صورة قلب الساعة الميكانيكية شيء محير إلى حد ما للإنسان العادي. فتلك
المجموعة الكبيرة من المسننات المعشقة ببعضها والمترابطة بحركتها ليست
بالسهلة جداً لتحديد ماذا يؤدي كل منها. غير أنه وببساطة شديدة، كل هذه
المسننات والدواليب تتحرك بنابض ربطٍ موصول بالدولاب الكبير. ومن المهم
جداً أن تكون هذه القطع مصبوبة بقياسات شديدة الدقة لضمان حركة سلسة
ومتواصلة لعقارب الساعة.
مثلما ذكرنا سابقاً، حاز الألماني بيتر هنلين القسط الأكبر من الفضل
لتحويله الساعات الجدارية إلى ساعات يد وهو التحول الذي كان له بالغ
الأثر. وقد كان أول ظهور لتلك الساعات في وطنه ألمانيا. تلك الساعات،
الأكبرنوعاً ما من معاصراتها، كان الناس يحملونها بالأيدي لكبر حجمها
بقطرها الذي لا يقل عن 12 سنتيمتر وسمكها الذي يبلغ قرابة 8 سنتيمترات.
وبشكل عام كان المحرك لهذه الساعات هو ما يدعى "النابض الرئيس". فهذا
النابض يخزن الطاقة الحركية التي يكتسبها نتيجة ربطه (شده). وكلما زاد
ربط أو حني النابض الرئيس كلما زادت الطاقة المخزنة في مرونة معدنه. ثم
ينقل هذا النابض طاقته الحركية إلى المسننات ومنها إلى عقارب الساعة.
قصور صناعة ساعات اليد الأولى
العيب الأبرز في صناعة ساعات اليد كان عدم انتظام العزم الذي يقدمه النابض
الرئيس. فحين ربطه إلى أقصاه، يقدم النابض قوة أكبر من أي مرحلة لاحقة.
وهذا كان يمثل عقبة كأداء لتواصل قياس دقيق منتظم للوقت. لكن سرعان ما
ظهر حل لهذه المعضلة فيما الساعات لا تزال في مراحل تطورها الأولى.
فحوالي عام 1540، اخترع يعقوب التشيكي من براغ بكرة مثلمة السطح على شكل
مخروط، تستخدم مع أسطوانة على شكل برميل يحيط بداخله بالنابض الرئيس.
بهذا الشكل يدور النابضُ البرميلَ معه. في الوقت نفسه، تُلَفً سلسلة
صغيرة على الأسطوانة فيما تلتف من الجهة الأخرى على البكرة. وحين ربط
النابض حتى آخره، يكون قطر لفة السلسلة على البكرة في أكبر مستوى له.
وإذا ما توصل الصانع لموازنة دقيقة بين النابض الرئيس وقطر البكرة، يستطيع
الحصول على عزم متواصل غير متفاوت. بعد ذلك بوقت قصير ظهر تطور آخر سمي
"الأسطوانة المتواصلة" وهي تمكن من الإبقاء على تواصل حركة الساعة أثناء
ربطها- وهي ميزة معروفة لكل مستخدمي ساعات اليد اليوم.
في الساعات الأقدم عهداً جداً، كان دولاب بحواف ثقيلة يدعى ’’الميزان،‘‘
أو قضيب عرضاني متوازن، يركب للحفاظ على سرعة حركة جهاز الساعة. لكن لعدم
وجود ضابط ناظم لحركته، كان من الصعب تحديد طور نوبات نوسانه بدقة. ولهذا
كانت نوبة النوسان وطورها يتأثران بالقوة الدافعة له. لكن ابتكار البكرة
المخروطية حل هذه المشكلة أيضاً.
تطورات لاحقة
في عام 1675 صنع كريستيان هيوجينز أول ساعة يد ذات ’’نابض شعري،‘‘ أو نابض
التوازن الحلزوني. النابض الشعري هذا صنع من شريط فولاذي صغير ملفوف بشكل
حلزوني. طرف النابض الداخلي مثبت بقائم صغير فيما الطرف الخارجي بقرص
مثبت بدوره بمحور الحركة. الوظيفة الأساسية للنابض الشعري هي في جوهرها
تماثل وظيفة الجاذبية الأرضية في تحريك النواس. فحين يتحرك الميزان
للخارج دوراناً حول محوره يقوم بربط النابض ليشحنه بالطاقة الحركية. وفي
المقابل يفِكّ النابض نفسه ويعيد تطبيق هذه الطاقة على الميزان.
في بيئة فيزيائية نظرية مثالية حرة من أي قوة احتكاك، سواء الاحتكاك
الداخلي للنابض أو الاحتكاك الضئيل مع الهواء، يفترض أن ينوس الميزان
للمسافة نفسها بين أول شوط النوبة وآخره إلى اللانهاية. لكن بفعل التخامد
في حركته بسبب الاحتكاك في الظروف الفيزيائية العملية، فإن الطاقة
التراكمية في النابض تضعف. وهنا يأتي دور الطاقة المتراكمة بفعل النابض
والمنقولة إلى الميزان عبر شد وانفلات الدولاب لاستدامة سرعة النوسات.
