من
بين أوائل العلماء العرب الذين اهتموا بالخيمياء هناك خالد بن يزيد بن
معاوية (635 – 704 للميلاد) الذي ترجم أيضاً العديد من المخطوطات
للخيميائيين اليونان. ورغم أنه وضع الكثير من الكتب في هذا العلم، إلا أن
أياً منها لم يصل إلينا. غير أن الخيميائيين العرب الآخرين نقلوا عنه في
كتبهم الكثير.
وسرعان ما بدأ الخيميائيون العرب بإنجاز بحوث أصيلة من نتاجهم هم وقدموا
إسهامات كبيرة في هذا العلم مكنت من حدوث انتقال سلس من الخيمياء إلى علم
الكيمياء بوسائل علمية حقة.
من
بين أوائل الكتب العربية عن أعمال الخيميائيين العرب نذكر "كتاب الفهرست"
وهو موسوعة علمية وضعها عالم عربي إسمه ابن النديم عام 988 للميلاد. وفي
هذه الموسوعة هناك قسم خاص بالخيمياء يتطرق فيه إلى أصول هذا العلم ويعدد
فيه أسماء الخيميائيين البارزين من يونان وغيرهم. وبين أسماء العرب نجد
خالد بن يزيد وجابر بن حيان وظعنون المصري والرازي وابن وحشية.
كما
أن "المقدمة" للمؤرخ والفيلسوف ابن خلدون (توفي في 1406 للميلاد) يقدم
وصفاً مهماً آخر للخيمياء عند العرب. وفي كتابه هذا يعبر عن تشككه الشديد
وانتقاده اللاذع لعلم الخيمياء ونزاهة وذكاء كل من يمارسه أو يبحث فيه.
وقبل ابن خلدون، كان ابن سينا قد عارض بقوة علم الخيمياء. غير أن هذه
الانتقادات قد دفعت الخيميائيين العرب لبذل جهود أكبر في تجاربهم وتعديل
نظرياتهم. ولو أن الخيميائيين قبلوا هذه الانتقادات وكفوا عن أبحاثهم
لربما كان علم الكيمياء الحديث قد تأخر كثيراً عما هو عليه حالياً.
آخر
المراجع عهداً عن الخيمياء والخيميائيين العرب هو كتاب "كشف الظنون"
للكاتب التركي حاجي خليفة من القرن السابع عشر. وفي كتابه العظيم ذاك،
يعدد حاجي خليفة كل الخيميائيين العرب والفرس والأتراك والكتب التي
وضعوها. كما يمتدح تركة بعض الخيميائيين العرب وينتقد بشدة أعمال بعضهم
الآخر. ويمكن لقارئ كتابه أن يكون فكرة كاملة عن معارف الخيميائيين العرب
في المرحلة التي تغيب عنا الآن الكتب التي وضعت خلالها.
وربما كان أعظم الخيميائيين العرب الأوائل هو جابر بن حيان الذي عاش في
القرن الثامن للميلاد ويعتقد أنه كان من تلاميذ خالد بن يزيد. وبلغت
شهرته مع الوقت حداً جعلت كتبه في الكيمياء ترجمت إلى اللاتينية ووصلت
الدارسين الأوروبيين في العصور الوسطى الذي اعتبروه باحثاً متقدماً على
عصره في معرفته بعلوم الكيمياء، وظلت شهرته تلك حاضرة حتى بدايات القرن
التاسع عشر.
من
كتاباته الأولى يتبين لنا أنه جابر بن حيان كان متأثراً جداً بأفكار
أرسطو ويتفق معه بخصوص نظريته حول العناصر الأربعة ووحدة المادة. غير أن
جابر بن حيان طور هذه النظرية بنظريات وفرضيات عديدة اقترحها. بالنسبة له
النار حارة ورطبة والتراب بارد وجاف. وهذان العنصران يتمازجان في الصخور
بنسب مختلفة وينتجان المعادن التي يعتبر الذهب أكمل صورها.
رأى
جابر أن كل المعادن تنتمي إلى فصيلة واحدة. وبعض المعادن لا تتاح لها
فرصة وصول الحالة الكاملة للذهب بسبب صفات تكتسبها "بحكم المصادفة" أثناء
تشكلها. وأوجه القصور هذه يمكن التخلص منها عبر تعريضها لمعالجة مناسبة.
