النمر العربي هو نوع صغير وحجمه حوالي نصف حجم النمور الهندية والإفريقية
الأكثر شهرة منه. وفيما قد يصل وزن الذكر إلى 45 كيلو، فإن متوسط وزن
الأنثى هو بحدود 25 كيلو. كما أن لونه رمادي خفيف جداً مقارنة بالنوعين
الآخرين وعليه بقع سوداء على شكل الوردة مع نقطة بنية في المركز. أذناه
مدورتان وذيله طويل جداً، أسود عند آخره. وهكذا يتمتع النمر العربي
بتمويه ممتاز في تلك الجبال أردوازية اللون. وربما يكون هذا هو السبب
الذي مكن هذه النمور من النجاة بجلودها في جبال حجر التي لم يبق فيها سوى
القليل جداً من الفرائس لتقتات عليها. وقد تعلمت هذه النمور كيف تعيش على
القلة وأخذت تأكل أي شيء مهما صغر شأنه. لكن مصدر غذائها الرئيسي ظل
الماعز الذي يجوب الجبال. النمور لا تستطيع العيش بلا ماء ولهذا فهي
تتردد بانتظام على ما تبقى من برك ماء دائمة قليلة تختفي عن العيون بين
الوديان والشعاب البعيدة.
في
عمان هناك بعض النمور العربية تعيش في المركز السلطاني المختص بتربيتها
وقد استطاع المركز حتى الآن أن يربي عدة مجموعات من النمور الصغيرة. وفي
الإمارات وقع نمر ذكر في الأسر حياً حوالي عام 1990، وكان يعيش وحيداً في
حديقة لأحد الشيوخ.
حين
تأسس صندوق النمر العربي وبدأ نشاطاته حددت له الأهداف التالية:
-
ضرورة توعية الناس وتعريفهم بوجود حياة برية في البلد والظروف الصعبة
التي تواجهها الأحياء البرية.
-
إجراء بحوث من أجل الوقوف بدقة على حالة مختلف أنواع الحيوانات البرية
في الإمارات.
-
ضرورة تجميع ما يوجد من حيوانات برية في الأسر من أجل تشكيل مجموعات
لإكثارها في الأسر.
-
ضرورة تحديد المناطق المناسبة لتكون محميات طبيعية واقتراح انشائها على
الحكومات المحلية بحيث يتاح لهذه الحيوانات البرية في المستقبل مكان
تستطيع أن تعيش فيه دون أن يهددها الصيد.
بدأنا بمعالجة كافة المشكلات بدون أن تكون لدينا أي خبرة سابقة، لكن كان
لدينا الكثير من الحماس. واستطعنا أن نزاوج بسهولة بين نشر الوعي العام
وجمع التبرعات لتمويل أهدافنا الأخرى. نظمنا أياماً عائلية على الشواطئ
أو في الصحراء مع ألعاب وحفلات ومزادات وسباقات برعاية المؤسسات إضافة
لبيع المنتجات الترويجية للحملة. وقام بتصميم وإنتاج هذه المنتجات أعضاء
لجنة صندوق النمر العربي بمساعدة فنانين محليين قدموا لنا الكثير من
مواهبهم ووقتنهم. وتنوعت المنتجات بين قمصان وفناجين قهوة وأكياس تسوق
وألعاب أطفال عرضت في المحلات ووجدت طريقها إلى بيوت الناس. وكان أشهر
التصاميم هو وجه نمر على قميص منقط مكتوب عليه: "لاتقل وداعاً".
بعض
أعضاء لجنة صندوق النمر العربي أمضو كل وقت فراغهم يجوبون الجبال
ويتحدثون مع الأهالي هناك لمعرفة كل مالديهم من معلومات عن أية حيوانات
برية رؤوها وليشرحوا لهم لماذا نريد حماية الحياة البرية. زياراتهم لم
تقابل بالترحاب دوماً، لكنهم نجحوا في النهاية في إقناع مجموعة صغيرة من
أهالي رأس الخيمة في أن يدعموا جهودهم ويعملوا على إقناع أبناء قبائلهم
بجدوى مسعانا وأحياناً نجحوا في إيقاف تحضيراتهم للخروج في حملات مطاردة
وصيد للنمر والفهود.
ولفترة لم تطل حاولنا جمع الأموال للصندوق عبر العمل في جمع علب
الألمنيوم الفارغة. وصنعنا حاويات ضخمة عبارة عن أقفاص مركبة على دواليب
وضعناها في المدارس وقراب مراكز التسوق. وهذا المسعى المزدوج الذي يخدم
في تنظيف البيئة وفعل شيء لحماية النمر العربي أثار اهتمام الكثير من
الأطفال في المدارس الذين أخذوا يجمعون العلب من بيوتهم وأينما وجدوها.
