وأخيراً
تم ترويض نهر النيل نوعاً ما. وفيما كان سد أسوان يرتفع، كان يجري أيضاً
بناء حاجز في نجع حمادي شبيه بذلك الموجود في أسيوط أو في إسنة وافتتح
عام 1930. قبل وصول النيل لمصر، يمر هذا النهر في الأراضي السودانية وقد
تقرر أن السودان أيضاً يجب أن يجني خيرات النيل. غير أن المصريين كانوا
متخوفين من أن أي سد في السودان سيؤثر على إمدادات مصر المائية. غير أن
مخاوف الحكومة خفت بعد أن تبين أن كميات ضخمة من المياه تهدر منتصف يوليو
في وقت يكون فيه لدى مصر أكثر مما تستطيع استخدامه من المياه فيما يضيع
الباقي في البحر. وأظهرت التجارب أيضاً أنه خلال موسم الزراعة في مصر بين
فبراير وأكتوبر، تكون الحرارة في السودان مرتفعة جداً وغير مناسبة
للقطن، غير أن بالإمكان زراعة الحبوب في يوليو وحصادها في فبراير ومارس
بنجاح كبير.
وهكذا
وضعت خطة لحجز مياه النيل الأزرق لري منطقة الجزيرة التي تمتد بين
النيلين الأزرق والأبيض إلى الجنوب من العاصمة الخرطوم مباشرة، وذلك بسد
يحتجز النيل الأزرق عند سينار على بعد 2000 ميل من مصب النيل على
المتوسط. كانت فكرة هذا السد قد اقترحت للمرة الأولى عام 1904 من قبل
وليام غارستن، أحد مؤسسي الهيئة المصرية للري ومؤسس فرع السودان في هذه
الهيئة. وبدأ العمل في إنشاء السد قبل الحرب العالمية الأولى رغم أن
مخططاته كانت قد وضعت قبل ذلك بوقت طويل إلا أنها سرعان ما ألغيت. ثم
استؤنف العمل في السد بعد توقف الحرب ليفتتح سد سينار رسمياً في 21 يناير
1926.
ولبناء
سد سينار تم تحويل مجرى النهر مؤقتاً إلى قناة غربية ثم لأخرى شرقية بعد
ذلك وبلغ طول هذا السد الضخم حوالي ميلين وارتفاعه 120 قدم واحتاج لأكثر
من مليون طن من الحجارة أتي بها من موقع يبعد 20 ميلاً عنه. وبلغ عرض
السد عند قاعدته 90 قدماً تقل تدريجياً إلى 15 قدماً عند القمة. احتاج
العمل إلى حوالي 20000 عامل، مصريين وسودانيين، إضافة إلى حوالي 350 من
البنائين المصريين المهرة. كما استقدم عمال من بعض الدول العربية الأخرى
على الجانب الآخر من البحر الأحمر إضافة إلى نيجيريا والكونغو الفرنسية.
واستخدم حوالي 100000 طن من الإسمنت و3500 طن من الفولاذ في السد الذي
امتد خزان الماء وراءه إلى مسافة 58 ميلاً. تضمن السد 80 بوابة رئيسية
و14 قناة مصب و112 قناة فرعية واستثمرت مياه الخزان لري 460000 فدان من
دون أي تقليص في إمدادات المياه التي كانت تصل لمصر. فالمياه التي احتجزت
في الخزان هي تلك التي كانت ستتدفق في النيل وتنتهي في مياه المتوسط.
بلغت تكلفة السد الإجمالية حوالي 10 ملايين جنيه.
وفي 1928
تم التوصل لاتفاقية تعطي الحكومة المصرية حق التحكم بمياه النيل خارج
الأراضي المصرية، وكانت النتيجة هي الشروع عام 1933 في بناء سد في جبل
أوليجا في السودان، 20 ميلاً جنوب الخرطوم ولأن وادي النيل الأبيض جنوب
الخرطوم كان غاية في التسطح فقد كان من الممكن احتجاز كميات ضخمة من
المياه عبر سد بارتفاع متوسط. وبدأ العمل ببناء السد في نوفمبر 1933
وانتهى في ابريل 1937، ليصبح السد الأطول في نظام الري المصري. وبلغ طول
البحيرة التي تشكلت وراءه 137 ميل وعرضها 4 أميال ليبلغ حجم الماء المخزن
3 مليارات طن. وكان الهدف منه هو تنظيم تدفق المياه إلى سد أسوان.
ومع ذلك
ظلت الحاجة قائمة لمزيد من المشاريع العملاقة لتخزين مياه النيل نتيجة
تعاظم حاجات سكان مصر المتزايدين باستمرار. وبرزت الحاجة لبناء السد
العالي في أسوان حينما فاضت مياه النهر فوق السد القديم عام 1946. وقرر
المهندسون أن بناء سد آخر أضخم على بعد 6 كيلومترات هو خيار أفضل من
زيادة ارتفاع السد القديم. بدأ التخطيط للسد العالي عام 1952 بعد استيلاء
جمال عبد الناصر على السلطة في مصر وعرضت الولايات المتحدة أول الأمر
تمويل المشروع بقرض يبلغ 270 مليون دولار. وتقدمت شركات بريطانية وفرنسية
وألمانية بعطاءاتها لتنفيذ المشروع. غير أن سحب الولايات المتحدة لعرضها
عام 1956 بعد اعتراف مصر رسمياً بحكومة جمهورية الصين الشعبية جعل عبد
الناصر يقرر بناء السد باستخدام إيرادات قناة السويس. |