العرب
الأمريكيون بالنسبة لجون كيري مثل "طيور الكناري في منجم الفحم". ففي
الأيام الماضية كان عمال مناجم الفحم يدخلون طيور الكناري للمنجم الذي
يعملون فيه. لماذا؟ لأنهم كانوا يخشون انطلاق جيوب من الغازات الطبيعية
عديمة الرائحة والسامة من آن واحد. تلك الطيور كانت تؤدي دور جرس
الإنذار. كان العمال يعرفون أنهم في أمان طالما استمرت في التغريد، وإن
توقفت، فهم في خطر. ومنذ تلك الأزمنة، أصبح تعبير "طيور الكناري في منجم
الفحم" يرمز لأي إنذار بوجود خطر.
وهكذا
كان الأمر بالنسبة للعرب الأمريكيين في انتخابات 2004.
ففي آخر
استطلاع للرأي أجراه معهد زغبي في الولايات الأساسية، تبين أنه في الوقت
الذي ما زال جون كيري فيه يتفوق على جورج بوش، فإن الهامش بينهما تقلص
إلى النصف. ففي يوليو، أعطى الناخبون من العرب الأمريكيين 54 نقطة لكيري
مقابل 24 لبوش. وفي سبتمبر كان الفرق قد تقلص إلى 49% لكيري مقابل 31.5%
لبوش.
صحيح أن
رضا العرب الأمريكيين عن أداء جورج بوش تحسن قليلاً، لكنه مازال منخفضاً
عند 31%، وهي نفس نسبتهم التي ترى أنه يستحق إعادة انتخابه.
الحقيقة
أنه منذ بدأ استطلاع آراء العرب الأمريكيين في فبراير 2004، لم يزد دعم
الرئيس بوش أبداً عن 31%. وذلك يطرح سؤالين منطقيين: ما الذي تسبب في
ارتفاع نسبة مؤيدي بوش في سبتمبر، ولماذا لم يحسّن كيري موقفه لدى العرب
الأمريكيين منذ فبراير الماضي؟
إن
النظر لنتائج الاستطلاعات يجعل من السهل الجواب على السؤال الأول. ففي
أعقاب نجاح بوش في مؤتمر الحزب الجمهوري الذي عقد في نيويورك، عاد
الجمهوريون من العرب الأمريكيين إلى ديارهم مثل الكثير غيرهم من
الجمهوريين الآخرين، وقد ملأهم الحماس. في يوليو مثلاً، كان 60% منهم
يدعمون إعادة انتخاب بوش. وكان الباقون منقسمين بين التصويت لكيري أو
لرالف نادر أو لم يكونوا قد حزموا أمرهم بعد. وفي سبتمبر ارتفعت نسبة
مؤيدي بوش إلى 75%، وهذا من أسباب ارتفاع نسبة من انتخبوا بوش.
يمكن
القول بصورة عامة إن العرب الأمريكيين يعطون بوش تقييماً ضعيفاً في كل
موضوع تقريباً: الاقتصاد، الصحة، العراق، التعليم، إلخ. لكن ضعفه لم
يترجم لقوة في صالح جون كيري. كان واضحاً أن قرابة 75% من العرب
الأمريكيين يريدون رئيساً جديداً، لكن كيري لم يقنعهم بجدارته، بل إنه لم
يحاول كسب دعمهم.
ليس
العرب الأمريكيون هم وحدهم الذين يشعرون بذلك. فالقائم على الاستطلاع
جون زغبي يرى نفس الظاهرة على المستوى الوطني، حيث يتقدم بوش على كيري
بنسبة 46% مقابل 43%. وفي تحليله للوضع، لاحظ جون أن البلاد منقسمة
بالتساوي تقريباً بين أنصار بوش وخصومهم الديمقراطيين. لكن، كيف حصل
وتقدم بوش؟ الأمر بسيط. يبدو أنه نتيجة لبعض أحداث الشهر الماضي (المؤتمر
الجمهوري، مجادلات سويفت بوت،
أخطاء حملة كيري)، اكتسب الجمهوريون قوة مضاعفة من مرشحهم الذي يخاطب
همومهم، فيما كان أنصار كيري يعانون من توعك وإعياء أفقدهما قسماً من
الطاقة التي شعروا بها قبل أشهر.
الديمقراطيون كانوا غاضبين على نتيجة انتخابات عام 2000. فقد واجهوا
حينها ما اعتبروه إدارة هوجاء تصر على تخفيض الضرائب وزيادة العجز. كانوا
يعارضون أسلوب الإدارة في مخادعة واستدراج الأمة للحرب والانتهاكات
الكثيرة للحريات المدنية التي رافقت الحرب على الإرهاب.
كانوا
يحتاجون لمنافس يحمل رسالة واضحة بمقدار وضوح غضبهم. وبعضهم لم يؤمن أن
جون كيري لديه تلك الرسالة. وهكذا يبدو أن ما شعر به العرب الأمريكيون
كان مشتركاً مع كثير غيرهم من أنصار كيري المحتملين في البلاد. ولذا يمكن
القول إن أداء حملة كيري الضعيف بين العرب الأمريكيين كان يرسل إشارة
تحذير مهمة. نتذكر أن العرب الأمريكيين أعطوا أكثرية بسيطة من أصواتهم
لبوش عام 2000. أما اليوم فإن 70% منهم يريدون تغييراً في البيت الأبيض.
وحيث أن 49% منهم فقط يرون أن كيري يجلب التغيير الذي يريدونه، فإن ذلك
ينبئ بوجود مشاكل كبيرة.
صحيح أن
ستة أسابيع مازالت تفصلنا عن الانتخابات، لكنها كافية لإحداث تغييرات
كبرى. فإذا أريد لكيري أن يعزز قاعدته ويسترجع ما فقده، فإن على حملته أن
تبذل اهتماماً أكبر بطيور الكناري التي توقفت عن التغريد. |