وافقت روسيا أخيراً، في خطوة مفاجئة قوبلت بترحيب كبير في 30
سبتمبر الماضي على المصادقة على معاهدة كيوتو بخصوص التسخن الأرضي والتي
كانت قد توصلت لها أكثر من 150 دولة في ديسمبر 1997. وبموجب هذه المعاهدة
تلتزم الدول الموقعة عليها بتقليص أحجام الانبعاثات الغازية المسببة
لظاهرة الاحتباس الحراري بمعدل يبلغ ثمانية في المائة بحلول عام 2010.
وروسيا وحدها هي المسؤولة عن 17% من هذه الانبعاثات الغازية في العالم.
معدلات ثاني أكسيد الكربون في كوكب الأرض هي حالياً في أعلى
مستوى لها منذ 420 ألف عام، مما حدى باللجنة الدولية للتغيير المناخي
للتحذير من أنه ما لم يتم تقليص معدلات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف
الجوي للأرض وبشكل كبير فإن معدل الحرارة سيرتفع 5.8 درجة مئوية بحلول
عام 2100. وتحقيق مثل هذا التخفيض يتطلب التقليص الشديد للانبعاثات
الغازية المسببة للاحتباس الحراري بما لا يقل عن 80 في المائة بحلول عام
2050 على أبعد تقدير.
غازات ظاهرة الاحتباس الحراري تسمى بهذا الاسم لأن مفعولها في
الغلاف الجوي يشبه مفعول الألواح الزجاجية في البيوت الزجاجيةالمستخدمة
في الزراعة المحمية وهي حبس الحرارة ومنعها من النفاذ للخارج. إن حرق
الفحم الحجري والغاز الطبيعي يزيد من تركيز هذه الغازات في الغلاف الجوي
للأرض، والمصادر الرئيسية لهذه الغازات هي محطات إنتاج الطاقة والسيارات
التي تحرق سيلاً لا ينتهي من البنزين إضافة إلى أن قطع وحرق الأخشاب
والقضاء على الغابات يفاقم حدة المشكلة.
لكن ما يثير الصدمة هو أن الولايات المتحدة المسؤولة عن أضخم
الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق أنواع الوقود
الأحفوري في العالم، قد امتنعت حتى الآن عن التوقيع على معاهدة كيوتو.
ورغم أن الأمريكيين لا يمثلون سوى 4.5% من تعداد سكان العالم، فإنهم
مسؤولون عن ربع الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري في العالم
كله.
وأستراليا الحليفة لأمريكا – وهي من أكبر المسببين للتلوث
أيضاً – قد اختارت على نحو مخجل بدورها المضي في طريق "ماشي الحال". 0.3%
من تعداد البشرية يعيشون في أستراليا لكنهم أصحاب النسبة الأعلى لحصة
الفرد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم.
رغم الضغوط الدولية المكثفة واصل الرئيس جورج بوش الامتناع حتى
عن مجرد التفكير في توقيع معاهدة كيوتو – رغم أن سلفه قد وافق من ناحية
المبدأ على تقليص الانبعاثات الغازية بنسبة سبعة في المائة – ذلك أنه يضع
مصالح الجيوب المنتفخة لأصدقائه من أصحاب الشركات قبل مصلحة الكوكب.
بين هؤلاء الأصدقاء أسماء قوية في تحالف النفط والسلطة وشركات
السيارات الذين ينكرون تسببهم بأي ضرر للبيئة والذين أنفقوا ملايين
الدولارات لتكذيب الأدلة العلمية التي تثبت ظاهرة الاحتباس الحراري.
من بين هؤلاء شركات أموكو وشيفرون وكرايزلر وإكسون وفورد
وجنرال موتورز وغوديير وموبيل وتكساكو ويونيون كاربايد وأميركان إلكتريك
باور ووسترن فيولز. ورغم أن كل المزاعم المضادة التي يطلقها هؤلاء لا تجد
من يهتم بها أو يصدقها في الشارع الأمريكي إلا أنها تكتسب قوة حين تقال
في البيت الأبيض والكونغرس والكثير من هؤلاء هم من المتبرعين لحملة بوش –
تشيني الانتخابية.
في أوائل 2001 شكل جورج بوش فريق عمل للطاقة يرأسه نائب الرئيس
ديك تشيني لوضع سياسة وطنية للطاقة وظلت النتائج التي توصل إليها الفريق
سراً إلى أن أعلن عن بعضها بأمر من القضاء في عام 2002.
وهذه النتائج المعلنة رغم عملية الرقابة الشديدة التي خضعت لها
قبل الكشف عنها، كشفت أن إدارة بوش قد استمدت قدراً كبيراً من المشورات
من شركات الخدمات والنفط والغاز والفحم والطاقة النووية وضمنت توصياتها –
كلمة بكلمة في غالب الأحيان – في خططها الخاصة بالطاقة، وهذه الخطط لم
تتضمن سوى القليل، هذا إن كان موجوداً أصلاً- من الاهتمام بمسألة
الاحتباس الحراري.
إن ظاهرة التسخين الأرضي الناجمة عن نشاطات الإنسان المسببة
لإطلاق غازات تحتبس الحرارة في الغلاف الجوي يمكن بل ويجب التعامل معها
من قبل كل قادة العالم. فمستقبل البشرية هو في أيدي هؤلاء، الأمر الذي
يجعل المواقف الانعزالية من جانب الولايات المتحدة وأستراليا غير مفهومة
وغير مقبولة نهائياً.
