أما
الكواسر الأكبر حجماً كالصقور الجارحة والنسور فتعد نادرة والقلة
القليلة تقطن هذه المنطقة، وهذا ما يعد مؤشراً قوياً على الوضع الذي
يبعث الأسى لما تتعرض له الحياة البرية في الصحراء.
يستضيف
خور دبي على طول شطآنه أجمل وأكبر الطيور الكاسرة، ألا وهو العقاب
النسارية، أو نسر الأسماك، ولعل أكثر ما يميز هذا الطائر الجميل أجنحته
البيضاء وشغفه للجلوس في الأماكن العالية كلوحات الإعلانات والصخور
البارزة.
إن
البومة هي الطائر الكاسر الوحيد الذي ينشط ليلاً، وتتواجد العديد من
أصناف هذا الطائر في الصحراء، ولعل "بوم نسر الصحراء" من أكثرها شهرة
حيث أقامت أعشاشها منذ سنوات عديدة خلت في منطقة قرن نزوى على طول
الطريق الواصل بين حتا ودبي. أما بوم الأهراء والبوم الأصغر حجماً فهي
غير مألوفة لدى العديدين وذلك لقدرتها على الطيران الصامت ليلاً. ينتشر
لدى الأهالي المحليين معتقد بأن البوم يجلب النحس، ولعل هذا السبب
الرئيسي وراء اضطهاد هذا النوع من الطيور هناك.
تعد
النسور ذوات الزنمة من أكبر الطيور في العالم، وبالرغم من كونها من
آكلة اللحوم، فهي ليست من الطيور الكاسرة في واقع الأمر، بل هي من آكلة
الجيف. وقد حالفني الحظ مرة برؤية خمسة من هذه الطيور الضخمة تحوم حول
جيفة جمل نافق بالقرب من محضة، ولما اقتربت مركبتنا من هذا التجمع،
أصيبت تلك الطيور بالذعر وهمت بالطيران، إلا أن مسألة الإقلاع بسرعة
لمثل تلك الطيور التي تمتلك باع جناح يبلغ عدة أمتار ليست بالأمر الهين
على الإطلاق. حيث شرعت تلك الطيور بالجري والوثب على طول السهل المفروش
بالحصى لفترة من الزمن، وهي تصفق بأجنحتها إلى أن حصلت على السرعة
اللازمة للإقلاع والتحليق بعيداً.
تحط
الصقور رحالها في دولة الإمارات العربية المتحدة أثناء مواسم الهجرة،
ولقد اعتاد البدو في الأيام الخوالي اصطيادها في بدايات فصل الشتاء،
والعمل على تدريبها على الصيد، ليصار إلى إطلاق سراحها في نهاية الفصل،
لمنحها فرصة العودة إلى أماكن تكاثرها. وتصطاد الصقور الطيور الأخرى،
حيث تعد فريستها الطبيعية، ونذكر منها على سبيل المثال طائر الحبارى
والكروان الذي يقتات على النباتات الصحرواية. ينظر البدو إلى صيد
الصقور مع فرائسها كرياضة ومصدر للطعام معاً.
في
أيامنا هذه ندر وجود الصقور والحبارى والكروان، وإن رغبنا في العودة
إلى ممارسة رياضة الصقور، ينبغي علينا أولاً تربيتها في الأسر. فعندما
بدأ الناس بتربية الصقور من أجل الصيد، قاموا أيضاً بتربية الصقور
الهجينة التي امتازت بقوة أكثر وقدرة أكبر على الاحتمال من نظيراتها
الصقور الأصيلة والشاهين. ولعل صقر الجير المتحدر من البلدان الشمالية
(ذات الطقس الأبرد) خير مثال على الصقور الهجينة.
تعيش
قطط الرمال أو "فيليس مارغاريتا"، وهي من القطط صغيرة الحجم، بشكل
أساسي على الحشرات والسحالي، إلا أنه يجب أن لا نغتر بنظراتها الوديعة،
فهي من أمهر صائدي الأفاعي، ولا يشاركها هذه الميزة إلا النمس ذي الذيل
الأبيض والذي يعيش في أودية الجبال.
اختفت
الذئاب من صحارى الإمارات العربية المتحدة منذ بضعة سنوات تحديداً، إلا
أنها ما زالت متواجدة في سلطنة عمان، ومن المحتمل أن تعاود ظهورها
ثانية أن منحتها البيئة شيئاً يغريها على العودة.
تخوض
الحيوانات المفترسة الكبيرة معركة ضارية للبقاء حية في أعالي الجبال،
ولقد ألحق القحط الذي أصاب المنطقة طوال السنوات الست الماضية الضرر
الشديد بالبيئة النباتية، رافقه ذلك نضوب مصادر المياه في الوديان،
وبالتالي انخفاض أعداد الحيوانات الضارية والبرية إلى مستويات متدنية.
