يعكس
أحد
المواقع الخاصة
بالحوار بشكل
نابض بالحياة شعور الغضب لدى العديد من الأمريكيين: "إن الأخبار
الملفقة ووجهات النظر لدى وسائل الإعلام
المملوكة للشركات
قد سممت الرأي العام حول القضايا
الحساسة، بشكل
أصبحت
فيه أتجنب
مشاهدة التلفزيون
أو الاستماع إلى الراديو أو قراءة الصحف الأمريكية.
وكحل
بديل، يدعو
الموقع
إلى التوجه إلى وسائل الإعلام الأجنبية لمعرفة الأخبار التي تعد "أكثر
شمولية وصدقاً، مظهرة الرأي والرأي الآخر
لكل القضايا."
واستناداً إلى العديد من الرسائل الإلكترونية التي استلمتها بخصوص هذا
الموضوع، توصلت إلى أن العديد من أفراد الشعب الأمريكي يعتمدون
بشكل مطلق على الإنترنت كمصدر للأخبار من خلال زيارة العديد من المواقع
التي تنتهج سياسة المصداقية مثل
CounterPunch
وOnline
Journal
وAlternet،
والتي يزورها
ملايين الأشخاص
شهرياً.
إن
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل لدى عامة الأمريكيين الأرضية الصلبة
للتحرر من تأثير وسائل الإعلام الأمريكية عليهم؟
هيلين
توماس،
الصحفية المخضرمة التي
تنحدر من أصول
لبنانية
والمعروفة بتعليقاتها، والتي
حازت منذ وقت طويل على لقب "عميدة رابطة الصحافة في البيت الأبيض"،
تؤمن بإمكانية التحرر تلك.
وهي تضيف أنه عندما
يتعلق الأمر بتحدي سياسة الرئيس جورج بوش الخارجية، فإن الصحافة
الأمريكية "تغمض أعينها وتتظاهر بالموت"
علاوة
على ذلك، تؤمن توماس بأن البيت الأبيض
يتولى إدارة
الأخبار المنشورة.
وتوضح بقولها "لقد
قال الرئيس ليندون
جونسون ذات مرة، بعد
انتهاء ولايته:
لقد فقدت ثقة الناس بي، لأن حرب فيتنام باتت
تدخل ليلياً إلى غرف
معيشتهم.
لكن
هذه الإدارة لم تسمح لقصة فيتنام أن تتكرر، فنحن لا نرى صوراً
دامية
لأطفال عراقيين، كتلك التي شهدناها
في مأساة المدرسة الروسية مؤخراً"
مشيرة إلى حصار مدرسة بيسلان.
وتضيف
توماس قائلة "لقد باتت هذه الحرب عقيمة لدرجة كبيرة"
اعتادت
توماس في السابق أن تحتل
مقعداً في الصف الأول
خلال المؤتمرات الصحفية للبيت الأبيض، إلا أنها الآن باتت في الصفوف
الأخيرة، متذمرة من تعمد مساعدي الرئيس الأمريكي تجاهل الصحفيين
النشيطين كثيري الأسئلة.
في
مقابلة معها أجرتها
Alternet،
أوضحت توماس إن الذعر قد انتاب بعض الصحفيين قد بعد حوادث الحادي عشر
من سبتمبر:"لقد بات الجميع بمن فيهم المراسلين
يعملون على تأكيد
وطنيتهم
بعد وقوع حوادث الحادي عشر من سبتمبر".
وأضافت
توماس موضحة:" في ظل تلك التعليمات من البيت الأبيض، ساد شعور لدى
المراسلين بأن المرء سيُنظر إليه كما لو أنه فقد الحس الوطني أو أنه
غير أمريكي، إن تجرأ وطرح أسئلة قاسية. بعدئذ دخلت البلاد في حرب، بات
فيها كل من يطرح أسئلة محددة كما لو كان يعرض قوات بلاده للخطر.
ي
الواقع، اضطرت بعض الصحف الكبرى إلى الاعتراف بقصورها في تغطية الأحداث
في غزو العراق، لدرجة أن الواشنطن بوست ذهبت إلى حد قيامها بنشر مقال
من 3000 كلمة في صفحتها الأولى تعتذر فيه عن كون الصحيفة قد لعبت دوراً
من الناحية المنهجية في التقليل من أهمية أزمة حرب العراق.
ولقد
أقر ليونارد داوني الابن، المحرر التنفيذي في واشنطن بوست، بارتكاب عدة
أخطاء قائلاً:" لم يعر أحد أي اهتمام للأصوات التي تعالت في طول البلاد
وعرضها متسائلة حول الحرب، ونحن بدورنا لم نسلط الضوء على تساؤلات تلك
الأقلية.