تقليدياً، كان أساتذة صناعة الساعات في أوروبا لا يستخدمون سوى الفولاذ
المقسى لصناعة دولاب الساعة المسنن. وكان سطح الدولاب الخارجي يُخرط
ويصقل بدقة لضمان النوعية والدقة. فالشكل الدقيق يضمن أدنى معدلات فقدان
الحركة بين الدولاب ومطرقة الساعة.
انتشار ساعات اليد
مع الوقت أخذت الساعات تصبح أكثر شعبية، وخصوصاً في أوساط الطبقات الأعلى،
حيث أصبحت جزء أساسياً من الكماليات الشخصية لأولئك القادرين على شرائها.
وكخطوة طبيعية أصبحت الساعات تزين بالأحجار الثمينة وتحولت إلى حلي. وقد
جرت العادة أن تكون الساعات المرصعة ذات سماكة خارجية موحدة وعلى محيطها
تحفر ثقوب صغيرة. هذه الثقوب هي التي تحمل الأحجار الثمينة التي تثبت على
الساعة.
وهذه عملية في غاية الدقة حيث يتعامل الصانع مع ثقوب لا يزيد قطرها عن عشر
المليمتر.
عام 1780 جرى تسجيل براءة أول ساعة جيب ذاتية الربط رسمياً في لندن. وبعد
قرن ونصف تقريباً، 1924 سجل بريطانيا براءة اختراع أخرى في صنعة الساعات.
وكانت تلك ساعة اليد ذاتية الربط، والتي تضمنت ثقلاً يتأرجح دوراناً حول
محور الدوران. وهذا الثقل مثبت بمحور الأسطوانة بوساطة دواليب ومسننات
إرجاع الحركة. وشهدت التطورات الأخرى على هذه الآلية إدخال ثقل يدور
بالكامل في أي من الاتجاهين دورات كاملة بدلً من التأرجح.
كان ازدياد عمر الساعات وسهولة تشغيلها دافعاً لمزيد من الاهتمام بإنتاج
الساعات. فالناس أصبحت بحاجة لساعات أكثر اعتمادية ودقة وازدادت بحوث
الساعات. في عام 1906 اخترعت ساعة الحائط التي تعمل بالبطارية. وبعد
حوالي 12 عاماً، 1918، أدخل المحرك الكهربائي التواقتي في ساعات الحائط،
وهو ما أفسح مكاناً دائماً لها كقطعة كمالية لا غنى عنها في البيوت.
وشهد عام 1929 قفزة كبيرة نحو الدقة البالغة حين استخدم الكوارتز في إنتاج
الساعات. فبلورة الكوارتز التي تنوس بترددات تصل 100،000 هرتز، يمكن
قياسها وتحديد فروق التردد إلى حد من الدقة يبلغ 1 من 10×10. وهذا سمح
بتحقيق مستوى هائل من الدقة.
اليوم يمثل التيار الكهربائي القوة المحركة المفضلة لتشغيل الساعات مثلما
هو حال أي جهاز يمكنه توظيف هذه القوة. وتستخدم بطاريات صغيرة لتشغيل
الساعات الكهربائية. أحد هذه المحركات يقوم فيه مغناطيس كهربائي بجذب
ميزان مغناطيسي نحوه. القوة المحركة الأخرى الشائعة هي القوة الغلفانية،
وهي مكونة أساساً من ميزان ونابض شعري متأرجح تحركه القوة الجاذبة بين
وشيعة نحاسية ومغناطيس. لكن هناك أيضاً ساعات تعمل بما تسمى طاقة الرنين.
وهذا النمط من الطاقة يوظف شوكة رنانة كهربائية صغيرة جداً لتوفر القوة
المحركة للساعة. وهذه الآلية بالتحديد، هي التي يمكن للمرء أن يدعوها
الساعة الإلكترونية. وهي أكثر الساعات دقة من بين التي ذكرناها حتى الآن
باعتبارها تعمل بترددات عالية جداً من تلك الموجودة في ساعات اليد التي
تعمل بالميزان.
فبالاعتماد على الترانزستور بدلاً من الاتصال الميكانيكي، لا تعاني الساعة
الإلكترونية من أي احتكاك مما يضمن أعلى درجات الدقة. كما أن مثل هذه
الساعات لا تعاني من أي تباطؤ في آلية الدفع، لأن البطارية حين تفرغ
تتوقف الساعة عن العمل.
وفيما دخلنا عصر الخيال العلمي الواقعي وأصبحنا نواجه يومياً عدداً لا
يحصى من الأجهزة الإلكترونية والكمبيوترية شبه الذكية، تزخر الأسواق
اليوم بساعات من كل الأشكال وبشتى المزايا والإمكانيات. الكثير من هذه
الساعات تعرض الوقت بصيغة رقمية.، بل إن بعضها قد يخبرك به كلاماً إن
طلبت. هناك ساعات لا تزال تدرج ضمن خانة المجوهرات، وأخرى تتضمن هاتفاً
أو كاميرا رقمية أو كل هذه. لكن بغض النظر عن القدر الذي تغير به الشكل
أو زادت به الاستخدامات الأخرى، لا تزال الساعات تصنع نتيجة تلك الحاجة
التاريخية نفسها، أن تحدد الوقت.
|