بقلم: ليندا هيرد
فيما تتجمع
غيوم الحرب فوق أقدم حضارات العالم, ويطالب قادة الدنيا الرئيس العراقي
بالتخلي عن أسلحته- ليس أسلحة الدمار الشامل فحسب وإنما الصواريخ متوسطة
المدى أيضاً- وترك بلاده بدون حول أو قوة, لا نجد أحداً يطرح هذا
السؤال: لماذا بحق الله عليكم يفترض به أن يفعل؟ لماذا يجب على العالم أن
يستفرد العراق دون غيره؟
تخيلوا لو أن
أمريكا أو بريطانيا أمضت 12 عاماً وهي خاضعة لعقوبات اقتصادية تفرضها
الأمم المتحدة وأدت لوفاة أكثر من نصف مليون طفل ورضيع. تخيلوا لو أن
الدول الغربية قد وجدت نفسها مضطرة لقبول مفتشي أسلحة دوليين يجوسون
أراضيها طوال سنين وبينهم جواسيس لدول معادية. بماذا ستشعرون لو أن
العراقيين دأبوا على قصف ألاسكا أو فلوريدا أو إنفيرنيس أو كورنوول طوال
عقد من الزمان فيما يتظاهر العالم بأنه يجهل ما يحدث؟
دعونا نقلب
المشهد ونتصور أن العراقيين وحلفاءهم يحاصرون الولايات المتحدة أو
بريطانيا بمئات الآلاف من الجند المسلحين بأحدث العتاد العسكري ويرفضون
استبعاد اللجوء للسلاح النووي. مثل هذه الافتراضات لا تخطر ببال أحد منا,
أليس كذلك؟ فهذا لا يليق إلا بالفقراء والضعفاء من دول العالم الثالث
وليس بالدول "الفخورة" مثل دولنا.
حاولوا أن
تطرحوا على أنفسكم هذه الأسئلة: هل يمكن أن تسمح الولايات المتحدة أو
بريطانيا أو إسرائيل لمفتشي الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة
الذرية بدخول ترساناتها المدججة بالأسلحة الجرثومية والكيماوية والنووية؟
أيمكن أن تسمح بريطانيا لطائرات التجسس العراقية بالتحليق جيئة وذهاباً
في أجوائها؟ أنتوقع من البيت الأبيض أو داوننغ ستريت تسليم علمائهما
ليغادروا البلاد إلى دولة أخرى ويخضعوا فيها للتحقيق معهم أو الترحيب
بالمفتشين ليبحثوا عما يريدون تحت أسرة زوجاتهم بشكل يجعلهن يشعرن
بالغثيان؟ بالتأكيد، الجواب هو لا.
أكاد أسمعكم
وأنتم تتمتمون "طيب, لكن الأمر هنا مختلف. صدام حسين استخدم الأسلحة
الكيماوية ضد مواطنيه الأكراد مثلما استخدمها ضد أعدائه الإيرانيين."
نعم, لقد فعل. لكن أهو أسوأ يا ترى من أولئك القادة الأمريكيين الذين
كانوا مسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ومجازر فظيعة في اليابان
وجنوب شرق آسيا؟ إنه طاغية نعم, غير أنه حينما كان الطاغية المتوحش الذي
يعمل لحساب الغرب, كان دوماً ينال مباركة واشنطن.
أهو أسوأ يا
ترى من أبطال نخبة المجتمع البريطاني الذين قطعوا بغلظتهم أوصال الشرق
الأوسط وأخضعوا بوحشيتهم مئات الملايين من أبناء شبه القارة الهندية
لحكمهم؟ أهو بعيد عن أرييل شارون الذي اعتبرته لجنة تحقيق إسرائيلية
مسؤولاً عن ذبح مئات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والذي لايزال حتى
اليوم يذبحهم بالآلاف في الضفة الغربية وقطاع غزة (أكثر من 2000 حتى
اليوم)؟
وكأني أسمعكم
مرة أخرى تقولون متململين "نعم, لكنه غزا جاره. لا أحد يستطيع الوثوق
به." لقد فعل بالتأكيد- البعض يعتقد أن ذلك وقع بعد إيماءة تشجيع من
سفيرة أمريكا السابقة في بغداد- ولا أحد يستطيع أن يدافع عن هذه الفعلة
وهو بكامل قواه العقلية. لكن السؤال المهم الآن هو: هل قام بأي عمل عدائي
ضد أي كان منذ هزيمته الساحقة عام 1991؟ لا, أبداً. بل كان يحاول طوال
هذه الفترة أن يعود للالتحاق بالمجتمع الدولي وأن يرفع عن العراق
العقوبات الدولية, بل إنه مضى لحد "تبادل القبلات والمصالحة" مع الكويت
خلال القمة العربية في بيروت العام الماضي.
