوس وسهل الكتابة
أما الثاني فهو المبسوط ذي الأشكال الممدودة والمستقيمة. وكان لهذين
الخطين أثراً كبيراً على تطور الخطوط اللاحقة وأبرزها المائل، الذي
تطور منه الخط الكوفي، والمشق والنسخ.
لم
تكتب للمائل شعبية بين الكتبة وحل محله الخط الكوفي. أما المشق والنسخ
فحققا انتشاراً واسعاً بعد خضوعهما للكثير من التحسينات الفنية.
من
الملاحظات المهمة في هذا الصدد أن تطور الخط العربي لم يأخذ منحى
زمنياً تراتبياً، بل أخذ أشكالاً وأساليب متعددة بالتزامن مع بعضها. وتطور
الخط عبر مدرستين أولهما الكوفية والثانية
الحجازية ، أما الخط الكوفي فكان يميل إلى اليباس مع القسوة ، بينما
يمتاز الحجازي
بليونته
وسهولة كتابته.
ثم
تطور الخط وتشعبت أنواعه بعدها على يد خطاطي العصر الأموي وأولهم" قطبة
المحرر
"الذي
استخرج الأقلام الأربعة واشتق بعضها من بعض وكان في عصره أكتب الناس على
الأرض
العربية وقد بدأ يدخل التدوين من خلال الزخرفة وإدخال التزيينات والذهب
في
الآيات القرآنية.
وكان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو أول من فرض الاستخدام
الإلزامي للخط العربي في الدواوين الرسمية.
أهم
الخطوط التي وضع أصولها قطبة المحرر هي خط الطمار وخط الجلي. وبقيت نسخ
مطورة من هذين الخطين تستخدمان حتى أيام الدولة العباسية.
وقد
حقق الطمار انتشاراً كبيراً منذ عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي
سفيان، مؤسس الدولة الجديدة وأصبح الخط الرسمي لمن خلفه في الحكم.
وفي
العصر العباسي ظهر "ابن مقلة" الوزير المعروف الذي كان
خطه
مضرب الأمثال في البهاء والجمال ، فجوّد الخط ووضع موازين الحروف
بأبعاد هندسية
حتى وصل
هذا الفن إلى مرتبة لا تضاهى.
ويعتبر ابن مقلة واضع أصول الخطوط الستة: الكوفي والثلث
والنسخ والرقعة والديواني والتعليق.
وبعد ابن مقلة أتى ابن البواب في القرن الحادي عشر
للميلاد وياقوت المستعصمي في القرن الثالث عشر للميلاد. هذان الخطاطان
العظيمان بنيا على تراث ابن مقلة وأصبح كل من هؤلاء الثلاثة يمثل
نموذجاً لكل مريدي هذا الفن سواء في القدرات الفنية أو في السمات
الشخصية.
ومثل سقوط الخلافة العباسية امام حصار جيوش المغول
لبغداد عام 1258 نقطة انعطاف كبرى في تاريخ الثقافة الإسلامية وخصوصاً
في الفنون والعمارة.
وقد اعتنق غزان، أحد أحفاد هولاكو، الإسلام وسمى نفسه
محمداً وجعله الدين الرسمي للدولة الخاقانية وكرس نفسه لإحياء الثقافة
والفنون والتقاليد الإسلامية. واستمر أثر إصلاحات محمد في عهدي
خليفتيه. وكانت تلك الفترة العصر الذهبي للخط العربي.
وفي هذا العصر ظهر خطاطون عظام مثل عبد الله بن محمد
الحمداني الذي كلفه الحاكم الخاقاني بنسخ وزخرفة مصحف بالخط الريحاني
وأحمد السهروردي الذي تتلمذ على يد ياقوت المستعصمي ونسخ القرآن بالخط
المحقق.
كما ساهم خطاطون كبار في نسخ مصاحف في غاية الاتقان
والروعة بالخطين الريحاني والثلث مثل عبد الله السيرافي ويحيى الجمالي
ومحمد بن يوسف العبري.
وفي أواخر القرن الرابع عشر للميلاد ظهرت الدولة
التيمورية في فارس. واستطاعت هذه الدولة أن ترسي للفنون والعمارة
معايير للتميز والبهاء سادت لأجيال في فارس وتركيا والهند.
كانت تلك المعايير تقوم على التوازن بين الجمال والعظمة
عبر نصوص واضحة في مصاحف كبيرة تحمل زخارف شديدة الدقة والتعقيد وراقية
الصنعة وبهية الألوان تتكامل مع خط كوفي شديد النعومة يكاد لا يرى.
وكان الخطاطون في عصر الدولة التيمورية أول من كتب الصفحة نفسها في
المصحف بعدة خطوط وعدة قياسات. وبرعاية من حكام الدولة التيمورية أنتج
الخطاطون أروع وأضخم المصاحف.
واشتهر في عهد الدولة المملوكية التي قامت في مصر
والشام خطاطون كبار مثل محمد بن عبد الواحد ومحمد بن سليمان المحسني
وأحمد بن محمد الأنصاري إبراهيم بن محمد الخباز وعبد الرحمن الصايغ
واشتهر هؤلاء بنسخهم للمصاحف الكبيرة بالخط المحقق.
ومما تميز به العصر المملوكي هو زخرفة المنابر والمساجد
بالخط العربي لازدهار العمارة ازدهاراً كبيراً في تلك المرحلة. كما كان
الخط يستخدم لزخرفة الفوانيس والزجاج والنحاسيات.
