أجرى
الدكتور وليد ياسين التكريتي مستشار الآثار في دائرة الآثار والسياحة في
العين حفريات عدة كشفت الأفلاج العميقة التي يعود تاريخها لألف عام قبل
الميلاد، وهو عمر يزيد عن عمر أفلاج إيران. والأفلاج التي اكتشفت مؤخراً
كانت مبطنة بشرائح من الحجر الرقيق، وكانت بالغة الدقة. وعلاوة على ذلك،
فإن من قاموا بحفرها إلى تلك الأعماق إنما كانوا عمالاً من عشائر محددة،
مثل العوامر البارعين في هذا النوع من الأعمال. وما زال أحفادهم يعيشون
في المنطقة حتى اليوم، حيث قاموا بتجديد النظام القديم قبل 50 سنة خلت.
تبدأ
القناة من مورد المياه في الجبل، أو من جيب مائي تحت الأرض تم الوصول
إليه عبر بئر محفورة. أما الفلج فيحفر بصورة مائلة تسبب سيلان الماء
بسلاسة مدفوعاً بقوة الجاذبية. ومن أجل ذلك ينبغي حساب الزاوية بدقة،
وبحيث يصل الفلج إلى الحقول التي سيرويها عند المستوى المطلوب بالضبط.
ويحفر كل مئة متر تقريباً حفرة أسطوانية تنفتح على الفلج، وتدعى "ثُقبه"،
والغرض منها توفير الهواء النقي للعاملين، وتسهيل أعمال الصيانة في
المستقبل. وعندما يقترب الفلج من المزارع يتحول من نفق إلى ما يشبه
الخندق الذي يغطى بألواح الحجارة والآجر للحيلولة دون تبخر الماء أو
تلوثه.
وعندما
يصل مستوى جريان الماء إلى سطح الأرض، يحفر حوض كبير يدعى "الشريعة"،
ليتم جمع الماء فيه. كما يستخدم كحوض للغسيل. وو مبطن بشرائح مسطحة من
الصخور. وفي أحد المواقع القر يبة من العين، ويدعى بدع ابن سعود، هناك
درج طويل شديد الانحدار ينزل إلى قاع الشريعة. (هذا الكشف هو الذي وفر
المعلومات حول عمر النظام:فقد عثر على أكثر من 300 كسرة فخارية عند الحفر
للوصول إلى قعر الشريعة الواقع على عمق 3.8 متر تحت مستوى السطح الحالي.
وكانت الكسرات تعود للعصر الحديدي، أي لحوالي 3000 سنة مضت).
تتفرع من
الحوض شبكة من الأغيال التي تنقل الماء إلى الحقول التي تحتاج للري. ومع
مرور الزمن، كان لا بد أحياناً من تعميق مجاري المياه لكي يواصل الماء
جريانه. وكان ذلك يؤدي إلى امتداد النظام مسافة أطول قليلاً كل مرة،
وبارتفاع أدنى قليلاً، وكان ذلك يعني تراجع الحقول والمساكن للوراء بعض
الشيء.
عثر على
أفلاج العصر الحديدي في الهيلي في العين، بدع ابن سعود، وإلى الشمال في
منطقتي جبيب والمدام. أما في عمان، فقد عثر عليها في المياسر وراكي. كما
عثر في عمان على جوار أحد الأفلاج على وعاءين خزفيين. أما في الهيلي، فقد
كشفت الحفريات بجوار الشريعة أبنية كبيرة. ومن المعتقد أنها مواقع إدارية
لتوزيع المياه الشحيحة والثمينة، وكان واحدها يسمى بيت الفلج.
وقد ألف
الدكتور التكريتي، الذي عمل في الإمارات 30 عاماً، كتاباً حول الأفلاج
القديمة، ويتم حالياً ترجمة الكتاب من العربية إلى الإنجليزية.
إن نظام
الأفلاج هذا لا يزال يؤدي عمله حتى اليوم، في عصر التكنولوجيا هذا. وحيث
أنه لا يعتمد على مضخات قد تتعطل وقساطل قد تصدأ وتتفجر، فإنه لا يزال
يعمل بدون توقف 3000 سنة. كل ما كان يحتاجه هو تنظيف الأقنية من الطمي
بين الفينة والفينة، خاصة بعد المطر الشديد.
هذا، وقد
وضع صاحب السمو الشيخ زايد\ بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، عندما كان
ممثلاً للحاكم في العين في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، برنامجاً
لتجديد الموارد المائية، بما فيها الأفلاج. وقد استغرق تنفيذ البرنامج 18
عاماً، ووفر الماء الذي أكسب العين شهرة واسعة بسبب تكور زراعتها.
|