هذه
المدينة الموغلة في القدم
تعتبر من أقدم المدن المأهولة في العالم، فقد دلت
المكتشفات الأثرية إلى أن
تاريخ بناء هذه المدينة يعود إلى ما بين الألف السادس
والخامس قبل الميلاد. ولذا، فمن
البديهي، والحال كذلك، أن تعثر فيها على صفحات منسية من
التاريخ متناثرة على
قبابها، ومآذنها، وجوامعها، وكنائسها، وأبوابها،
وأسواقها، وخاناتها. صفحات موشاة
بالفسيفساء، والنقوش الإسلامية، والموزاييك، والقيشاني
وغيرها من الفنون البصرية
الجميلة التي تضفي على عمارتها سحرا فريدا.
وتعتبر
دمشق من
المدن الغنية بموروثاتها التاريخية نظرا لما تزخر به
من قلاع وحصون وحارات قديمة
لا تزال تحتفظ لغاية الآن بكل تفاصيلها الدقيقة مما
يجعلها قبلة للسياح الذين
يقفون مذهولين أمام عظمة معالمها الاثرية وحاراتها
التي يعود تاريخ بعضها إلى آلاف
السنين.
انها
دمشق مدينة التاريخ والحضارات تقف شامخة بعد أن احتضنت في ماضيها
حضارات يصعب إحصاؤها، وتضم السومريين، الاراميين، الاكاديين، الحثيين،
الإغريقيين، الفرس، الرومان، البيزنطيين وأخيراً العرب المسلمين.
ومما
لا شك فيه أن الغزو المقدوني شكل نقطة تحول كبير في تاريخ المنطقة عامة
وتاريخ دمشق خاصة. وفد ارتبط تاريخ دمشق بالعالم اليوناني لفترة تقدر
بحوالى عشرة قرون، عرفت المدينة خلالها ازدهار الحضارة الهلنستية، حيث
تمازجت عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق وثقافته. وقد دخلت
الجيوش العربية الإسلامية التي قادها خالد بن الوليد دمشق في القرن
السابع، وما لبثت المدينة أن تحولت في العصر الأموي من مركز ولاية إلى
عاصمة امبراطورية تمتد إلى حدود الصين شرقا والى مياه الأطلسي غربا.
وارتفعت قصور الخلفاء في العاصمة الأموية وامتدت فيها مساحة العمران،
وكان من أهم مبانيها في ذاك العهد
جامع بني أمية
الكبير (الجامع الأموي) الذي تم بناؤه في عهد الخليفة
الوليد بن عبد الملك، وهو الصرح الذي يبقى واحدا من أجمل المباني
العربية الإسلامية في العالم. وقد جرى تشييده على مثال المسجد النبوي
الشريف في المدينة. يتألف الجامع الأموي من قاعة كبيرة للصلاة وصحن
خارجي فسيح. وتتكون قاعة الصلاة الداخلية من ثلاثة أروقة متوازية تفصل
بينها أقواس متناسقة مرفوعة على أعمدة أثرية من الرخام تعود إلى العصور
التي سبقت العصر الأموي. ولهذا المسجد ثلاث مآذن تعود إلى ثلاث حقب
مختلفة، الأولى تتوسط الجدار الشمالي وتعرف بمئذنة العروس، الثانية في
الناحية الشرقية وتعرف بمئذنة عيسى، أما الثالثة فهي في الناحية
الغربية وتعرف بمئذنة قايتباي، السلطان المملوكي. والجامع ليس
مقصدا للمسلمين فحسب بل للمسيحيين حيث يضم بداخله ضريح
يوحنا المعمدان (النبي
يحيى).
تتميز
الأحياء القديمة بتعرج أزقتها وضيقها أحيانا وهو ما يستغربه المرء لان
أهل دمشق عرفوا بإتقانهم فنون التصميم المعماري. لكن
ذلك الضيق يعود
إلى سببين أولهما أمني بحيث يسهل الدفاع
عن الأزقة إذا هوجمت، حيث لا يرى المهاجم الطريق إلا
لمسافة قصيرة، ولا ينتبه إلى من يكمن له في
المنعطف المقبل. والسبب الآخر اجتماعي لان النساء يخرجن
في النهار من بيت إلى بيت مجاور أو
مقابل من دون أن يراهن أحد لان الازقة متعرجة. وكان
من عادة أهل دمشق في الماضي أن السائر في زقاق ضيق أو
حارة يجب أن يعلن عن قدومه بأن يظل
يقول صوت عال ( يا الله يا ستار) فتحس به سيدات البيوت
ويغلقن الأبواب.
وقد
حرصت السلطات المختصة في سوريا على عدم السماح بتنوع البناء الحديث في
الحارات القديمة، وبحيث بقى محصورا بالطراز الذي كان
منتشرا في ذلك الزمن والذي تميز بطابع
البناء الشرقي مع بعض التعديلات التي تفرضها الظروف
المناخية كاستعمال الخشب
والقرميد إلى جانب الحجر.
