ما زال
من الصعب على الأمريكيين القلائل الذين يعرفون الحقائق، أن يصدقوا كيف
حاولت إسرائيل علم 1967 تدمير المدمية الأمريكية ليبرتي والقضاء على
جميع أفراد طاقمها، والأصعب منه رد فعل الرئيس ليندون جونسون على الحادث.
فهذا المأساة التي وقعت وسط أحداث حرب الأيام الستة بين إسرائيل والعرب،
تستحق اليوم إماطة اللثام الكلي عنها لأن ذلك قد يفسر أسباب المشاكل
التي يواجهها الأمريكيون اليوم، وما الذي ينبغي فعله لتجنب المزيد من
المخاطر.
بدأت
إسرائيل هجومها على السفينة بعد ثلاث ساعات من تعرف القيادة العسكرية
الإسرائيلية عليها بأنها سفينة غير مسلحة عائدة للبحرية الأمريكية.
وعندما أمر الجنرال الإسرائيلي موشي ديان بالهجوم، إعترض أحد كبار
مساعديه بقوله "هذه جريمة قتل صريحة". ورفض عدة طيارين إسرائيليين
المشاركة بالعملية.
وقد
صمدت ليبرتي لهجوم بري وبحري مكثف لمدة ساعتين، إلا أن 34 من بحارتها
قتلوا وأصيب 173 أخرون فيما مزقت هيكلها ثقوب الانفجارات، وكان اتساع
أحدها 40 قدماً. وكان الأمر على الحد الأدنى نكراناً واضحاً للجميل، لأن
جونسون في نفس الوقت يقدم طارئات عسكرية أمريكية بدون علامتها المميزة
وجنوداً أمريكيين لمساعدة إسرائيل في حربها ضد جاراتها العربيات.
ولم
يتوقف الهجوم إلا بعد أن تلقت حاملة طائرات أمريكية قريبة نداء الاستغاثة
الوحيد الذي نجح عاملو اللاسلكي على ليبرتي في إرساله. وأمر قائد الحاملة
بإرسال طائرات مقاتلة للدفاع عن السفينة، كما أعلم واشنطن بالأمر. وعلى
رغم أن الهجوم كان ما يزال مستمراً، فإن رد جونسون المذهل كان مجرد رسالة
صوتية يأمر فيها المقاتلات بالعودة إلى الحاملة.
وعندما
افتضح الأمر توقف الهجوم وزعمت الحكومة الإسرائيلية إن ما حصل كان نتيجة
خطأ في التعرف على السفينة، وقد قبل جونسون العذر الإسرائيلي وأمر بتمويه
الحقيقة. وقام بتعيين الأدميرال إسحق كيد للقيام بتحقيق سريع وأوصاه
بتبرئة إسرائيل من الملامة. وقد أطاع كيد الاوامر فأنذر الناجين، وكان
بعضهم ما زالوا على أسرة المستشفيات بأنهم سيواجهون محكمة عسكرية
وأحكاماً بالسجن لو ذكروا أي شيء علانية عن الكارثة. ثم منح الناجون
ميداليات بطولية في احتفالات هادئة بعيداً عن الأضواء وبعيداً عن البيت
الأبيض والرئيس. وحتى اليوم ما تزال هناك مستندات رسمية كثيرة مصنفة على
أنها سرية للغاية. ومع مرور السنوات طلب الناجون مراراً من المسؤولين ومن
أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام إماطة اللثام الكلي عن الهجوم.
لماذا حدث الهجوم؟
يعتقد
الناجون من ليبرتي أن الدافع الأرجح لإسرائيل هو استدراج الولايات
المتحدة لتحالف حربي سريع ضد العرب. فلو وقفت أمريكا بقوتها العسكرية
الضخمة تقاتل مع إسرائيل، لضمنت هذه أمنها أمداً طويلاً في المستقبل.
