خلال
الحملات العسكرية كان المنتظر دوماً من ابن سينا أن يخرج برفقة راعيه,
لكنه مع ذلك ظل يتابع كتاباته. وفي إحدى هذه الحملات عام 1037 تدهورت صحة
ابن سينا. ورغم كل محاولاته لتطبيب نفسه, لم يتمكن من منع تطور مرضه
ليلقى وجه ربه بعد فترة قصيرة.
وضع ابن
سينا حوالي 450 مؤلفاً, لم يصلنا منها سوى 240 تقريباً. ومن بين أعماله
المتوفرة لنا اليوم, هناك 150 في الفلسفة و40 في الطب وهما الميدانان
العلميان اللذان قدم فيهما أكبر إنجازاته. كما وضع أعمالاً في علم النفس
والجيولوجيا والرياضيات والفلك والمنطق.
وقد كتب
كل مؤلفاته باللغة العربية باستثناء كتابين اثنين وضعهما بالفارسية وهي
لغته الأم. أحد هذين الكتابين هو بعنوان "موسوعة العلوم الفلسفية"
والثاني هو دراسة عن النبض أصبح ذائع الشهرة لاحقاً.
في القرن
الثاني عشر الميلادي ترجم "كتاب الشفاء" جزئياً إلى اللغة اللاتينية. كما
ظهر "القانون في الطب" كاملاً في أوروبا قريباً من ذلك الوقت. وهذه
الترجمات نشرت أفكار ابن سينا إلى أقاصي الأرض. وأصبح "القانون في الطب"
المرجع الذي لا يدانى في العلوم الطبية لعدة قرون, وهو ما أعطى ابن سينا
شرفاً لم يحظ به سوى الطبيبين الإغريقيين القديمين أبوقراط وجالينوس.
وبلغت شهرة الكتاب حداً جعل مؤلفه يعرف بلقب "أمير الأطباء" في الغرب.
كما أن
ابن سينا الذي عرف بالشيخ الرئيس, وهو لقب أطلقه عليه تلامذته, قدم
إسهامات طيبة في تقدم علم الفلك.
فقد قام
بدراسات فلكية حينما كان في أصفهان ولاحقاً في همذان. وأثمرت هذه
الدراسات عدداً من الاستدلالات التي ثبتت صحتها بعد قرون. وعلى سبيل
المثال استطاع رصد كوكب الزهرة كبقعة على سطح الشمس واستنتج محقاً أن
الزهرة لابد وأن يكون أقرب للأرض مما هو للشمس. كما ابتكر أيضاً جهازاً
لرصد إحداثيات النجوم.
أما في
الفيزياء فتشمل إنجازاته دراسة للأشكال المتباينة للطاقة من حرارة وضوء
وطاقة ميكانيكية إضافة لمفاهيم فيزيائية مثل القوة والفراغ واللاتناهي.
وتوصل ابن سينا لاكتشافه المهم القائل بأن إنتاج الضوء إذا كان ناجماً عن
إطلاق شكل ما من الجزئيات الصغيرة من قبل المصدر المضيء, فلابد أن تكون
سرعة الضوء متناهية. كما أشار إلى وجود علاقة ضمنية بين الزمن والحركة
وقام بدراسات على الجاذبية المحددة واستخدم مقياس حرارة هوائياً.
ولابن
سينا إسهاماته في الموسيقى، ويقال إنه كاتب رباعيات شعرية فارسية وقصائد
قصيرة, منها:
"من وسط الأرض نهضت للسماء السابعة
وتربعت على عرش زحل
حللت عقداً كثيرة في الطريق
إلا العقدة الكبرى: قَدَر البشر"
وكانت
دراسة ابن سينا عن الخامات المعدنية واحدة من أهم المصادر الجيولوجية في
الموسوعات المسيحية في القرن الثالث عشر.
وتبقى
إنجازات ابن سينا الأكبر هي في ميدان الفلسفة. فعلى الرغم من أنه وجد أن
من الصعب جداً استيعاب المعارف التجريبية لتعاليم أرسطو, فقد وضع دراسات
كثيرة جداً تناقش تعاليمه هذه. وتصوغ فلسفة ابن سينا بنظرية الفرضية
والنقيض إرث أرسطو والتأثيرات الأفلاطونية الجديدة والدين الإسلامي. وقد
كان لأعماله هذه كبير أثر على الكثير من فلاسفة الغرب بعد ترجمتها إلى
اللاتينية وخصوصاً توماس أكويناس.
|