إحدى
صديقاتي البريطانيات، وبعد عقود أمضتها تعمل في دبي، ورثت مبلغاً لا بأس
به من المال عام 1996. لكن المفاجأة كانت هي أنها بعد انهاء إجراءات
وأوراق تسلم المبلغ، اكتشفت أن البنك الذي تتعامل معه في بردبي قد حجز
على رصيد حسابها لديه رغم أنها كانت من عملائه طوال سنوات عديدة. ولم يفك
البنك الحجز على الرصيد إلا بعد أن قدمت له شخصياً كل الوثائق التي تثبت
مصدر هذا المال الذي حصلت عليه فجأة.
بعد أن
ذكرت لكم هذه القصة، لكم أن تتخيلوا دهشتي وأنا أقرأ خبراً بثته أسوشييتد
برس جاء فيه أن "القاعدة لا تزال تستخدم دبي كأحد المراكز الرئيسية
لتحويل الأموال رغم الإجراءات الصارمة التي تفرضها الإمارات العربية
المتحدة بعد 11 سبتمبر."
المصرف
المركزي في الإمارات العربية المتحدة يراقب منذ زمن طويل وبصرامة الصناعة
المصرفية في البلاد كما تم فرض قوانين مصرفية شديدة منذ أوائل عام 2002.
كل من يريد فتح حساب في أحد المصارف يجب أن تكون لديه تأشيرة إقامة في
البلاد وأن يقدم رسالة للمصرف من كفيله قبل فتح حساب له، كما أن الحسابات
المشبوهة تتعرض لحجز أرصدتها بشكل منتظم.
يقول
عبد الرحيم العوضي، المدير التنفيذي لوحدة الحالات المشبوهة ومكافحة غسيل
الأموال في المصرف المركزي: "إن المصرف المركزي لا يفتح حسابات سرية
ويطلب من المؤسسات المالية في البلاد وبتوجيهات صارمة ألا تفتح هي حسابات
سرية أيضاً."
في مارس
الماضي، اختير قانون مكافحة الأموال المطبق في الإمارات من قبل الأمم
المتحدة كنموذج يحتذى به ويفترض بالدول الأخرى أن تتبناه. وخلال ورشة عمل
دامت يومين، وصف مايكل ديفيو مستشار الأمم المتحدة لشؤون الإرهاب
والمخدرات والجريمة الإمارات بأنها دولة رائدة في التعامل مع مشكلة نظام
الحوالة لتحويل الأموال.
وفي
المقابل، فقد ذكرت لجنة وزارة الخارجية لقضايا الإرهاب في بريطانيا أن
121.5 مليون دولار أمريكي موجهة لتحويل الجماعات الإرهابية قد جرى
احتجازها في مصارف غربية بدون أن تشرح كيف وصلت هذه المبالغ الضخمة
القذرة إلى هذه المصارف أصلاً وماذا كانت تفعل بها. تخيلوا، لو أن هذه
المبالغ قد اكتشفت في مصارف عربية، تلك التظاهرة الاستعراضية الاتهامية
البشعة التي كانت ستحدث ضدها.
كما يشير
التقرير أيضاً إلى أن الجماعات الإرهابية تستخدم "الجريمة المنظمة مثل
الفساد في عمليات بطاقات الائتمان واستخدام شركات مزيفة كواجهة لأعمالها
وإدارة أعمال تهريب لسلع مختلفة للحصول على التمويل".
غير أن
تقرير اللجنة يتابع ذاكراً أن هناك الكثير من العمل يجب فعله لمنع
الإرهابيين من الحصول على التمويل خصوصاً أولئك اللذين يتجنبون المصارف
الغربية وذلك بإرسالهم الأموال عبر نظام غير رسمي شائع في الشرق الأوسط
هو الحوالة. ويصف التقرير الحوالة بأنها "ثغرة كبيرة."
إن نظام
الحوالة موجود بالتوازي مع قنوات العمل المصرفي الأخرى. وهذا النظام الذي
بدأ في جنوب آسيا لتحويل الأموال وتسلمها يعتمد على مبدأ الثقة، وهو
مستخدم في كل أنحاء العالم ويُعمل به بشكل قانوني وعلني في الكثير من
الدول.
