ام سلمة هي هند
بنت ابي امية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن المخزومية، بنت عم خالد بن
الوليد سيف الدولة، وبنت عم ابي جهل ابن هشام.
كان ابوها يطلق
عليه لقب زاد الركب ومعنى ذلك، انه اذا كان في سفر وكان معه رجال لا
يحملون معهم زادهم اي طعامهم، فكان يكفيهم المطعم ويغنيهم، فلقب بهذا
اللقب، لانه كان جواداً كريماً.
كانت ام سلمة
من اجمل النساء واشرفهن نسباً، كانت لزوجها ابي سلمة من ابر النساء،
وكانت تحبه حباً لا تحبه امرأة لزوجها، حتى انها جلست يوماً مع زوجها ابي
سلمة فقالت: يا ابا سلمة بلغني انه ليس من امرأة يموت زوجها وهو من اهل
الجنة، ثم لم يتزوج الا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال ابايعك واعاهدك
الا تتزوج بعدي ولا اتزوج بعدك، قال: اتطيعينني؟ قالت نعم، قال: اذا مت
فتزوجي، اللهم ارزق ام سلمة بعدي رجلاً هو خير مني، لا يخزيها ولا
يؤذيها،فلما مات ابو سلمة رضي الله عنه، قالت: من هو خير من ابي سلمة،
وحزنت عليه حزنا شديداً، ولما مضت عدتها جاء يخطبها رحمة باطفالها
ومواساة بمصابها بزوجها ابو بكر الصديق، فرفضت ذلك، ثم جاء يخطبها عمر بن
الخطاب فرفضت ذلك. فقالت انا امرأة كبيرة في السن، ولي صبية، وكانت رضي
الله عنها لها من ابي سلمة اولاد صحابيون وهم: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة.
استشهد زوجها في معركة احد بعد جراح اصابته، وبقي النبي بجواره يواسيه
حتى فاضت روحه الى بارئها، فاسبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينيه،
وكبر عليه تسع تكبيرات، فقيل له يا رسول الله، هل نسيت؟ لان التكبيرات
اربع، فظن الصحابه ان رسول الله قد نسي، فقال لهم: اني مانسيت، ولو كبرت
على ابي سلمة الفاً ما من هو اهلاً لذلك. وبكت عليه ام سلمة، وغشي عليها
مرات، ورسول الله يقول لها: اصبري واحتسبي . واسأ لي الله ان يؤ جرك في
مصيبتك وان يخلفك خيراً. فقالت: ومن يكون خيراً من ابي سلمة؟ وماتدري ان
رسول الله سيعوضها عن ابي سلمة بصفوة الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه
وسلم .وقد ذكرنا ان ابو بكر ، وعمر رضي الله عنهما تقدما لخطبتها فأبت،
وكانت ترد رداً حكيماً يدل على رجاحة عقلها، فتقول: انا امرأة كبيرة ولي
ايتام، ولا حاجة لي بالازواج. ومضت ايام، فبعث رسول الله لام سلمة من
يخطبها له، فارسلت رسولاً يقول لرسول الله على لسانها «انا امرأة مسنة
ذات عيال، وانا شديدة الغيرة» وكان رسول الله صلى عليه وسلم، يعرف
سابقتها وهجرتها في الاسلام، ويعرف سابقة وهجرة زوجها في الاسلام، وكان
يعلم ان لها صبية ايتام، ومن الوفاء ان تكون اماً للمؤمنين، فبعث رسول
الله اليها يقول: يا ام سلمة انا اكبر منك سناً، وعيالك الى الله ورسوله
فهم في كفالتي، واما غيرتك فسيذهبها الله بأ ذنه. فقالت امهلني اياماً،
وجلست ام سلمة تستذكر قولها لابي سلمة، ورده عليها حيث قال: اللهم ارزق
ام سلمة بعدي رجلاً خيراً مني. لا يخزيها ولا يؤذيها، فقالت ان رسول الله
خير من ابي سلمة والله تعالى استجاب لدعوته، فبعثت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم انها وعيالها قادمة الى رسول الله، ولكن الرسول الكريم بعث
يخطبها من اخيها وضمها رسول الله وعيالها اليه، وكانت زينب صغيرة في سن
الرضاع، وكان رسول الله يحبها ويحب اخوتها، فاذا دخل على ام سلمة يقول (
اين زناب)؟ وماذا فعلت زناب؟ وعاش ابناء ام سلمة في البيت الطاهر باحسن
رعاية، واصدق أب، وارحم انسان، ولم تشعر ام سلمة بزواجها من رسول الله
الا بالسرور وهناء البال، وطيب معيشة العيال. وهنا لا بد لنا من الرد على
اولئك الذين يطعنون بتعدد رسول الله للزوجات وان رسول الله صلى الله عليه
وسلم، كان شهوانياً، وهو الذي يعلم الناس العفة والطهر، فما تزوج رسول
الله بكراً الا عائشة رضي الله عنها، وذلك بعد ان قضي زهرة شبابه وثلاثة
عشر سنه من نبوته مع خديجة الطاهرة، التي كانت شيباً وكانت اكبر من رسول
الله بسنين. ثم انه ماتزوج امرأة الا لسبب شرعي، اما تقريباً للقلوب، او
ابطالاً لحكم جاهلي، حيث تزوج زوجة من تبناه بامر الله، وهو زيد الذي
كانوا يطلقون عليه زيد بن محمد، فنزل قول الله { فلما قضى زيد منها وطراً
زوجناكها لكي لا يكون على الناس حرج في ازواج ادعيائهم..} وكزواجه من ام
سلمة وهي كما وصفاننا، رعاية لها ولاؤلاده، وتقديراً منه عليه السلام
لسابقتها في الاسلام، وبلاء زوجها في الجهاد في سبيل الله. وهكذا في كل
زواج لرسول الله، كان يدور حول حكمة ربانيه، او امر من الله، وتقريباً
للنفوس، حيث كانت العرب تدفن الأحقاد المورثة، بالمصاهرة التي تؤلف بين
القلوب المتنافرة. ان اعظم كرامة لام سلمة ان تكون اماً للمؤمنين، ومن هي
التي تأبى ان تكون اماً، وتنال المكانة التي يقول الله فيها { يا نساء
النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن..} وتنال قول الله تعالى { انما
يريد الله ان يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً}، وهل نساء
النبيإلاّ من اهل بيته؟!كانت لام مسلمة نظرة ثاقبة في الحكم على الامو ر،
ففي صلح الحديبية، كاد بعض الصحابه ان يتفجر غضباً من بنود هذا الصلح،
حيث انهم، رأوا الدنيّة في بعض بنوده، وامرهم رسول الله بالعودة من ذلك
العام وان ينحروا الهدى، ولكنهم كانهم لم يسمعوا امر الرسول الله لشدة
الدهشة من ذلك الصلح، فدخل رسول الله على ام سلمة، واخبرها خبر الصحابة،
فقالت يا رسول الله، اخرج اليهم وانحر هديك، فأنهم سيتبعونك، وفعلاً اخذ
رسول الله بمشورة ام سلمة، فخرج ونحر الهدي فلما رآه الصحابة، قاموا الى
هديهم فنحروه وطابة النفوس.ومشورة رسول الله لام سلمة، فأخذ منها حكماً
شرعياً، انه يجوز مشورة النساء بل يؤخذ برأي المرأة، ولها ان تشير وان
تستشار، حتى في الامور المهمة وفي اخطر القضايا السياسية .
.
|