وكان ممكناً للخطة أن تنجح فقط فيما لو استطاعت إسرائيل إلقاء ملامة
تدمير ليبرتي وقتل طاقمها على مصر التي كانت في طليعة الدول العربية
المقاتلة. وكان ممكناً للخطة أن تنجح لولا رسالة الاستغاثة الوحيدة.
ولماذا عملية التغطية؟
منذ
ثلاث سنوات أعلنت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية في
إدارة الرئيس جورج بوش:" إن سياستنا الخارجية تتمحور حول إسرائيل." وأود
أن أضيف لتصريحها الدقيق أن سببه يعود للخوف. فمعظم الأمريكيين وخاصة
أولئك العاملين الرسميين وحتى الرؤساء منهم، يتملكهم خوف قاتل من أن
يوصفوا أنهم معادون للسامية، ومهما كانت التهمة بعيدة عن الحقيقة. فلقد
أعاد مناصرو إسرائيل بنجاح وقبل زمن طويل تعريف عبارة معاداة السامية على
أنها أي انتقاد لدولة إسرائيل.
ويعتبر
تاريخ إخفاء حقيقة الهجوم هو اليوم الذي وضع إسرائيل الصغيرة يدها تماماً
على سياسات أمريكا الجبارة بخصوص الشرق الأوسط.
وقد
أقنعت عملية الإخفاء قيادات إسرائيل منذ ذلك الوقت وحتى الآن بأنه يمكن
للدولة اليهودية التخلص من تهمة القتل، حتى لو كان الضحايا من البحارة
الأمريكيين العزل، وحتى من دون التأثير على الدعم الأمريكي. وبعد عملية
الإخفاء تصاعدت المساعدات الأمريكية لإسرائيل بجميع أشكالها المالية
والعسكرية والدبلوماسية، دون أن تتأثر سلباً في الوقت الذي قام فيه
القادة الإسرائيليون بتلويث القيم اليهودية عبر انتهاكاتهم المكثفة
للقانون الدولي ولحقوق الإنسان العربي. وقد أدى التحيز الأمريكي الفاضح
لإسرائيل إلى أحداث 11 سبتمبر وإلى الأزمة الأمريكية المتزايدة في
العراق.
إن
أمريكيين قلائل يدركون أن صياغة سياستنا الأمريكية الشرق أوسطية تتم على
مدى سنوات طويلة بواسطة مجموعتي ضغط دينيتين كبيرتين. وإحدى هاتين
المجموعتين ضئيلة في العدد لكنها بعيدة في التأثر، وتضم أساساً يهوداً
علمانيين وغيرهم من المتشددين جداً. والمجموعة الثانية والتي برز نفوذها
في العقد الماضي، تضم ملايين المسيحيين الذين يقبلون تفسيراً مشكوكاً فيه
لكتاب الرؤية التوراتي. وكلتا الجماعتين تؤمنان بأن إسرائيل الحالية هي
جزء مركزي من مخطط إلهي، وأنها يجب أن تبقى قوية ومتحدة حتى يعود إلى
الأرض المسيخ المخلص. وتتمتع كلتا الجماعتين بقوة سياسية رهيبة إلى درجة
أن الكونغرس دون اعتراض البلايين لإسرائيل سنة بعد سنة، ودون شروط أو بحث
أو مناقشة جدية.
إن
سيطرتها على حكومتنا أمر غير صحي لإسرائيل والولايات المتحدة/ مثلما هو
بالنسبة للمسيحية واليهودية، فقد كانت العامل الأساسي الذي قاد لأحداث 11
سبتمبر، وغزو العراق والاحتجاجات العالمية المعادية لأمريكاً.
ولو خرجت أمريكا من مأزقها اليوم، فإن علينا أن نواجه بصورة مكشوفة
وصارمة دور تلك الجماعات الدينية في صناعة السياسية الأمريكية. أما إذا
واصلنا سياسة عدم المبالاة بالحقيقة، فسنواجه من الأخطار غداً.
|