في نفس الوقت كان القائمون على الحملة الجمهورية يستغلون بإبداع عامل
الخوف بإعلانات تلفزيونية تظهر أعداء أمريكا بصورة ذئاب متوحشة أو تظهر
توابيت ضحايا 11 سبتمبـر المغطاة بالأعلام لإثارة العواطف الوطنية.
وقبل الانتخابات بأيام ظهر عدو أمريكا أسامة بن لادن، متأنقاً
ومرتاحاً، من حيث لا يتوقع أحد ظهوره ليهدد أمريكا بالويل والثبور في
حالة بقاء القائد الأعلى لقواتهم المسلحة مع أعوانه في المكتب البيضاوي.
ومن أجل فرض المزيد من الخوف، أذاعت شبكة فوكس نيوز المعروفة بأنها ذراع
بوش الإعلامية شريط فيديو يظهر الإرهابي الأمريكي الذي اعتنق الإسلام،
آدم بيرلمان. وقد هدد في الشريط الذي تحدث فيه ووجه مغطى بتنفيذ هجمات
أسوأ من 11 سبتمبر وأن يجعل الدماء تسيل في شوارع أمريكا. وعلى عكس ما
كان منتظراً من أن تؤدي هذه الأشرطة إلى ترجيح كفة بوش في نيويورك
وكاليفورنيا وبوسطن وواشنطن فإنها لم تترك أثراً هناك. بل إن 90% من
ناخبي واشنطن اختاروا كيري.
ولربما كان العامل الأكثر حسما في هذه الانتخابات هو تعزيز قوة
أنصار بوش المتطرفين من المسيحيين الإنجيليين الذين يبلغ عددهم كما يقال
70 مليونا. وبوش لا يخفي حقيقة انتمائه إلى جماعة الولادة الجديدة، وذلك
بفضل صديق عائلته المبشر بيلي غراهام الذي عمده وحوله إلى الشخص المغاير
في العائلة كلها. ففي كل خطاب كان يلقيه يتعمد بوش إرسال إشارات سرية
لتلك المجموعة تقول لهم إنه واحد منهم، وأوضح بجلاء أنه يدير حكومة مبنية
على الإيمان.
يؤمن بوش أن الخالق موجود في بيته الأبيض يوجه قراراته،
ويشاركه في ذلك عدد كبير من المبشرين التلفزيونيين ورؤساء الجامعات
المعمدانية، والذين جندوا كل أنصارهم للذهاب إلى مراكز الاقتراع وشارك
الزعماء الكاثوليكيون كذلك في تلك الجهود، وحذر بعضهم أعضاء كنائسهم من
جحيم أزلي فيما لو انتخبوا كيري، وهو نفسه كاثوليكي أيضاً.
ومن المرعب أن قطاعا كبيراً من المجتمع الأنجليكاني متلهف على
حدوث الجزء الأخير من سيناريو أرماجيدون
كمقدمة للعودة الثانية للسيد المسيح. لكنهم قبل ذلك الحدث الكارثي يؤمنون
بأن اليهود يجب أن يقوموا بتشييد معبد ثالث في القدس وفي موقع الحرم
الشريف الذي يضم المسجد الأقصى بقبته الذهبية.
هذا هو السبب الذي يدفع معظم الإنجيليين للوقوف مع إسرائيل ضد
الفلسطينيين، ويمكن أن يفسر أيضاً لماذا أظهر جورج بوش ذلك الانحياز
المحموم لشارون والعداء غير المنطقي لياسر عرفات. ومما يؤيد هذه النظرية
تعيينه لهذا العدد من الصقور المناصرين لإسرائيل مثل إليوت أبرامز،
ريتشارد بيرل، دونالد ولفوفيتش، وديفيد فروم "صاحب نظرية محور الشر
المعروفة".
إن العديد من منتقدي بوش يتهمونه بأنه يخلط تماما عملية الفصل
الدستورية بين الدولة والكنيسة، وأنه يجعل الإيمان الديني قبل الحوار
والمنطق. لكنه ينفي ذلك قائلاً أنه أقسم على حماية الدستور وحرية العبادة
المشمولة به.
الأمتان الأمريكيتان
لقد أصبح واضحا أن الولايات المتحدة منقسمة إلى أمتين تكره كل
منهما الأخرى بحقد غير مسبوق فالبلدات الصغيرة في وسط أمريكا وولايتي
الكاوبوي، تكساس وأريزونا، والمناطق المعمدانية الجنوبية تنظر إلى
السواحل الغربية والشرقية كمناطق يسكنها يساريون بعيدين عن الأخلاق
ومتلونين بأكثر من وجه. وبالمقابل فإن أهل كاليفورنيا وبوسطن ونيويورك ينظرون إلى أنصار بوش على أنهم لا
يعبأون بشيء قدر الأناشيد الدينية.
بل إن البعض يحذر من حرب أهلية إيديولوجية وشيكة ويعبر كروان،
وهو ديمقراطي غاضب يكتب في موقع رينس اليساري عن معظم ذلك بقوله "لقد
أوينا إلى أسرتنا في 2 نوفمبر ونحن نعتقد أننا ما زلنا أمريكيين، ثم
استيقظنا عند شروق الشمس في 3 نوفمبر لنكتشف أن 48% منا أصبحوا الآن شعبا
بلا وطن." ولا شك بأنه ينبغي عدم الاستخفاف بهذه المشاعر إطلاقا.
ويواصل الكاتب قوله "قاتلوا أولئك الذين يستولون على بلادكم
كما لو كانوا يرتدون أزياء أجنبية.. لقد ذهبت أمريكا، وماتت الفكرة وتحول
شعبها إلى ما يجسد أسوأ المخاوف – جمهورا من المغفلين المتطرفين الذين
تمتلئ أعينهم بالحقد الديني، وتفوح من مسامهم رائحة ضحاياهم."
إن غضب وقرف بن تريب في كاونتر بانش واضح أيضاً. فهو يقول "إن
الناخب الأمريكي العادي تحول إلى نذل من الدرجة الأولى, فهذا النموذج
التعيس يمتلك ذكاء بطاقة تعزية وشجاعة أرنب مجزوز الفرو، وأخلاق بائع
مخدرات في ساحة مدرسة، وكرامة فلس مزيف إبداع بائع توابيت مستعملة".
ويستطرد تريب قائلا "كيف تجرؤن على التصويت ضد الأمريكيين
الآخرين؟ هل هذا هو ما انتهت إليه الأخلاق اليوم: كلمة ترمز إلى الحقد؟
كم مليونا من الناس المسمومين قاموا وهم ينشدون الأناشيد الدينية
بالتصويت ليس لصالح بوش بل ضد .... السود والشماليين والنساء العازبات
والأطفال الفقراء؟ ماذا حدث لكم جميعا حتى تنحصر أمنيتكم في هذه الحياة
بأن تركلوا شخصا ضعيفا؟ "
|