بالحكم على الأمر بناء على السجلات الإحصائية المتوفرة ربما
يكون الوضع قد أصبح متردياً منذ الآن. فالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية
التابعة للأمم المتحدة قد أكدت أن العام الماضي كان في المرتبة الثالثة
لأكثر الأعوام حرارة منذ عرف الإنسان أول سجلات الطقس في ستينيات القرن
التاسع عشر. أما عام 2002 فكان في المرتبة الثالثة فيما كان عام 1998 في
المرتبة الأولى.
على مدى مائة عام مضت، ارتفع معدل حرارة الأرض ست درجات مئوية،
فيما أتت عشرة من أكثر 18 عاماً حرارة خلال 14 سنة مضت.
ما الذي فعلناه؟
لقد أظهرت الدراسات أن النباتات والحيوانات أخذت تغير من
سلوكها ومواطنها نتيجة للتحولات المناخية. أنجيلا إيس، مؤرخة العلوم
ومؤلفة كتاب "ما الذي فعلناه؟" تقول لمجلة نيو ساينتيست إن أشكال الحياة
البرية في القطب الشمالي مثل الدببة القطبية قد بدأت مسبقاً تعاني من
التسخن الحراري.
وتقول: "اعتادت الدببة القطبية الاعتماد على الجليد الطافي على
سطح البحر للوصول إلى فرائسها، لكن حين بدأ هذا الجليد بالذوبان أخذت
الدببة تموت بالقطعان" وتحذر من أن حيوانات الرنة تتعرض للمصير نفسه
ويحتمل أن تنقرض بحلول عام 2110.
التغييرات البيئية قد حدثت بالفعل مع تراجع الأنهار الجليدية
في الجبال، فمنذ عام 1900 تقلص حجم الأنهار الجليدية في جبال الألب
الأوروبية 50% فيما فقد الغطاء الجليدي في المنطقة القطبية الشمالية 40%
من سمكه خلال 40 عاماً مضت. هذه التحولات مسؤولة جزئياً عن ارتفاع مستوى
سطح البحر الذي زاد بسرعة تزيد ثلاث مرات خلال مئة سنة مضت عن زيادته
خلال ثلاثة آلاف عام قبلها.
ويقول الصندوق العالمي للحياة البرية أن مليارات البشر
سيواجهون نقصاً حاداً في المياه إذا ما ذابت الأنهار الجليدية في العالم.
ودول مثل الإكوادور وبوليفيا وبيرو ستكون الأكثر تأثراً فيما ستعاني جبال
الهمالايا من خطر الطوفانات.
ويحذر العلماء من أن كوكبنا إذا ما واصل تسخنه فقد نواجه عواقب
كارثية. من بين أكثر هذه العواقب قسوة ارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات
الضخمة والأعاصير المدمرة والعواصف وموجات الحر والجفاف التي ستؤدي إلى
تراجع مخزونات الماء العذب وخراب المعائش والممتلكات وانتشار الأمراض
المعدية التي تحملها الحشرات والقوارض. والشعوب الأكثر فقراً في العالم،
كما هو معتاد، ستتحمل الجزء الأكبر من هذه الكوارث.
ومع أن إيس تحذر من أن بعض أجزاء العالم تستعد لشيوع ظاهرة
النينو، فإن الأروبيين الشماليين "سيتمتعون بمناخ أفضل مما عاشه
أجدادهم". غير أن هذا يترافق مع التحذير من أنهم "يجب أن لا يشعروا
بسعادة كبيرة لأنه قد يحدث تغيير غريب غير متوقع."
وتشرح هذا التغيير بالقول: "لأن المحيطات ستصبح أكثر دفئاً مما
هي عليه عادة، ولأن هناك الكثير من الماء العذب سيتدفق الى المحيط
الأطلسي، فإن ماء البحر يبدو وكأنه سيصبح أقل كثافة بكثير. وبالتالي فإن
الجليد ربما يأخذ في الغوص بدلاً من الطوفان على سطح البحر، وإذا ما حدث
ذلك فإن كل هذه التسخن سينقلب في بريطانيا وشمال أوروبا لتشهدا عصراً
جليدياً مصغراً."
روس جيلسبان مؤلف "الحرارة تتزايد: أزمة المناخ والحلول" يعتقد
أنه ستحدث حالة طوارئ دائمة نتيجة للتغير المناخي، ويقول إنه "قبل وقت
طويل من تهاوي أنظمة الكوكب البيئية، ستتفكك الديمقراطيات بفعل ضغوط
الكوارث البيئية ونتائجها الاجتماعية."
إذا ما الذي يمكن فعله لتجنب هذا التحول المخيف؟
تقترح مجموعة بحوث الصالح العام الأمريكية زيادة كفاءة الوقود
في السيارات إلى 45 ميل/غالون و 34ميل/غالون للشاحنات الخفيفة ووضع حد
أعلى لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من محطات انتاج الكهرباء وتقليص
التلوث المسبب للمطر الحامضي وغيوم الدخان والأمراض التنفسية وإحداث نقلة
في الاستثمار من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة
الطاقة. كما توصي المجموعة أيضاً بأن توقع الولايات المتحدة على معاهدة
كيوتو.
ماذا نشرب؟
مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية الأمريكي يلقي باللائمة على
إدارة بوش لأنها "تجعل المشكلات أكثر سوءاً بدلاً من إصلاحها. وهذه
الإدارة التي من الواضح أنها مهتمة بحماية مصالح الشركات المسببة للتلوث
أكثر من اهتمامها بحماية الصحة العامة، تخوض حملة لتقييد القوانين
الحالية وإفشال الجهود الرامية لتعزيز معايير ضبط التلوث الراهنة وتقليص
الأموال المخصصة لحماية نوعية مياه الشرب."
|