واعتقد أن المعادن غير الكاملة هي أشبه برجل يعاني من "مرض". ومثل المرض
في الإنسان حين يعالج بإعطاء الدواء المناسب، فإن المعدن يستطيع استعادة
حالته الصحيحة بالمعالجة الصحيحة.
كما
اعتقد جابر بن حيان وهو يخوض أكثر في شرح نظريته أن كل المعادن لها
ثنائيات سمات داخلية وخارجية. وبالتالي فإن الذهب حار ورطب من الخارج
وبارد وجاف من الداخل. وعلى النحو نفسه فإن الفضة هي باردة وجافة من
الخارج لكنها حارة ورطبة من الداخل. ومن أجل تحويل الفضة إلى الذهب،
يتعين على الخيميائي أن يغير نسب الحرارة والرطوبة والبرودة والجفاف
للمعدن. كما يجب تحويل قاعدة المعدن إلى إكسير. وقطع جابر بن حيان شوطاً
كبيراً في تطوير نظرية الأكسير الفائق الذي سيكون "دواء" المعادن كما
ابتكر "طريقة الميزان" والتي كانت طريقة شديدة المنهجية في التعامل مع
مشكلة التحول.
بعض
الخيميائيين لم يعتقد بوجود مادة واحدة يمكنها أن تقدم إكسيراً فائقاً
واحداً. ولهذا السبب وضعوا نظرية الإكسيرين الإثنين، إكسير أحمر لتحويل
الفضة إلى ذهب وآخر أبيض لتحويل باقي المعادن إلى فضة. واعتقدوا أن قدراً
ضئيلاً جداً من هذا الإكسير كان كافياً لتحويل كمية غير محددة من المعدن
المشوب إلى ذهب عبر إطلاق تفاعل متسلسل لا نهائي.
وبعد
جابر بن حيان، يبرز اسم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (864 – 923
للميلاد) الذي يعتبر من أشهر ممارسي هذا العلم. كان الرازي أول من يضع
مؤسسة عربية لكل فرع من فروع العلوم والفلسفة. فكتابه الشهير "مفاتيح
العلوم" يقسم المواد الكيماوية إلى فئات متمايزة من عن بعضها. فهناك
الروح والمعدن والحجر والزاج والبورق والملح. وفي كتابه يصف الأجهزة
اللازمة لدراسة الخيمياء بما في ذلك جهاز التقطير والأفران وعملية
التصعيد. كما يبحث في العمليات الكيميائية المطلوبة لتحضير النشادر
والأحماض القوية. ويصف تفاعلات التكليس والحل والاحتراق ثم عملية تحضير
الأكاسير لتحويل المعادن إلى ذهب لكن بتعابير غامضة.
كما
يبرز أيضاً اسم أبو الحسن الأندلسي (توفي: 1197) مؤلف كتاب "شذور الذهب"
وأبو القاسم محمد بن أحمد العراقي (القرن الثالث عشر) وعبد الله بن علي
الكاشاني (القرن الثالث عشر) الذي كتب عدة مؤلفات في الكيمياء.
الكيميائيون العرب نقلوا إلى العالم الغربي معارفهم الكيميائية حول
المركبات المعدنية مثلما نقلوا أيضاً تجاربهم العملية التي أجروها في
سياق جهودهم لتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب. ويتضح من دراسة أعمال هؤلاء
أن الكيميائيين العرب كانوا يعرفون الماء الملكي واستخدام نظرية الأواني
المستطرقة لقياس كثافة المعادن بل وحتى تحديد قوة جاذبيتها. كما نقلوا
للغرب أيضاً الفخ اليوناني المتمثل بالعناصر الأربعة إلى جانب التطورات
الأخرى التي أنجزها الخيميائيون العرب. وكانت أعمالهم المترجمة إلى
اللاتينية كنوزاً في العالم الغربي الذي كانت معارفه في الصيدلية وعلوم
المعادن لا تتجاوز أبسط أشكال السحن والترشيح والغلي والانصهار.
أعمال الخيميائيين العرب لم تمكن الآخرين من تحويل المعادن الرخيصة إلى
ذهب، غير أن الانجازات العلمية التي قاموا بها بدراستهم للخيمياء قد وضعت
الغرب بثبات على طريق التحول لدراسة الكيمياء المعاصرة. كان الكنز
الحقيقي الذي اكتشفه الخيميائيون العرب هو إرساء أسس قوية لعلم الكيمياء
الحديثة.
|