حتفظت
الحكومة المصرية بسيطرتها على السودان بمساعدة فعالة من الجيش
البريطاني، وهو ما أدى إلى نشوء ثورة أخرى بقيادة المهدي في عام 1884،
ولقد حاول الجنرال جوردون عقد هدنة مع المهدي، إلا أنه اغتيل على يد
جنود المهدي في عام 1884.
بقي
السودان في حالة من الفوضى العارمة طيلة 11 عاماً بعد اغتيال جوردون.
لكن يجب على من يحكم مصر مهما كان أن يسيطر على منابع النيل أيضاً، لذا
أطلق اللورد كتشنر حملة ضد السودان بلغت أوجها في معركة أم درمان، قرب
الخرطوم، وبهذا أمست مصر والسودان جزءاً من الحكم الأنجلو مصري.
شهدت
فترة حكم اللورد كرومر مشاريع ري كبيرة في مصر بغية تسخير مياه النيل
بشكل أكثر إنتاجية في الزراعة، وأثمرت هذه المشاريع إلى بناء سد أسوان
والقناطر الخيرية على دلتا النيل.
أعلنت
بريطانيا الوصاية على مصر في بداية الحرب العالمية الأولى في عام 1914،
معلنة بذلك الحرب على الإمبراطورية العثمانية ومنهية بذلك الحكم التركي
على مصر. إلا أن بريطانيا أعلنت استقلال مصر في عام 1922 في ظل تنامي
الاضطرابات الشعبية، بالرغم من بقاء القوات البريطانية 34 عاماً بعد
ذلك إلى أن نالت مصر استقلالها التام عام 1956 إثر "أزمة قناة
السويس".
لعبت
مصر دوراً محورياً خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، حيث شهدت
البلاد غزو القوات الإيطالية التي دحرت على أيدي البريطانيين، مما جعل
مصر بلداً محايداً. خلال الحرب العالمية الثانية تعاون الوطنيون في مصر
مع الألمان في محاولة منهم لطرد البريطانيين من البلاد، بناء على وعد
قطعه الألمان في هذا الصدد. إلا أنه تم اعتقال المتآمرين وزجوا في
السجون بعد انتصار بريطانيا في معركة العلمين. ولكن نجم قائدهم أنور
السادات عاد ليسطع فيما بعد.
انسحبت
القوات البريطانية من منطقة قناة السويس في عام 1947 وعاود القوميون
بعدائهم المشهور للبريطانيين نشاطهم بعد الحرب، ونجحت مجموعة من الضباط
المستائين، واللذين أطلق عليهم اسم "الضباط الأحرار"، في الإطاحة
بالملك فاروق في 22-23 يوليو 1952 بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر،
نتيجة الهزيمة المنكرة لمصر في حرب 1948 التي ألقيت فيها اللائمة على
الملك فاروق. اندلعت أعمال الشغب في 12 أغسطس 1952 في كفر الدوار والتي
قادها العمال هناك مدفوعين بآمال ثورة يوليو، فكانت النتيجة إصدار
حكمين بالإعدام. وبعد فترة حكم مدني، قام الضباط الأحرار بإلغاء
الدستور وإعلان الجمهورية المصرية بتاريخ 18 يونيو 1953، وبات عبد
الناصر قائداً جماهيرياً ليس في مصر فحسب بل في العالم العربي، ومؤسساً
ومطبقاً لما يسمى "الاشتراكية العربية".
إلا أن
عبد الناصر كان بحاجة إلى الموارد المالية لتمويل مشروع سد أسوان،
وعرضت عليه الولايات المتحدة والبنك العالمي تمويل المشروع، لكن العرض
سحب في أواسط عام 1956، فرد عبد الناصر على ذلك السحب بتأميم قناة
السويس. وجلب تأميم القناة على مصر في عام 1956 عدواناً عسكرياً خططت
له كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وذلك لحماية مصالحها في منطقة
القناة. لكن لم يكتب لهذا العدوان الثلاثي النجاح بفضل تدخل الولايات
المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.
في عام
1967 بدأت إسرائيل بحشد قواتها على الحدود السورية، وأصدر عبد الناصر
أوامره لتحريك جزء من القوات المسلحة المصرية إلى سوريا وفقاً لمعاهدة
الدفاع المشترك المبرمة مع السوريين. شنت إسرائيل هجومها على مصر في 6
يونيو 1967 حيث ألحقت بالقوات المصرية الهزيمة المنكرة، مستفيدة من
عامل المباغتة بحيث أصيب سلاح الجو المصري بالعجز التام منذ بداية
الهجوم على مصر. أما سلاح المدرعات المصري فقد رزح تحت رحمة القوات
الإسرائيلية في ظل انعدام الغطاء الجوي المساند لسلاح المدرعات،
وبالتالي كانت قوات المشاة المصرية غنيمة سهلة المنال في صحراء سيناء.
لقد غيرت حرب الأيام الستة مع إسرائيل الخارطة السياسية لمصر، وأدت إلى
حركات نزوح جماعية على امتداد العالم العربي.
تدهورت
الحالة الصحية للرئيس عبد الناصر بعد ذلك وعانى من أزمة قلبية أودت
بحياته في 28 سبتمبر 1970، ليخلفه رفيق دربه أنور السادات، الذي عرف
بعدائه للبريطانيين في المؤامرة التي حيكت ضدهم في الحرب العالمية
الثانية.
كان
السادات رجل موقف، حيث أذهل العالم بقيادته الاستثنائية وغير المألوفة
للبلاد في زمن الحرب والسلم، حيث لفت انتباه العالم أجمع في يوم 6
أكتوبر 1973 عندما شن حرب "يوم كيبور" على الإسرائيليين، مما أتاح
الفرصة أمام العرب للتفكير ثانية بدحض أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا
يقهر. وكادت إسرائيل أن تصاب بهزيمة نكراء لولا تدخل الولايات المتحدة
الأمريكية. إلا أن العرب استعادوا بطبيعة الحال احترام العالم لهم في
ساحات القتال ومسارح السياسة على حد سواء، ومهدت الطريق لمصر نحو
استعادة شبه جزيرة سيناء من خلال المفاوضات الدبلوماسية التي أفضت في
النهاية إلى إبرام معاهدة كامب ديفيد واتفاقية فك الاشتباك في
سيناء.
قام
المعارضون لمعاهدة كامب ديفيد باغتيال السادات خلال عرض عسكري أقيم في
القاهرة، ليخلفه نائبه حسني مبارك الذي بقي في سدة رئاسة الجمهورية
المصرية إلى يومنا هذا.
ما
تزال مصر في بداية القرن الواحد والعشرين تحت قيادة الرئيس مبارك مع
تخوف من فرض ما يشبه الحكم الملكي من خلال سياسة الأمر الواقع مع بزوغ
نجم ابنه جمال. وبالرغم من مشاكل الفساد وظهور الحركات الإسلامية، بما
فيها الأخوان المسلمون، إضافة إلى الحملات الإرهابية والمصاعب
الاقتصادية التي تشهدها البلاد، فإن مصر ما زالت تتمتع بازدهار نسبي
ونفوذ كبير في المنطقة.
من
الرائع للمرء أن يزور بلداً كان مركز العالم لما يزيد عن خمسة آلاف
عام. |