ورغم أن
الحوالة هي طريقة سريعة وفعالة لتحويل الأموال فلا يتم في الحقيقة نقل أي
أموال بشكل فعلي وغالباً لا توجد لها سجلات ورقية. والغالبية الكبيرة
لمعاملات الحوالات تجري بشكل علني وتخدم العمال في بلد الاغتراب اللذين
يرسلون الأموال إلى عائلاتهم في أوطانهم، لكن من الممكن أن يكون المجرمون
والإرهابيون قد أساؤوا استخدام الحوالة. وباعتبار العملية كلها لا تحتاج
سوى لاتصال واحد، فإن من السهل إجراءها. ومن الطبيعي أن نظام الحوالة
يسبب للمؤسسات الأمنية والاستخبارية قدراً كبيراً من المشكلات وهم
يحاولون وضع أيديهم على مصادر تمويل الإرهاب.
وحين
يتعلق الأمر بغسيل الأموال، فإن وزارة الخارجية الأمريكية تذكر اسم
الإمارات العربية المتحدة باعتبارها "مصدراً للتخوف"، لكن على هذه
القائمة نفسها توجد أسماء كل من بريطانيا وأستراليا والنمسا وفرنسا
وألمانيا واليونان وإسبانيا وإسرائيل وإيطاليا وهونغ كونغ وسنغافورة
وغيرها الكثيرين.
بالعودة
إلى خبر أسوشييتد برس، الذي حاول لأسباب لا أعرفها أن يصور دبي وكأنها
أحد مراكز عمل الإرهابيين، فهو يزعم الآتي:" رجال بن لادن لا يزالون
يستفيدون من قوانين السفر التي توفر إمكانية الدخول السهل لدبي. ومن
المعروف أن مواطني مجلس التعاون الخليجي يستطيعون دخول دبي بدون الحصول
على تأشيرات دخول. كما أن الكثيرين غيرهم من حقهم الحصول على تأشيرة دخول
في المطار."
حتى العام
الماضي، كان البريطانيون وحدهم إلى جانب مواطني مجلس التعاون الخليجي
يستطيعون الحصول على تأشيرات في المطار. وفي 31 مارس 2003 تم تطبيق قانون
جديد يسمح لمواطني 33 دولة على تأشيرة دخول لشهر واحد غير قابلة للتجديد
في المطار.
فهل يريد
من كتب خبر أسوشييتد برس أن تسحب الإمارات جسور التواصل وترفع مكانها
لافتات "ممنوع الدخول" على أمل أن واحداً أو اثنين من غير المرغوب بهم
سيبقون خارجها؟ وإن كان هذا ما يريده، أفلم يفكر بما سيتركه ذلك من أثر
على الاقتصاد الذي يعتمد كثيراً على التجارة والسياحة؟ ثم إذا ما فعلت
الإمارات ذلك وأغلقت أبوابها أمام المسافرين، أفلن يكون ذلك مكافأة
للإرهابيين عبر تمكينهم من تغيير سياسات الحكومة؟
لكن فيما
يبدو كاتب الخبر وهو يلوم الإمارات على قوانين السفر المنفتحة التي
تطبقها، لا نجده يأتي على ذكر كل منفذي هجمات 11 سبتمبر، وعددهم 19، كانت
لديهم تأشيرات إقامة أمريكية صحيحة وجوازات سفر أمريكية أصلية. ثم لا
يذكر أيضاً أن هؤلاء لم تكن لديهم أي مشكلة في دخول إسبانيا أو بريطانيا
أو حتى ألمانيا التي درس فيها قائدا المجموعة المزعومة محمد عطا (مصري)
وزياد الجراح (لبناني) عدة سنوات.
ربما يكون
حرياً بأسوشييتد برس أن تتوجه نحو الحدود الأمريكية المكسيكية حيث تعبر
مجموعات من المهاجرين غير القانونيين الحدود يومياً أو أن تذهب إلى موانئ
الشحن البحري الأمريكية التي تفتقر لما يكفي من شرطة لتفتيش الشحنات
الآتية إليها على ما يجب.
ويمضي خبر
أسوشييتد برس ليقول:" إن الطبيعة العالمية لمدينة دبي لا تزال عامل جذب
لأولئك الناشطين في الأعمال التخريبية." بالتأكيد إن الشيء نفسه يمكن
قوله عن لندن ونيويورك وبرلين وفرانكفورت ومكسيكو سيتي ومعظم كبريات مدن
العالم.
كما أن
المدن التي لا تعتبر ذات طابع عالمي غالباً ما تكون لها مشكلاتها أيضاً
مثل بلفاست أيام ذروة نشاط الجيش الجمهوري الإيرلندي أو أثينا التي كشفت
فيها مؤخراً عصابة إرهابية محلية كانت مسؤولة عن اغتيال دبلوماسي بريطاني
وزرع قنابل، أو فيتوريا عاصمة إقليم الباسك الإسباني الذي طالما أرهبتها
منظمة إيتا.