الواضح
للعيان الآن هو أن هناك قانونا للقوة العظمى وتابعها طوني بلير ومحميتها
إسرائيل وقانوناً آخر مغايراً تماماً لباقي العالم. ليست هناك أي أرضية
أخلاقية لموقفهم العدواني هذا. إنما مجرد مزيج غير منسجم من الدعاية
وخطابة إثارة جنون الارتياب الهادفة لتحريك مشاعر الذعر بين العامة. إن
بوش وبلير وشارون هم الآن أسياد الخداع باستخدام فخ الثقة ونحن أصبحنا
ضحاياهم. وهؤلاء الثلاثة جميعهم يتآمرون للسطو على النفط أو الأرض أو
كليهما تحت قناع حمايتنا من عدو غامض.
فاصل مسرحي
دبلوماسي
الثنائي بوش
وبلير مصمم على المضي للحرب بذريعة معقولة أو بدونها. وربما حين قراءتكم
لهذه الكلمات المتواضعة, تكون قذائف الهجوم المباشر المشترك وحتى
الصواريخ المحملة بالرؤوس الحربية النووية المضادة للتحصينات العسكرية
تحت الأرض تمطر بغداد. وهما يفضلان طبعاً أن يفعلا ذلك بمباركة المجتمع
الدولي ولهذا يقدمان الآن فاصلاً مسرحياً دبلوماسياً في الأمم المتحدة,
لكن ذلك الثنائي في نهاية المطاف قد يقول ببساطة 'اشربوا ماء البحر كلكم'
ويمضي للحرب سافر القناع. وإذا حدث ما هو غير متوقع وتمكن المجتمع
الدولي, بقيادة فرنسا وألمانيا وروسيا, من كبحهما فسيكون هذا بشيراً بنصر
عظيم للحياء الفطري عند البشرية.
الأمم
المتحدة نفسها قد أصبحت هدفاً لسخرية الرئيس بوش مثلما أصبحت باستمرار
عرضة للتهديد بجعلها منظمة لا معنى لها. وقد حذر بوش الأمم المتحدة من أن
تصبح "جمعية للجدل الفارغ" إن لم ترضخ لرغباته.
لقد وصف وزير
الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار
الألماني غيرهارد شرويدر بأنهما من "أوروبا القديمة" مثلما وصم 'سلطان'
بلاد 'أرانبستان'الخارجين عليه بالخونة. وفيما أكتب هذه الكلمات يحتشد
ملايين المتظاهرين المناوئين للحرب في معظم مدن العالم ومعظمهم أناس لم
يسبق لهم أن شاركوا في تظاهرة احتجاجية من قبل. هل يمكن أن يكون هؤلاء
الطلاب والمحامون والمعلمون والنجارون والقادة الدينيون والجدات والأحفاد
خونة كلهم؟
كان جورج بوش
هو من سمى المعارضين له في الحزب الديمقراطي الأمريكي 'غير وطنيين' وإذا
ما أخذنا برأي كل زعماء العالم الذين زاروا المكتب البيضاوي وداوننغ
ستريت فليس هناك أي شك بأن بوش وبلير هما في الموقع نفسه حين يتعلق الأمر
بالعراق.
إذاً ما هو
هذا الموقع؟ هناك توصيفات متباينة له. حسب أقوال ذلك التكساسي المضطرب
فإن صدام حسين بترسانته العسكرية المهلكة يمثل خطراً على العالم بأكمله,
فيما أمير التلفيق البريطاني معسول الكلام يوافقه الرأي.
غير أن هذا
الثنائي المبهرج يبدو أقل انزعاجا من الخطر الحقيقي الذي يلوح فوق
العالم, كيم جونغ إيل زعيم كوريا الشمالية. إن كيم هذا شخصية غريبة
الأطوار ويمتلك فعلاً أسلحة نووية وصواريخ لإيصالها إلى ألاسكا ولوس
أنجلوس وهاواي ولندن كما هدد أمريكا باستخدامها مثلما هدد كوريا الجنوبية
واليابان.
إذا ما
وصفتني بالشرير مرة أخرى فسأجعلك تعتذر عن أقوالك, هذا ما كان عليه رد
كيم على تضمين بوش له في محور الشر. وفي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه
بوش أوائل هذا العام أحجم عن الإشارة للزعيم الكوري الشمالي بوصف
'الشرير' لكن هجماته الشخصية على النظام الكوري الشمالي كانت مسعورة
بالقدر الذي كانت عليه سابقاً. وعلى نحو لا يصدق, جاءت هذه الهجمات
تماماً حينما كانت اليابان وكوريا الجنوبية والصين تحاول حل الأزمة
بالطرق الدبلوماسية.
