لتقنيات
بناء هذه الأجهزة. للإشارة فحسب، فإن السبب الوحيد وراء الظهور المفاجئ
لتصاميم المضخات الماصة في مخطوطات مهندسي عصر النهضة الأوروبية هو أنهم
أخذوا الفكرة جاهزة من المهندسين المسلمين، الجزري على وجه الخصوص، الذين
كانوا يصنعون هذه المضخات قبل وقت طويل من عصر النهضة ومنذ العصور
الوسطى. بل إن البروفسور لين وايت يشير إلى أن تصاميم التروس القطعية قد
ظهرت لأول مرة في مخطوطات الجزري بينما لم تعرفها أوروبا إلا في ساعة
جيوفاني ديدوندي الفلكية التي صممها بعده بزمن طويل وتحديداً عام 1364
كما أن كتاب الجزري كان أول عمل يتحدث عن ذراع الكرنك، أي قبل 300 عام من
استخدام المهندسين الأوروبين له لأول مرة، وقد كان ليوناردو دافينشي أحد
أوائل المصمميم الذين استخدمو هذا الابتكار.
ونجد في
كتاب الجزري تصاميم لأكثر من 50 آلة أخرى وبينها ساعات مائية وآلة لغسل
اليدين سماها "آلة الوضوء" وربما يكون أكثرها أهمية هي آلات ضخ الماء.
أول
آلتين لضخ الماء وصفهما الجزري كانتا مطورتين من الشادوف. التصميم عبارة
عن قادوس لجمع الماء يتصل زراع مائل. ينزل القادوس داخل الماء وحين يرتفع
الزراع يصب القادوس محتواه في قناة داخل الذراع الذي ينتهي بمصب فوق
قناة الري. وكانت الحيوانات تستخدم لتشغيل هذه الآلات وضخ الماء في
السواقي.
آلة ضخ
الماء الثالثة التي ابتكرها الجزري كانت نموذجاً مطوراً من الساقية غير
أن الماء هو نفسه الذي يشغلها. وفيها يدوّر تيار الماء ناعورة تقوم
بدورها بتشغيل سلاسل من القدور التي ترفع الماء للأعلى عبر مجموعة من
التروس المتعامدة. وأحد النماذج الشهيرة عن هذه الآلة كان يوجد على نهر
يزيد في دمشق في القرن الثالث عشر حيث كانت تضخ المياه لأحد مستشفيات
المدينة.
آلة الضخ
الرابعة كانت تستخدم ذراعاً أنبوبياً وتعمل بقوة الحيوانات. غير أن
الذراع يرتفع وينخفض في هذه الآلة بنظام معقد نسبياً يتصل بكرنك عبر
مجموعة من التروس. وللعلم كانت تلك الآلة هي الأولى المعروفة في العالم
التي تستخدم الكرنك. وللمقارنة فإن الآلة الأوروبية التي استخدمت الكرنك
لم تظهر إلا في القرن الخامس عشر.
آلة رفع
الماء الخامسة التي ابتكرها الجزري كانت تعمل بقوة الماء أيضاً. وفي هذه
المضخة تدور ناعورة لتدّوِر ناعورة أخرى عمودية والتي تدور بدورها ناعورة
أفقية ثالثة. الناعورة الأفقية متصلة بكباسين نحاسيين متقابلين يتحركان
حركة مستقيمة دورية. أما الأسطوانتان اللتان يتحرك الكباسان فيهما
فمتصلتان بأنابيب لمص الماء ثم صبه. أنابيب المص تشفط الماء من مصدر
الماء أسفلها، فيما أنابيب الصب تصب الماء عند نقطة ترتفع 12 نتراً عن
الآلة، وهو إنجاز مثير للعجب. كانت تلك الآلة الأولى في العلم التي توظف
عملياً نظرية الفعل المزدوج، أي فيما أحد الكباسين يشفط الماء يضخ الكباس
الآخر هذا الماء نحو فتحة السقف. |