لسنوات عدة قامت القطط الكبيرة كالكاراكال والنمور بافتراس الماعز
البري للبقاء على قيد الحياة. نتيجة لذلك التحول في سلوك تلك اللواحم،
نشأ صراع بينها وبين البشر اللذين سعوا للحفاظ على قطعان الماعز في
الجبال، إلا أن الكاراكال أصبح أكثر جراءة وبدأ بالانقضاض على الدجاج
في حدائق البيوت والإجهاز عليها، مما جعل تلك الحيوانات المفترسة هدفاً
للعديد من الصيادين، ولعل أكبر عمليات صيد جائرة حدثت في عقد التسعينات
من القرن الماضي، فقد كان من غير المستغرب في تلك الفترة أن يرى المرء
جثث تلك الحيوانات متدلية من الأشجار والصخور.
ويستحق
حيوان الكاراكال أن نفرد له بعض السطور في حديثنا عن الحيوانات
الصيادة، فذلك الحيوان متوسط الحجم من فصيلة القطط يتمتع برشاقة عالية
وقدرة رائعة على القفز عالياً بحيث يكون في مقدوره إمساك الطيور أثناء
تحليقها في الهواء. وينفرد هذا الحيوان بتقنية صيد مثيرة فهو يستخدم
خصلة الشعر السوداء الطويلة على أذنيه كشرك لجذب فريسته، حيث يربض وراء
صخرة ما لا يظهر منه إلا تلك الخصلة التي يحركها يمنة ويسرة فتبدو بذلك
للماعز أو الغزلان الغافلة كأنها أعشاب يهزها النسيم، وما أن تقترب تلك
الحيوانات المسكينة للتحقق من تلك الأعشاب، حتى تصبح وليمة سهلة
للكاراكال الذي يثب عليها بسرعة.
أمست
النمور نادرة الوجود في جبال هجر، والقلة القليلة منها ما زالت على قيد
الحياة، إلا أن معظم النمور العربية المتبقية تقطن حالياً في الجبال
المحيطة بصلالة في جنوب سلطنة عمان. وللآن ما زال النمر يرى في المناطق
المحيطة باليمن عابراً تلك المناطق الجنوبية من وقت لآخر، وغالباً ما
تنقلب الآية مع هذا الحيوان الصياد رائع الجمال، حيث يمسي هو نفسه
الفريسة بدلاً من أن يكون الصياد.
يتربع
الإنسان على قمة الهرم الغذائي، فهو دائما الصياد، ولم يكون يوماً
الفريسة، على الأقل ليس في هذه المنطقة من العالم. ولقد اعتاد البدو
هناك، قبل اكتشاف النفط، اصطياد الأرانب الوحشية والغزلان باستعانة
صقورهم المدربة وكلابهم السلوقية في معظم الأحوال. غالباً من تكون
فترات النجاح في الحصول على غنائم قليلة ومتباعدة، ولا توفر تلك
الغنائم إلا احتياجات السكان من بروتين الحم في غذاء يتكون أساساً من
التمور وحليب الإبل. ولطالما شكلت السحالي ذات الذيل الفقاري والتي
تدعى بـ "الضب"، و"التاحر" (الشبيه بالماعز) باسمها
اللاتيني "هيميتراكوس جاياكاري" والتي تقطن أعالي الجبال، الطعام
المفضل لدى الصيادين. إلا أن الاعتقاد بانقراض "التاحر" ظل شائعاً لمدة
طويلة، إلا أنها عاودت الظهور بأعداد قليلة جداً في البراري في أيامنا
هذه.
حالياً
لم تعد الحيوانات البرية تشكل حاجة أساسية للحصول على الطعام، فالصحراء
أمست خالية من الحياة البرية، ولم تعد رياضة الصيد تلك الرياضة المفيدة
بعد الآن.
إلا أن
الحيوانات الصيادة في بلدان أخرى من بقاع الأرض كانت الحامية للحياة
البرية، وتمثل الهدف في الحفاظ على مقدار معين من الحياة البرية بحيث
يتم الإشراف على عملية الصيد. وكانت النتيجة في نهاية المطاف محميات
للحياة الطبيعية على نطاق واسع إضافة إلى ازدياد الحيوانات غير اللاحمة
في الحياة البرية، بحيث غدت السياحة البيئية مصدراً هاماً للدخل في تلك
البلدان، ومن الممكن أيضاً تطبيق ذلك في الإمارات العربية المتحدة. إن
منتج المها لخير مثال على مدى الإنجازات التي تتحقق جراء حماية المواطن
الطبيعية للحيوانات والنباتات المحلية، ومن غير المستبعد مستقبلاً أن
يسمح باصطياد الحيوانات العاشبة على نطاقات ضيقة في ذلك المنتجع أو
غيرها من المحميات في حال إنشائها. |