ويشتكي
مراسل
الصحيفة لدى البنتاغون
من تعرض العديد للمقالات التي تتمتع بأهمية إخبارية
للتجاهل
من قبل مدراء
التحرير، أو
الاكتفاء بنشرها في
أعمدة
صغيرة على الصفحات الخلفية. ويصف المراسل ذلك قائلاً: "عادة ما يعبر
مدراء التحرير
عن موقفهم ذلك بقولهم: "نحن الآن في معركة تدور رحاها،
فلما يتوجب علينا أن نعير مثل المواضيع المناهضة اهتماما؟"
ولقد
نشر محررو نيويورك تايمز افتتاحية مماثلة ينقدون فيها ذاتهم، حيث ألقوا
فيها اللوم على الأخطاء التي ارتكبها مراسلو المجلة وإهمالهم من خلال
اعتمادهم على مصادر المعلومات المضللة التي حصلوا عليها من المغتربين
العراقيين الذين لهم مآربهم الشخصية في خوض الحرب في العراق.
وتعد
جوديث ميلر أكثر مراسلي نيويورك تايمز تحمساً للحرب في العراق،
وبشكل يخلو من
المنطق.
وقد
تعدت الاتهامات
الموجهة إليها بعلاقاتها القوية التي تربطها مع المنشقين العراقيين إلى
تلك تربطها بالبيت الأبيض، وهي تقبع الآن في أحد السجون لرفضها الإفصاح
عن هوية العقل المدبر لقضية فاليري بليم (وهي إحدى
عميلات
وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تم الكشف عن هويتها على يد أحد كبار
المسؤولين في البيت الأبيض). إن مسألة ولاء ميلر للمبادئ التي
آمنت
بها أو لأسيادها الذين عملت لحسابهم،
أصبحت تثار على لسان
الكثيرين من الناس.
ومايكل
ماسينج، مؤلف كتاب "الآن بدؤوا بإخبارنا"، وهو كتاب
تناول
التغطية الصحفية للأسباب التي أدت إلى الحرب، ولقد انهال المؤلف في
كتابه هذا بوابل من الانتقادات على وسائل الإعلام وتحديداً على العلاقة
المشينة بين إدارة الرئيس بوش والصحفيين.
ويؤكد
ماسينج قائلاً: "تقام ولائم العشاء احتفاءً بكبار المسؤولين لدى
زيارتهم لمنازل الصحفيين." علاوة على ذلك، غالباً ما يبدي مراسلو
وزارة الدفاع عدم رغبة في توجيه النقد
لتجنب
إقصائهم من رحلة تقل دونالد رامسفيلد إلى العراق أو أفغانستان.
يصف
المؤلف أيضاً جو التهديد الذي يعيشه الصحفيون الذين يتجرؤون على
ذكر الحقائق حيث
يستهدفهم مذيعو
برامج
المقابلات المباشرة في
قناة الأخبار فوكس
نيوز أو مذيعو البرامج الإذاعية المؤيدين للجناح اليميني مثل راش
ليمباف،
ليعرضوا بذلك الحياة المهنية لأملئك الصحفيين للخطر.
مراسلون
ملحقون بالقوات
المسلحة
كان
المحررون والصحفيون داخل الولايات المتحدة، عن قصد أو من دون قصد،
بمثابة منابر دعاية للإدارة الأمريكية، في حين بات معظم الصحفيين في
ساحة المعركة
تابعين للقوات
العسكرية هناك.
وفي
واقع الأمر، تم تثبيط عزيمة الصحافة المستقلة بشكل فعال من خلال حظر
تواجدها في الفلوجة،
أثناء تسويتها بالأرض
على يد القوات الأمريكية.
لقد
أظهرت إحدى الدراسات
الأكاديمية التي أجريت في العام 2003 على التقارير الواردة من
المراسلين "التابعين"،
أن سياسة الزرع تلك كشفت عن صورة منمقة للحرب في العراق، حيث تم تجنب
عرض الصور الواقعية أو تلك التي تثير الاشمئزاز في نفوس المشاهدين.
ومن
عوائق النظام الذي ابتدعه البنتاغون في لإالحاق المراسلين بالقوات
المسلحة،
أن المراسلين المزروعين أصبحوا أكثر حميمية مع أحد أطراف المعادلة وهي
أفراد القوات الأمريكية الذين باتوا حماتهم
وهو الأمر الذي جعل من
العمل الصحفي النزيه شبه مستحيل. علاوة على ذلك، أصبحت تقارير هؤلاء
الصحفيين تخضع لإشراف وثيق من قبل الجيش الأمريكي، وغالباً ما
تتم
مراقبتها لدواعي أمنية.
