لقد بقي
العسل لأمد طويل غذاء أساسياً في هذه المنطقة، حيث كان تقريباً المصدر
الوحيد المتوفر للغذاء الحلو. وبالإضافة إلى ذلك، فإن للعسل خواص دوائية
عديدة. ويقال أنه ذو فعالية مزدوجة، حيث يعمل كمضاد حيوي ومقوٍّ جنسي.
كما أنه مصدر للفيتامينات والمعادن. وقد أثبتت التجارب الطبية في
أستراليا أن استخدام العسل على شكل كمادة يمكن أن يشفي الجروح المفتوحة
والملوثة بأنواع من البكتريا القادرة على مقاومة أقوى المضادات الحيوية
الكيماوية.
يجمع النحل
الرحيق وغبار الطلع من أزهار النباتات والأشجار. ويتم وضع غبار الطلع في
أكياس صغيرة موجودة على الأرجل الخلفية للنحلة. ويمكن ملاحظتها على شكل
كتل صفراء أو بيضاء على الأرجل الخلفية، بجوار رأس البطن (انظر صورة
النحلة على زهرة زرقاء لنبات العليق
convolvulus).
يعيش النحل
في مجتمعات غالبيتها من الإناث، وفي جو يخضع لنظام شديد. وتضم المستوطنة
النموذجية ملكة واحدة، وما يصل إلى 80.000 نحلة عاملة، وجميعها عقيمة،
وحوالي 400 من ذكور النحل التي يسمى واحدها "اليعسوب".
النحلات
العاملة تقوم فعلاً بما يوحي به اسمها، أي بجميع الأعمال والواجبات التي
تضمن استمرارية الحياة في المستوطنة. فهي التي تجمع الرحيق وغبار الطلع،
وتطير للقيام بذلك مسافات تصل إلى 100 كيلومتر في اليوم، بسرعات تتراوح
بين 9 و15 كيلومتراً في الساعة. وهي التي تبني خلايا القفير التي تخزن
فيها غبار الطلع والعسل، والخلايا التي تضع فيها الملكة بيوضها. كما أنها
هي التي تقوم بتغذية اليرقات حتى تصبح خادرة (مرحلة وسطى بين اليرقة
والحشرة الكاملة)، وعندها تغلق الخلايا بغطاء شمعي حتى ينتهي تحول
النحلات الخادرة إلى نحلات بالغة تقوم بفتحه. وهي أيضاً التي تضبط
الحرارة في القفير، وذلك بتحريك أجنحتها لتبريده صيفاً واحتضانه بأجسامها
لتدفئته شتاء.
والنحلات
العاملة تدافع عن القفير ضد المعتدين. لكنها لا تنجح دوماً في ذلك. فحشرة
العثة المعروفة باسم
Death-head Hawkmoth
تصدر مع اقترابها من القفير أزيزاً مماثلاً تماماً لذلك
الذي تصدره النحلات العاملات عند عودتها من جمع الطعام. وهذا الأزيز ينقل
للنحلات المدافعات رسالة مؤداها أن نحلات صديقة تقترب. وهكذا تسمح
النحلات للعثة بدخول القفير والتهام العسل. لكن هذه الحيلة لا تنجح في
كثير من الأحيان، حيث يمكن العثور على بقايا تلك العثة متناثرة تحت
القفير. كما تهتم النحلات العاملة بالملكة التي تزودهم بدورها بما يعرف
باسم "الغذاء الملكي" وهو المادة التي تمنع تطور مبايض النحلات العاملة.
أما اليعاسيب، فمهمتها تلقيح الملكة التي تبيض ما يصل إلى 1500 بيضة
يومياً.
لقد كتب
الكثير حول الأسلوب الذي تنقل فيه النحلات العاملة لبعضها البعض خبر توفر
الرحيق وغبار الطلع في موقع معين. وعندما ترجع بعد يوم بحث تكلل بالنجاح،
تمشي تلك النحلات على جدران الخلايا مشية خاصة تسمى "الرقصة الاهتزازية.
وهي رقصة وصفها للمرة الأولى عام 1919 العالم الفائز بجائزة نوبل كارل
فون فريش، وذكر أنها تتكون من مجموعة حركات تؤدى على سطح العش. فالدائرية
منها تعني أن موقع الغذاء يبعد أقل من 50 متراً، والرقص على شكل حلقتين
متلامستين (أو رقم 8 اللاتيني) تشير إلى أن موقع الغذاء أبعد من ذلك،
وتدل على المسافة والاتجاه بالضبط. وتعطي النحلة الاتجاه بأن تعود في خط
مستقيم وهي تهز بطنها.
|