وكان للدولة الصفوية (1502-1736) في إيران إسهامها
المهم في تطور الخط العربي. ففي عهد الشاه إسماعيل وخليفته أرسيت الأسس
الواضحة لخطين اثنين هما التعليق ومن ثم النستعليق (الاسم مشتق من
النسخ والتعليق) الأكثر رشاقة ونعومة. وسرعان ما انتشر هذان الخطان
ليصبحا خطين اساسيين ورسميين للدولة.
كما وجد التعليق طريقه إلى تركيا ليصبح من أهم الخطوط
للدولة العثمانية.
ويعد الفضل في تطوير خط التعليق ووضع أصوله للخطاط علي
مير سلطان التبريزي. ورغم أن التعليق والنستعليق استخدما لكتابة
المأثورات الأدبية والشعرية الفارسية ولزخرفة المآذن لكن المصاحف لم
تكتب به، باستثناء مصحف واحد خطه شاه محمد النيسابوري عام 1539.
ويعتبر عهد الشاه عباس عصراً ذهبياً للتعليق والنستعليق
ولعدة خطاطين كبار مثل كمال الدين الحيراتي وغياث الدين الأصفهاني
وعماد الدين الحسيني.
وفي الهند أعطت الدولة المغولية (1526-1858) مجموعة من
أنفس الإبداعات في الخط العربي. يذكر أن الدولة المغولية كانت الدولة
المسلمة الأطول عهداً من بين الدول الإسلامية التي حكمت الهند.
ورغم أن الهند شهدت ظهور خط محلي يدعي بيهاري إلا أنه
لم يحقق انتشاراً بين الخطاطين في تلك البلاد الذين كانوا يفضلون عليه
النستعليق والثلث والنسخ. ومع الزمن تطورت هناك نسخ ذات نكهة محلية من
تلك الخطوط تتميز بكونها أعرض والمساحات بين حروفها أوسع وانحناءاتها
أكثر تدويراً.
بلغ الخط العربي في الهند أوجه في عهد الإمبراطور شاه
جيهان، وخصوصاً مع بناء تاج محل. وهنا يبرز اسم خطاط مسلم أصبح مرادفاً
لاسم تاج محل هو الخطاط عبد الحق الذي أنعم عليه شاه جيهان باسم أمانت
خان تكريماً له.
أتى أمانت خان إلى الهند من تبريز عام 1609 وكلفه
الإمبراطور المغولي بإنجاز كل الكتابات الزخرفية لتاج محل. وفي عهد
خليفته جاهنجير عمل أمانت خان على إنجاز الكتابات الزخرفية لقصر أكبر
في سيكاندر ولمسجد أغرا الكبير.
أما في الصين، فقد اعتمد المسلمون هناك الخطوط العربية
التي كانت شائعة في أفغانستان مع بعض التعديل ومنها طوروا الخط الصيني
الذي يتميز بحروفه شديدة التدوير والدقة.
وفي ظل الخلافة العثمانية عرف الخط العربي فصلاً مجيداً
في تاريخه. ومع أن العثمانيين استخدموا الخطوط التي كانت شائعة حينها،
فقد كانت لهم أيضاً خطوط طوروها محلياً مثل الطغرة.
ولعل أبرز خطاطي الدولة العثمانية على الإطلاق هو
الشيخ حميد الله وهو الذي علم الخط العربي للسلطان بيازيد الثاني
(1481-1520). ومن بين عظام الخطاطين هناك أيضاً الخطاط عثمان بن علي
الذي يعرف باسم الحافظ عثمان. وتعتبر خطوط الشكستة والديواني والجلي من
أبرز الخطوط التي تطورت في عهد الدولة العثمانية.
يقول
الخطاط والباحث السوري أحمد عبد الباري: "أنواع
الخطوط الرئيسة التي اعتمدها الخطاطون الكبار حتى أوصلوها إلى درجة
الكمال
تسعة
خطوط هي : الثلث
والنسخ
والكوفي
والفارسي
(النستعليق) والرقعة
والديواني
وجلي الديواني
والشكستة
والإجازة.
وإذا كانت أنواع الخطوط مجتمعة كأفراد الأسرة يكون على رأسها خط
الثلث
بمنزلة الجد في الأسرة.
وهو موضع
احترام وجلال ووقار.
فالثلث
خط متميز عن غيره لما يتصف به من براعة الشكل وكثرة تزييناته التي تحيط
به
واستخدام
أكثر من ثلاثة أقلام:
فالقلم الأول للكتابة الرئيسة مع الهيكل
والثاني
لتشكيل التزيينات والثالث لتهذيب حروفه بعد الكتابة حتى نقف على الشكل
المطلوب.
، ويعد هذا النوع من أصعب
أنواع
الخطوط لما يكلف الخطاط من جهد وعناء ووقت·
"أما
خط النسخ فيستخدم
غالباً
في تدوين القرآن
الكريم ومنه اشتقت المطابع الحرف ليصبح متداولاً لطباعة
الكتب
والمجلات وكل
ما يقرأ لسهولته وقابليته لضبط قواعد القراءة.
"
الخط الفارس
(النستليق)
وهو فارسي
الأصل ويسمى (عروس الخطوط) لبساطته وجماليته وهو الخط القومي
في
إيران.
وهناك خط الشكستة أي (الخط المكسور )، وهو يشابه خطنا الديواني العربي
الذي
يستخدم في المناسبات الخاصة والخط الديواني الجلي، وهو زخرفي أما خط
الرقعة فأعتبره
الخط القومي الذي يستخدم في معظم الدول العربية."
|