وعلى
الرغم من التوسع العمراني الكبير الذي شهدته دمشق ظلت الأبنية
القديمة
على حالها والسماح فقط بعمليات الترميم والبناء وفقا
للطراز المعماري القديم
وذلك استجابة لمتطلبات الظروف المعيشية التي سمحت بوجود
فسحة متوسطة للدار الى
جانب وضع لمسات عربية وإسلامية كالأقواس والكتابات
المنقوشة.
في تلك
الحارات الضيقة تلتصق البيوت مع بعضها البعض لتعبر عن تلاحم الأهالي.
ويندر أن ينتهي المرء من زقاق لا يرى فيه حماماً عاما. ومما يذكر أن
دمشق كانت تضم أكثر من 2000 حمام عام، بقي منها عشرا قليلة. وبين
الحمامات الباقية عدد أنشئ قبل ما يزيد عن عشرة قرون، ولم يتوقف عن
العمل حتى الآن. أما أبواب دمشق الشهيرة والباقية حتى اليوم، والتي
تمثل مداخل المدينة عبر سورها القديم، فهي ثمانية، ستة منها ترجع
للعصور الإغريقية والرومانية، واثنان للعصر الإسلامي. ومن تلك الأبواب
باب شرقي الذي اكتسب اسمه من موقعه شرقي المدينة عند بداية
الشارع المستقيم الذي كان يحوي قوس النصر، ويبلغ طوله
1.500 متر، وقد رصفه الرومان. ويتألف من ثلاث فتحات مقوّسة
أكبرها الفتحة الوسطى أما الفتحتان الجانبيتان فكانتا
للمشاة حيث الأروقة على
جانبي الطريق المفروش بالبلاط الحجري. ومن هذا الباب
دخل خالد بن الوليد فاتحاً
دمشق. يأتي بعده باب الجابية. ويقع في الطرف الغربي من
الشارع المستقيم وهو مماثل
للباب الشرقي، ومنه نزل أبو عبيدة بن الجراح. ثم باب
توما، وينسب إلى أحد كبار قادة
الروم، وقد نزل منه عمرو بن العاص. وهو اليوم مجاور لحي
باب توما الذي يضم معظم أبنية دمشق القديمة. وفي منطقة باب توما – باب
شرقي
عدد كبير من الكنائس القديمة مثل كنيسة حنانيا الأثرية
التي يربطها بكنيسة القديس بولس نفق هرب
منه بولس حين بدا التبشير بالمسيحية، والكاتدرائية
المريمية. وفيها منطقة تسمى النبطيون نسبة إلى
الأنباط الذين سكنوها قبل الرومان.
وتحتوي
المنطقة على حارات صغيرة مثل حارات الدحلانية وزقاق الجورة
وجادة باب توما والعازرية والقشلة والقيشاني وهي حارات
يكتشف
المتأمل في تصاميم بيوتها البسيطة انه روعي في تصميم
بنائها دخول الإضاءة
والتهوية إضافة الى التقسيمات الداخلية الصغيرة.
وأكثر
ما يلفت النظر في حارات دمشق القديمة أن الحياة في هذه الأحياء كانت
شبه
مغلقة على أهلها حيث كان الناس يعرفون بعضهم بعضا من
دون استثناء.
أما
باب السلام، أحد الأبواب
الشمالية للسور، فقد أطلق عليه هذا الاسم لأنه محمي
بمجرى نهر
العقرباني. وهو باب روماني أعاد بناءه نور الدين بن
زنكي وأنشأ فوقه مئذنة كباقي
الأبواب ثم جدد في عام1243م. ومنها باب الفراديس أو باب
العمارة، وهو من الأبواب
الشمالية التي ترجع للعصر الروماني. وقد تم تجديده في
عصر نور الدين أيضاً. ويأتي يعده باب الصغير، أصغر أبواب السور. ويقع
في الجهة الجنوبية، نزل منه يزيد بن أبي سفيان عند فتح
دمشق ورممه نور الدين وأقام عليه مئذنة وعلى مقربة منه
مقبرة باب الصغير
أما
باب كيسان، فيقع في الجهة الجنوبية وأمامه كنيسة القديس بولس. وهي
واحدة من أقدم كنائس العالم. وهناك أيضاً
باب الفرج: وهو من الأبواب الشمالية، أنشأه نور الدين
ويقع بين العصرونية
والمناخلية. اما باب
النصر فقد كان موقعه عند بداية سوق الحميدية وقد هدم
عام 1863م. ولم يبق منه
شئ. كذلك هناك العديد من الأبواب الدمشقية الشهيرة
لكنها تعتبر بمثابة أبواب
للحارات القديمة وأشهرها باب السريجة وباب زقاق البرغل
وباب
مصلى وبوابة الصالحية. |