وذات
مرة تلصص سيدها عليها ساعة تعبدها، فرآى حولها نوراً سماوياً يحيط بها
وهي تصلي. فما كان منه بعد أن رآى أنه يستعبد روحاً تقية مثلها إلا أن
أعتقها. وذهبت رابعة إلى الصحراء لتتعبد وتتصوف. وبخلاف الكثيرين من
المتصوفة لم تأخذ رابعة العلم عن معلم أوشيخ إنما التفتت إلى الله بدون
مرشد.
ومع
السنين ترسخ حبها لله. وظل الفقر ونكران الذات رفيقيها طوال حياتها.
ولم تمتلك أكثر من إبريق مكسور وحصيرة مهترئة وقرميدة كانت وسادتها.
وكانت تمضي الليالي بمناجاة الله وحين تغفو عينها تلوم نفسها لأنها
غفلت عن حب الله.
ذات
يوم سألها أحدهم عن سبب تحملها عناء الفقر وعدم سؤالها المساعدة من
معارفها، فقالت إني أستحي أن أطلب أغراض الدنيا من الله وهي له وكيف
أسألها منهم وهي ليست لهم.
كما
قالت لأحدهم ذات يوم وهل ينسى الله الفقراء لفقرهم ويذكر الأغنياء
لغناهم؟ ما دام الله عليم بحالتي فلم سأذكره بها؟ مايريده الله يجب أن
نقبله.
العديد
من البركات تنسب لرابعة الالعدوية. كما اشتهرت بين الناس لشدة حبها لله
حيث كانت تقول إن محبة الله يجب أن تكون الهدف الأسمى لمحبي الله.
ومع
تزايد شهرتها أصبح لديها مريدون كثيرون ودخلت في حوارات كثيرة مع كبار
علماء زمانها. ورغم كثرة اللذين طلبوها للزواج، وبينهم أمير البصرة كما
يقال، فقد ردتهم كلهم لأن حياتها ليس فيها متسع لشيء غير الله.
المفهوم الجوهري اللذي عرفت رابعة الناس عليه في حياتها لم يكن التصوف
أو الزهد، وإنما هو حب الله. لقد كانت رابعة هي الأولى التي تقول إن
البشر يجب أن يحبوا الله لذاته، لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في ثوابه
كما كان يفعل المتصوفة من قبلها.
وكانت
رابعة تعلم مريديها أن التوبة هي هبة من الله لأن أحداً لا يستطيع أن
يتوب ما لم يقبل الله توبته أولاً ومن ثم يهبه التوبة. كما كانت تقول
إن العصاة يجب أن يخافوا عذاب الله الذي يستحقونه عن معاصيهم، غير أنها
اعطت هؤلاء العصاة أملاً أكبر في الجنة مما فعله سابقوها. بالنسبة لها،
العبادة المثالية هي أن يعبد الإنسان الله لا خوفاً من جحيمه ولا طمعاً
في جنته، فهي ترى أن من يفعلون ذلك هم عباد وصوليون. ذلك أن الخوف أو
الطمع هي عواطف تفعل فعل الستار الذي يعمي العيون عن رؤية الله لذاته.
وكانت
تقول: "يا رب! إن كنت أعبدك خوفاً من نارك، فاحرقني بنارك. وإن كنت
أعبدك طمعاً في جنتك، فاحرمني جنتك. لكن إن كنت أعبدك لذاتك، فلا تحمني
نور جمالك الدائم."
رابعة
العدوية شخصية تتمتع بتقدير كبير وأقوالها يتناقلها المتصوفة وكاتبو
سيرهم. ماتت في البصرة عام 801 للميلاد في البصرة وهي في أوائل أو
أواسط الثمانينيات من العمر بعد حياة من التصوف والزهد والتعبد. أخيراً
التحقت رابعة بمن أحبته طوال عمرها. وكما قالت لأحد المتصوفة: من أحب
يلازمني دوماً... |