لقد فتح صدام
حسين, الطاغية الذي يتهمه بوش بأنه يمثل خطراً كبيراً على العالم بأكمله,
أبواب بلاده أمام مفتشي الأسلحة. غير أن هؤلاء فشلوا في العثور على أي
شيء باستثناء رزمة من الرؤوس الحربية الصدئة ووثائق بالية عن تقنية
الليزر. وقد أوضح الرئيس العراقي أنه لا يريد أن يهاجم أحداً وجيرانه
يصدقون قوله. إذاً, لم نرفض إبقاء صدام حسين المهادن قابعاً بهدوء في
مكانه؟
الجواب واضح.
الغزو المزمع للعراق ليست له أي علاقة بالمخاطر المزعومة بأن العراق
سيغرق العالم بالإشعاع أو ينشر الجدري في وسط سياتل، إذ لم يجد المفتشون
أي دليل على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وقد قال هانز بليكس ومحمد
البرادعي الكثير عن هذه الحقيقة أمام مجلس الأمن الدولي, على الرغم من أن
المرء بالكاد يدرك الطريقة التي تحور بها كلماتهما وتغير وتنتزع من
سياقها من جانب وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ونظيره البريطاني جاك
سترو.
أما 'الزعيم
الأعظم للكون' من جانب آخر, فلم يجد في نفسه الحاجة حتى للتحوير
والتغيير, مفضلاً أن يتلاعب بالحقيقة جملة وتفصيلاً. إذ فجأة وجدنا
أنفسنا نحن شعوب العالم مطالبين بتصديق أن صدام حسين وأسامة بن لادن هما
حبة فول انقسمت نصفين (هل تتذكرون هذا الأخير؟) لقد جرّب بوش وطغمة
المحافظين الجدد حوله هذا التكتيك عقب أحداث 11-9 مباشرة وفشل فشلاً
ذريعاً. وهاهم بعد دحض اتهاماتهم بأن لدى العراق أسلحة دمار شامل, قد
عادوا من جديد لنغمتهم السابقة حول علاقته بالقاعدة.
و بأريحيتها,
بثت قناة الجزيرة رسالة صوتية لأسامة بن لادن يحض فيها المسلمين على
القتال إلى جانب إخوانهم العراقيين ضد القوات الأمريكية الإمبريالية, ويا
سلام, أصبح صدام حسين وابن لادن, تبعاً لبوش وباول, متعاونين. وليس مهماً
طبعاً أن ابن لادن أصولي وصف صدام بأنه 'مرتد عن الدين' وحكومته بأنها
مجموعة من الشيوعيين. وكان الإعلام الغربي حريصاً على حذف هذا الجزء
الأخير من التسجيل.
لقد أصبح من
الواضح الآن أن بوش سيشوه الحقائق لدعم برنامجه الأناني. لكن بوش ليس
الوحيد في هذا المسعى. إذ أن حمرة الخجل لم تفارق بعد وجه طوني بلير مما
أسماه الملف الاستخباري, والذي وصفه باول بأنه 'شديد الإتقان', وتبين
لاحقاً أنه مأخوذ من رسالة ماجستير لطالب أمريكي من أصل عربي منشور على
الإنترنت, فطبعوه وانتهى. والأسوأ هو أن محترفي التلفيق عند بلير قد
استخدموا هذا التقرير لتصوير الحكومة العراقية في صورة شيطانية. وهنا نجد
أنفسنا أمام مزيج من الكذب وانعدام الكفاءة.
يجب ألا نكذب
على أنفسنا. لو أن بريطانيا وأمريكا تعرفان أن لدى العراق أسلحة دمار
شامل مقرونة بالاستعداد لإطلاقها ضد عالم لا يشك به, فهل كانتا ستتعاملان
معه بمثل هذا القدر من الازدراء؟ لا, ما كانتا لتفعلا.
الحقيقة
السافرة هي أن إدارة بوش مدعومة بحكومة بلير هي بصدد غزوة نفطية. هم
يعرفون الحقيقة, نحن نعرف الحقيقة, العراقيون بالتأكيد يعرفون الحقيقة:
الانتاج النفطي للدول خارج أوبك يتناقص بسرعة. إنها حقيقة تعطي احتياطيات
الذهب الأسود تحت تراب العراق أهمية فائقة حيث يقبع ثاني أكبر مورد للنفط
في العالم.
