غير
المتحدثين نيابة عن مردوخ ليسوا الوحيدين الذين يوظفون الخطابة الخبيثة
في مسعاهم لتشكيل مفاهيم الأمريكيين ضد المسلمين. برنامج "آيموس هذا
الصباح" على شاشة إم إس إن بي سي يدلي بدلوه في هذا الجهد أيضاً. في إحدى
حلقات البرنامج في نوفمبر الماضي، بعد كشف إجهاز جندي أمريكي على مقاوم
عراقي جريح وصف بأنه "جثة مفخخة ومشوهة"، برر دون آيموس هذا العمل ووصفه
بأنه "فرصة قناة الجزيرة" لتحريك "الجموع الإسلامية بمخاطبة عقلية القطيع
المعتادة فيهم." وفي حلقة سابقة، وصف آيموس الفلسطينيين بأنهم "حيوانات
منتنة" مع الإيحاء بضرورة قتلهم أجمعين.
أما في
العام الماضي، وفيما كان آيموس يتحدث عن 43 مسافراً قتلوا بتحطم طائرة
ركاب إيرانية، قال قولته المشينة: "حين أسمع أخباراً مثل هذه، أقول في
نفسي: وماذا يهم ذلك... الشيء المحزن في الأمر فعلاً هو أنها لم تكن
مملوءة بسعوديين."
وهناك
برنامج آخر مكرس لبث السموم ضد الفلسطينيين يقدمه جوزيف فرح، الأمريكي
الإيفانجلستي من أصل عربي ومن أبويين لبنانيين. وفرح هو مؤسس موقع
"ورلدنيتديلي" الذي ينشر في كتاباته، كما أنه مقدم برنامج إذاعي من ثلاث
ساعات يبث في عطلة نهاية الأسبوع. ويؤكد فرح، الذي وصف الرئيس عرفات بأنه
"زبالة مؤيد للنازية"، أن الفلسطسنيين لا يشكلون شعباً ولا يستحقون دولة
خاصة بهم.
وفي واحد
من أحدث مقالاته عهداً، يقول فرح: "إن المطالب الموجهة لإسرائيل الآن هي
بمثابة مطالبة هذه الدولة بالانتحار السياسي والعسكري والثقافي. هل
تعرفون ما الذي تعنيه الحدود الجديدة لإسرائيل بموجب الخطط التي يجري
إعدادها الآن لإعلان ’فلسطين موحدة وقابلة للبقاء؟‘ أنا أعتبرها حدوداً
لأوشفيتز. لا أعرف لماذا لا يرى اليهود هذا الأمر. إنهم يساهمون طواعية
في إنشاء معسكر إبادة جديد لنصف يهود العالم يكون محاطاً بأعداء من
المتعصبين الذين يريدون استئصالهم نهائياً. إن حدود إسرائيل الجديدة وفق
خطة رايس لن يمكن الدفاع عنها."
والمتصلون ببرنامج فرح من المستمعين هم أكثر حرصاً على بث السم من مقدم
البرنامج، حيث تجدهم يقترحون دوماً قصف مكة وكل العواصم العربية بالسلاح
النووي أو يبدون تأييدهم لممارسة التعذيب. أحدهم يطالب بتقطيع أصابع
الشتبه بأنهم إرهابيون إصبعاً بعد الآخر حتى يعترفوا.
وقد قال
فرح بأن الممارسات في أبو غريب إنما هي أشياء شائعة في حفلات التعارف في
الجامعات الأمريكية. وفي حالة احد المتهمين الرئيسيين في فضائح أبو غريب،
وهي ليندي إنغلاند، فقد أكد لها أن مافعلته إنما كان نوع الحياة
الاجتماعية الذي طالما كانت تتلذذ به.
وما يؤسف
له هو أن أبواق الإعلام ليست وحدها التي تثير الضغائن ضد المسلمين.
فالبيانات التي يطلقها بعض السياسيين تصب السموم وتزيد احتقان هذا
الانقسام الديني، مثل الجنرال وليام بويكين، مساعد وكيل وزارة الدفاع
لشؤون الاستخبارات، الذي قال أمام جمع إيفانجلستي إن "الشيطان يريد
تدميرنا لأننا جيش مسيحي" مشيراً للقوات الأمريكية في العراق وأن الرئيس
بوش موجود في البيت الأبيض "لأن مشيئة الله وضعته هناك."
علينا أن
نكون واضحين في التأكيد على وجوب أن يعلن أي إنسان ذي تفكير عقلاني بغض
النظر عن دينه أو جنسيته إدانته العميقة لأي دعاية ضد العرب والمسلمين من
مثل هذه. وتخيلوا فقط تلك الغضبة العارمة التي ستواجه أي إنسان يعبر عن
مثل هذه الآراء التي سبق ذكرها ضد اليهود أو المسيحيين. لو فعل فلن يبقى
في وظيفته دقيقتين اثنتين.
ولا داعي
للتأكيد على أن الحكومات العربية والإسلامية يجب أن تتقدم تخاطب إدارة
بوش رسمياً بشأن أقوال المعاقين والساسة الهادفة لتحريض العامة ضد جزء من
شعبها، مثلما تعمل الحكومة الأميريكية على تخفيف لهجة قناة الجزيرة أو
بعض الصحف العربية.
وفي
الوقت نفسه يتعين على على الحكومات العربية والإسلامية أن تعمل على إيصال
آرائها إلى الغرب عبر وسائل التبادل الثقافي والأعمال الفنية التي تقدم
الصورة الإيجابية المستنيرة للمسلمين والمنافذ الإعلامية الناطقة
بالإنجليزية.
القصف والحظر والهجوم
منذ
سنوات والجامعة العربية تعدنا بقناة تلفزيونية مشتركة ناطقة بالانجليزية،
لكن عبثاً. ومنذ سنوات أيضاً، نسمع وعود قناة الجزيرة بإطلاق قناة
مشابهة. لكن بدلاً من ذلك، أصبحت القناة على وشك أن تباع نتيجة للضغوط
والإدانات الأمريكية.
ببطء
ولكن بثبات، وفيما تتزايد الأصوات المعادية للعرب صخباً، نجد الصوت
العربي المدافع عن نفسه يخمد. كان التلفزيون الفلسطيني الرائد في إيصال
الصوت العربي بالإنجليزية عبر برنامجه المسائي اليومي "رسالتك للعالم".
غير أن البرنامج أوقف لاتهامه بالتحريض ضد إسرائيل.
مؤسسات
تلفزيونية عربية أخرى أقالت رؤساء تحريرها من أصحاب المواقف القوية وأتت
بدلاً منهم بأصحاب الميول الأمريكية الآمنة. ثم اتت قناة "الحرة" و"سوا"
التي يمولها دافع الضرائب الأمريكي لتشكيل العقل العربي. ومن حسن الطالع
أن هذه المؤسسات لم تقابل إلا بالتجاهل العريض لكونها فعلياً أذرع
الدعاية للحكومة الأمريكية. كل ذلك حسن الآن، لكن إلى متى على هذا النحو؟
بالطريقة نفسها التي جرت بها شيطنة اليهود في ألمانيا النازية، تتم الآن
شيطنة العرب والمسلمين اليوم. وهذا التحول الخبيث يجب وأده قبل أن يخرج
عن نطاق السيطرة. على القادة العرب أن يعملوا مع حلفائهم المريكيين
والأوربيين لإنجاز ذلك قبل أن يفوت الأوان.
|