وتبرعت شركات كبيرة لصناعة الحاويات ومعالجة العلب المجموعة. غير أن هذا
المشروع لم يحقق النجاح المرجو منه بسبب النفايات الأخرى التي كانت توجد
بين العلب وارتفاع تكلفة تنظيمها ونقل أقفاص الجمع إلى مصانع الصهر. وفي
النهاية أوكلنا مشروع جمع علب الألمنيوم إلى مجموعة الإمارات البيئية.
مدارس ومؤسسات كثيرة شاركت في نشاطات صندوق النمر العربي أو قامت
بمبادراتها الخاصة. وتنوعت النشاطات بين الحفلات الموسيقية والمسرحيات
الغنائية التي قدمتها المدارس إضافة إلى معرض عالمي للحياة البيئية في
الشارقة ودبي وجولات لتنظيف الصحراء. كل هذه الأعمال والإسهامات التي قام
بها سكان الإمارات مسجلة في كتاب "العمل من أجل الحياة البرية" المتوفر
في بعض المكتبات وكل المكتبات العامة والمدارس في البلد. (كما يمكن طلب
نسخ من الكتاب من كاتبة هذه المقالة).
فما
الذي فعله الصندوق إذاً بالتبرعات التي جمعها؟ العمل الأكثر أهمية كان
تنظيم وتمويل حملة بحث في الجبال. ولتحقيق هذا الهدف فقد استعنا بالزوجين
كريس وتيلد ستيوارت من جنوب إفريقيا الخبيرين بتقفي ومراقبة الحيوانات
البرية، بما فيها النمور. وأمضى الإثنان بين عامي 1995 و1998 ما مجموعه 8
شهور يبحثان في براري الإمارات عن أي أثر لوجود الحياة البرية في أراضي
شديدة الوعورة. في البداية لم ينجحا في اكتشاف أي أثر للنمر العربي.
ويعرف عن هذه المخلوقات أنها تترك علامات على شكل خدوش بأظافرها على جذوع
الأشجار. وكانت النمور قليلة جداً لدرجة صعب معها العثور على ما يشير
لوجودها من خدوش على الأشجار أو بقايا فرائسها. وفي الحقيقة لو أن النمور
وجدت فريسة لقتلها لما كانت لتترك شيئاً منها وراءها!
على
كل حال، وبعد أن شاع بين الناس في البلد أن صندوق النمر العربي كان
مهتماً في البحث عن الحيوانات البرية بدأت المعلومات تجد طريقها إلينا.
وفي بضع سنين استطعنا أن نضع خريطة للمشاهدات المؤكدة للنمر والفهد.
وكانت النتيجة مثيرة للاهتمام. فقد قدرنا عدد النمور بحوالي ستة بين رؤوس
الجبال وجنوب جبال حجر في عمان. وأعداد الفهود كانت حوالي بضع عشرات. أما
الذئاب فقد انقرضت حسب تقديرنا فيما الثعالب لاتزال شائعة ولم يسجل وجود
سوى عدد قليل جداً من الغزلان.
وقد
مر عملنا بلحظات مثيرة حقاً. ففي مرحلة مبكرة من دراستنا أمسك الزوجان
ستيوارت بثعلب جبلي صغير وصوروه وأخذوا قياساته قبل أن يطلقوه من جديد.
وتبين أن هذا الثعلب هو من نوع ثعلب بلانفورد (فولبس كانا) الذي لم يسبق
تسجيل وجوده في الإمارات، فقد كان معروفاً في أفغانستان وغربي السعودية
وجنوب عمان. وبعد أن تعلم الزوجان ستيوارت كيف يحددان خدوشه تبين لهما
أنه موجود بأعداد طيبة في الإمارات. وكان وجوده قد ظل محجوباً عن الأنظار
بسبب تمويه جسمه البديع وسلوكه الخجل وشبهه بالثعلب الأحمر.
الاكتشاف الجميل الآخر كان مشاهدة الماعز الجبلي العربي وتسجيل فيلم عنه
على منحدرات جبال حجر. وكان يعتقد في السابق أن هذا المخلوق قد انقرض
تماماً في الإمارات منذ الثمانينيات، لكن منذ اكتشافه مرة أخرى عام 1995
شوهد في عدة أماكن من بينها جبل حفيت بأعداد صغيرة جداً.
|