لقد سمعنا
الرئيس بوش وهو يعطي المصداقية لهذا الرأي بكلماته نفسها في خطاب حالة
الإتحاد حينما أكد أنه يريد لأمريكا أن تكون اقل اعتماداً على موارد
الطاقة الأجنبية وأنه سيوفر 1.2 مليار دولار لتمويل بحوث تطوير السيارات
التي تعمل بالهيدروجين. المعنى المتضمن في هذه الكلمات هو أن النفط
العراقي سيوفر, إلى حين تحقيق هذا الهدف, مورداً ممتازاً. فبوجود الباشا
تومي فرانكس باعتباره الوزير الأعلى للعراق لسنتين بعد الحرب على الأقل,
سيكون العراقيون محظوظين إذا ما التقطوا من الأرض الفتات من عوائد
صادراتهم النفطية.
الآن بوجود
هذا الحشد الهائل من قوة التحالف في الخليج, تصبح أغنى موارد الطاقة في
العالم تحت سيطرة واشنطن. وخنق المنطقة بهذا الشكل لا يضمن لأمريكا, التي
لا تعرف الشبع من الوقود, استمرار استمتاعها ببنزين رخيص فحسب, بل يعني
أيضاً قبل كل شيء أن توسع 'المنافسين الاستراتيجيين' (باللغة البوشية)
مثل الصين يمكن بتره عند أقل نزوة للبيت الأبيض.
مبارزة في
عزبة كراوفورد
من بين
النتائج الأخرى التي تنتظرها واشنطن من حربها المزمعة, هناك عنصر
'استعراض القوة والجبروت'. عن ذلك يقول الخبراء أن خطط البنتاغون الحربية
تتضمن قصف العراق في اليوم الواحد بعدد من الصواريخ يفوق عدد تلك التي
أطلقتها طوال حرب الخليج مجتمعة. وإذا لم يكن ذلك كافياً لجعل العراقيين
يرتعدون رعباً, فما عليهم سوى الاستعداد لوجبة اليوم التالي إلى أن يفروا
حفاة إلى الصحراء.
سيكون العراق
ميدان التجارب المثالي للأسلحة الأمريكية الجديدة, حيث يجري التخطيط
لاختبار قنابل الميكرويف المصممة لجعل أسلحة العدو الإلكترونية عديمة
النفع. بل إن الخبراء يقولون أن الرؤوس الحربية النووية المضادة
للتحصينات تحت الأرض قد تكون من بين الأسلحة الأمريكية المستخدمة في
الغزو. وإذا نجحت الغزوة الأمريكية في أن تكون حرباً خاطفة تتوج بنصر
سريع كما يخطط لها الصقور, مثلما كانت تفعل المسدسات الأسرع في الغرب
الأمريكي القديم, فستكون للولايات المتحدة حينها السيادة علينا جميعاً.
حينها إذا ما
دخل أي منافس عزبة كراوفورد متمختراً مزهواً طالباً مبارزة بالمسدسات عند
الفجر فسيفجرون رأسه حتى قبل أن يتمكن من نطق السؤال 'هل من أحد لأفجر
رأسه؟' . لكن بالطبع سيسمح لبلير البريطاني حينها, وهو الرفيق الموثوق,
أن يستعرض عضلاته الهزيلة وأن يغرف الخيرات التي يوافق له بوش عليها,
وتتضمن ربما كرسياً في مجلس إدارة مجموعة كارليل مثل سلفه في رئاسة
الحكومة البريطانية جون ميجور.
لكن مثلما
كانت عليه الحال في الغرب الأمريكي القديم, دائماً ما يكون هناك شخص ما
أكثر بطشاً, شخص لا يتورع عن إطلاق النار على العدو في الظهر وأسرع في
سحبه للمسدس. جورج بوش وجماعته يمهدون الأرض التي سيتكاثر فيها
المتنافسون على المسدس الأسرع. إنه عملياً يقول لأعداء أمريكا: ' تعالوا
وحاولوا النيل منا. إننا لا نقهر.'
لكن للأسف يا
سيد بوش, ليس هناك فرد أو أمة لا تقهر إلى الأبد. وما لم تتوقف عن اصطناع
أعداء غير موجودين أصلاً, والنفخ في نار العداء لأمريكا في كل العالم,
فسيأتي اليوم الذي ستجد فيه نفسك بدورك تواجه تحدياً من خصم لا يرحم...
ثم آخر... ثم آخر.
اسمعوني أيها
الأمريكيون والبريطانيون. دعوني أرى همتكم. أجدادنا وآباء أجدادنا ممن
ازدردوا الوحل في الخنادق على جبهات الحرب العالمية الأولى قد لقبناهم
'الجيل الأرقى'. هيا بنا نظهر للعالم بأنا لا نقل عن ذلك الجيل رقياً
وأنا لن نترك قادة جشعين مصابين بهوس الأنانية يهددون بقاء البشرية نفسه
باسمنا. |