فهل أصبحت
"عالمية" كلمة قذرة وأنا لا أدري؟ أوليست الولايات المتحدة هي التي تدين
معظم الدول العربية يومياً لأنها مغلقة وسرية الطابع؟ أوليست إدارة بوش
هي التي تريد اعادة تشكيل المنطقة وفق الصورة الأمريكية؟ إن الولايات
المتحدة، وهي أمة من المهاجرين أتوها من كل أرجاء الأرض، ليس بوسعها
انتقاد الإمارات التي تفاخر بكونها منطقة التقاء لثقافات العالم.
الإمارات
بلد يتعايش فيه الناس حقاً بكل صداقة وانسجام أياً كانت جنسياتهم
وثقافاتهم وألوانهم وعقائدهم. وليس على المرء سوى زيارة إحدى مراكز
التسوق في البلاد وأن يجلس ويشرب قهوته وهو يراقب المتسوقين والابتسامة
تعلو وجوههم ليعرف أن هذا التعايش حقيقة لا مراء فيها.
ثم يمضي
الخبر ليبرز كون اثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر لديهما جوازات سفر من
الإمارات فيما يتغاضى عن حقيقة أن ريتشارد ريد، ذلك الذي اتهم بحمل
متفجرات في حذائه، هو بريطاني، وأن زكريا موسوي الذي يعرف بأنه المهاجم
رقم 20 هو فرنسي، فيما العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد
باكستاني. ويجب أن نتذكر أيضاً أن جون ووكر ليند الذي قابل بن لادن وكان
يتعاطف مع قضيته وقاتل في صف طالبان، هو أمريكي حتى العظم.
بالطبع
أنا لا أعني بذلك أن على بريطانيا وفرنسا وباكستان والولايات المتحدة أن
تتحمل المسؤولية عن أفعال مواطنيها المجرمين، وعلى النحو نفسه لا يمكن
تحميل الإمارات المسؤولية، فلكل دولة نصيبها من المجرمين ولو كان لبعضها
نصيب أكبر من غيرها. وبريطانيا على سبيل المثال طالما تعرضت للانتقاد من
جانب الحكومة المصرية لإيوائها إرهابيين مطلوبين في مصر ولرفضها مطالبها
بترحليهم.
أبو حمزة
المصري، المتطرف المصري المولد، يواجه الآن 11 تهمة بالإرهاب بما فيها
احتجاز رهائن ومحاولة إقامة معسكر لتدريب الإرهابيين في الولايات
المتحدة، كما تعمل وزارة الخارجية البريطانية حالياً على تجريده من
الجنسية البريطانية فيما تسعى الولايات المتحدة للمطالبة بترحيله إليها
لمحاكمته.
ومع ذلك
كان أبو حمزة يلقي خطبه بحرية طوال سنوات في مسجد فينزبيري بارك في لندن،
وفي شوارع العاصمة في مسعى منه على ما يبدو لتجنيد المقاتلين للجماعات
الإرهابية. ولو كان أبو حمزة قد حاول فعل ذلك في الإمارات لكان مصيره
الاعتقال أو الترحيل منذ زمن طويل.
باختصار،
يقدم خبر أسوشييتد برس صورة مضللة ومنحازة خصوصاً لأولئك الذين لم يسبق
لهم أن زاروا الإمارات. ولكوني قد عشت وعملت في دبي طوال 16 عاماً،
أستطيع القول وبكل ثقة أن هذه البلاد هي من أكثر الأماكن أماناً في
العالم كله. كما أن الإمارات هي من بين الدول القليلة جداً التي تستطيع
فيها المرأة أن تشعر بالأمان وهي تسير وحيدة في أي وقت في الليل أو
النهار.
وأتذكر
منذ وقت قصير أن سكان البلاد كانوا يتركون سياراتهم دون إقفال أبوابها
ويتركون حقائبهم على الطاولات في المطاعم وهم يملأون أطباقهم من البوفيه
المفتوح. فما هو السبب وراء ذلك الأمان؟ بالتأكيد ليس لأن اللصوص يتعرضون
لقطع أيديهم كما قال لي ذات مرة أحد الجهلة من الكارهين للمنطقة. السبب
هو أن معظم الناس هناك يعيشون في بحبوحة كبيرة يحسدون عليها. فليس هناك
متشردات في الإمارات، وليس هناك متشردون يعيشون تحت الجسور، كما لا توجد
حالات يكون فيها كبار السن خائفين من مغادرة البيت لوجود عصابات من
الشبان المخربين أو مدمني المخدرات اللاهثين لسرقة ما يتيسر لهم لشراء
جرعاتهم اليومية. وللأسف، فإن هذا ليس بالتأكيد حال معظم دول الغرب.