وقد
دفع أحد المراسلين المزروعين الثمن غالياً لرفضه اللعب
وفق قوانين البنتاغون غير المكتوبة.
قام
كيفيل سايتس، وهو أحد مراسلي إن بي سي نيوز المستقلين، بتصوير عملية
قيام أحد جنود البحرية الأمريكية بإعدام جريح عراقي في أحد مساجد الفلوجة،
حيث أطلق الجندي النار عليه وأرداه قتيلاً، برغم كونه أعزل من السلاح.
وعلى الرغم من تلقيه توضيحات من أن جنود البحرية الأمريكية تعرضوا
لظروف قاسية، فقد قام سايتس ببث عملية الإعدام تلك.
ونتيجة
لعمله هذا، اعتبره العديد
من
المحطات الأمريكية شخصاً غير وطني، وتلقى سايتس رسائل حقد وتهديد
بقتله.
من
ناحية أخرى،
اعتبر
جندي البحرية ذاك بمثابة بطل، وبالرغم من خضوعه للتحقيق، فقد برأ الجيش
أخيراً ساحته من كل التهم الموجهة إليه.
أحد
أكثر أنصار فلسفة "اقتلوا المراسل"، هو ديفيد إم. هانتورك، الذي كتب
مقالاً بعنوان: زرع المراسلين: فكرة سيئة،
يقول فيها "إن
أردنا أن نلقي اللوم على أحد للمشاهد
التي رأيناها
في الفلوجة،
فيجب
أن لا نلوم جندي البحرية، بل كل اللوم يقع على
أولئك
الذين قاموا بتصوير الحادثة وبثها على العالم." كتب هانتورك بجدية
مطلقة.
إن
إحدى
ثمار تلك التغطية الناقصة للأحداث تتمثل في
أن
معظم الأمريكيين، الذين ليس لديهم الوقت الكافي
للبحث عن أو
الرغبة في إيجاد مصادر بديلة للمعلومات، يعيشون تحت تأثير وهم أن
العراق قد امتلك أسلحة للدمار الشامل والعزم إلى استخدامها، وبات أولئك
يؤمنون بأن صدام حسين لم يكن على علاقة بأسامة بن لادن فحسب، بل إنه
متورط
في هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
علاوة
على ذلك، فهم
يجهلون أن أكثر من 100.000 مدني قد لاقوا حتفهم على يد قوات التحالف في
أفغانستان والعراق، إضافة إلى عدم معرفتهم بالأسلحة المحرمة دولياً
التي استخدمتها
القوات الأمريكية مثل قذائف اليورانيوم المنضب المضادة للدروع والقنابل
العنقودية والنابالم.
ومن
بين أولئك اللذين استيقظوا على حقيقة خلو العراق من أسلحة العراق
الشامل أو علاقة النظام السابق بتنظيم القاعدة، العديد ممن
ابتلعوا
بمساعدة وسائل الإعلام
خديعة "الهدف
من وراء الحرب": إن غزو العراق يهدف إلى تحرير الشعب العراقي من بطش
ديكتاتور ظالم، ومنح الحرية والديمقراطية لتلك النفوس الغارقة في نعيم
من الجهل، والمحرم عليها التفوه بكلمة نفط".
واليوم،
وفي ظل معاناة العراق من أزمة عميقة، واستمرار معاناته بين مطرقة
الاحتلال وسندان الجماعات المسلحة، مما أدى إلى إحباط خيرة العقول في
هذا البلد وهجره،
لأن
كلمات مثل "حرية وديمقراطية" قد باتت جوفاء عقيمة.
وعلى
الرغم من كل الاعتذارات
التي قدمتها وسائل الإعلام الأمريكية، إلا أنها ما زالت تعاني
استنكاراً
شديداً
من قبل
الناس. وسيسجل
التاريخ غزو العراق على أنه وصمة عار وخطأ فادح على أعلى الدرجات.
فهذا
الغزو لم يحمل أي فائدة على الإطلاق، ومع ذلك فإن وسائل الإعلام
الأمريكية ما زالت عاجزة على الاعتراف بذلك، أو العمل على تصحيح صورتها
أمام الناس.
النزعة
المؤيدة لإسرائيل
عندما
يتعلق الأمر بالتغطية الإعلامية للقضية الإسرائيلية-الفلسطينية، تبرز
السمعة السيئة لوسائل الإعلام الأمريكية، وذلك بسبب النزعة الصارخة
المؤيدة لإسرائيل، إلى درجة أنها زرعت لدى الشعب الأمريكي شعوراً بأن
الفلسطينيين هم
الذين
احتلوا إسرائيل وليس العكس. |