قبل وقت
قريب فقط، قتلت تلميذة عمرها 14 عاماً بالرصاص في أحد الشوارع في
ليفربول، وقبلها، في المدينة نفسها، أطلقت رصاصة رعناء على رجل عجوز في
وجهه. وفي لندن، عثر على جذع طفل أفريقي في مياه التايمز، فيما قتل فتى
فرنسي في مكان منعزل.
وليتابع
أحدنا شبكة فوكس نيوز التلفزيونية ليسمع تطورات محاكمتي رجلين أمريكيين
في ولايتين مختلفتين متهمين بمحاولة قتل زوجتيهما الحاملين عن سبق
الإصرار والترصد. إن اليوم الذي ستحدث فيه مثل هذه الجرائم في الإمارات
يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً أو حتى سنوياً سيكون يوماً أسود للإمارات.
إن قادة
الإمارات دائماً ما كانوا يسعون وراء التميز. فهم لم ينشروا اللون الأخضر
في الصحراء ولم يحولوا قرى صيد اللؤلؤ إلى مدن من القرن الواحد والعشرين
وفروا فيها منشآت طبية وتعليمية ومطارات وموانئ ومناطق حرة ونشاطات
ترفيهية متقدمة جداً من أجل مصلحة العاملين في غسيل الأموال أو المخدرات
أو المجرمين أو الإرهابيين.
لكن في
الوقت نفسه، وكحال أي بلد أخر في العالم، فهناك قلة من هؤلاء لا بد وأن
تفلت من المصيدة. في عام 2003، استخدم حوالي 18 مليون مسافر مطار دبي
الدولي لوحده – إننا نتحدث عن مركز إقليمي فعلاً.
وهناك شيء
لا ريب فيه، وهو أن في الإمارات حكومة مسؤولة تبذل كل ما بوسعها دوماً
لعزل التفاح الفاسد دون تحويل البلد إلى دولة بوليسية شبيهة بالاتحاد
السوفياتي السابق أو اتباع الطريقة الأمريكية الراهنة التدخلية والتهجمية
كالتي يفرضها قانون المواطنة. الشرطة في الإمارات لا تجدها تحوم حول
المكتبات العامة لتسجل أي من الكتب يقرأ مواطنوها ولا تشجع عمال الصيانة
للتجسس على زبائنهم.
إذا ما
كان قلة من الفاسدين يفلتون، كما لا بد وأن يحدث، علينا أن نبقي الأمور
ضمن منظورها الصحيح، وهو المنتظر من وسائل الاعلام المحترمة وغير
المتطرفة أن تفعله تماماً. فالإثارة وتشويه الحقائق قد يبيع نسخاً إضافية
على المدى القصير، غير أن المصداقية العامة لمن يفعل ذلك ستضيع.
ليحاول
أحدنا أن يقول للمواطنين أو المقيمين في دولة الإمارات وهم في طريقهم إلى
ملعب الغولف أو مضمار سباق الخيل أو الشاطئ أو الصحراء أو السوق أو
المطعم إن البلد زاخر بالمتطرفين والإرهابيين لتجد كيف سيضحكون مما تقول.
إن الضرر
الذي يحدثة خبر أسوشييتد برس بعيد الأئر جداً. ففي عالم ما بعد 11
سبتمبر، أصبح من يعانون السذاجة أو الخوف من الأجانب هدفاً سهلاً أمام
تصديق كل ما هو سيء عن أي بلد عربي، دون أن يكون أحدهم قد زار ولو مرة
واحدة هذا البلد أو حتى يعرف أين يوجد على الخريطة.
في 19
أكتوبر الماضي، جددت الإمارات التزامها بقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة
بمقاومة الإرهاب. وفي بيان قرأه وفد من الإمارات أمام اللجنة السادسة حول
"وسائل القضاء على الإرهاب الدولي" أعيد التأكيد على أن الإمارات قد تبنت
سياسة قوية وثابتة لمكافحة الإرهاب وإدانة كل أشكاله.
وقال
البيان:" إن الإمارات تعتبر الإرهاب أحد أخطر الجرائم ضد الإنسانية" وأنه
يتناقض مع الإسلام وغيره من الأديان وحقوق الإنسان والتقاليد العربية
ومبادئ سيادة الدولة وسلامة أراضيها.
وأختم بما
قاله صديقة فرنسية لي أصابتها الدهشة حين وصلت دبي:" إنها فردوس صغيرة
على الأرض"، ولا شك أن حكامها ذوي الرؤية البعيدة والاهتمام الكبير بها
سيواصلون العمل لضمان أن تبقى كذلك.
|