كانت وفاة أورانجزيب إيذاناً بقرب نهاية إمبراطورية المغول. فخلفاؤه كانوا
ملوكاً ضعافاً وكسالى، ولذلك‘ طوتهم أجنحة النسيان بسرعة. وقد تعرضت
الإمبراطورية تحت حكمهم للتراجع والتجزئة عبر الثورات وحركات العصيان.
وكان الوزراء يحتفظون بالنفوذ بين أيديهم، مستغلين القلاقل السياسية
المتزايدة ليحققوا المكاسب والمنافع على حساب شعب الإمبراطورية.
وفي 22 سبتمبر 1719، تم تتويج محمد شاه إمبراطوراً على دلهي، ولم يكن قد
بلغ السابعة عشرة من عمره بعد. وكان شاباً يعشق مباهج وملذات الحياة،
من دون أن يهتم بالأخطار الكامنة وسط بلاطه،مما دفع إمبراطورية المغول
نحو الغرق البطيء في هاوية الانحلال والتفسخ.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، كان نجم الإمبراطورية الفارسية في صعود. فقد
نجح نادر شاه أفشار، وهو ابن راع فقير، في خلع الملك وتنصيب نفسه
مكانه. وبعد أن رسخ أقدامه في إيران، زحف على أفغانستان واحتل مدنها
سريعاً، ثم شق طريقه إلى دلهي. وفي عام 1739، دارت في سهول كارنال على
مسافة 50 كيلومتراً من المدينة معركة حاسمة لقي في الجيش الهندي هزيمة
ساحقة.
ولقد ذهل نادر شاه لما رآه من فخامة وبذخ في البلاط الهندي، فأخذ يتفحص كل
ما يلقاه باهتمام كبير. كما أنه استمتع فعلاً بكرم الضيافة الذي أبداه
محمد شاه الذي لم يأل جهداً في إقامة الولائم الباذخة للغزاة. وبعد
أيام، قام السكان بقتل عدد من الجنود الفرس، فأمر نادر شاه جنوده
باستباحة المدينة، وحدثت مذبحة عامة يقال أن عدد ضحاياها تراوح بين
20.000 و150.000 شخص، كما نهبت المدينة. ولم تتوقف المذبحة إلا بعد أن
تعهد محمد شاه بأن يؤدي للغزاة تعويضات حربية، وأن يسلم نادر شاه الكنز
الإمبراطوري، بما فيه عرش الطاووس الذي كان مفخرة إمبراطورية المغول.
لكن الألماسة الشهيرة لم تكن بين الغنائم. فقد نجح محمد شاه بإخفائها في
عمامته بطريقة سرية لا يعلمها سوى بعض الخاصة. وكان بين هؤلاء خصي يعمل
في قصر حريم الإمبراطور، فأقدم على البوح بالسر لنادر شاه طمعاً في
المكافأة. ووضع هذا خطة ذكية لحرمان محمد شاه من الجوهرة الثمينة. ومع
اقتراب موعد رحيله عائداً إلى إيران، أمر نادر شاه بإقامة حفل شامل
يعيد فيه إلى محمد شاه مقاليد الأمور في إمبراطورية المغول.
وفي مطلع مايو 1739، قام خلال الحفل بتذكير محمد شاه بتقليد قديم يقضي
بتبادل العمامات بين الملوك كعلامة على علاقات الصداقة والأخوة. وسرعان
ما خلع عمامته فور انتهائه من كلامه، وقدمها لمحمد شاه الذي أصيب
بالذهول، ولم يجد بداً من انتزاع عمامته وتقديمها لغريمه الذي وضعها
على رأسه مزهواً. وتابع محمد شاه مراسم الاحتفال بعد أن تمالك نفسه،
حتى أن نادر شاه شك في حقيقة الدسيسة التي وصلته. وبقي طيلة السهرة
يتساءل عما إذا كانت الألماسة حقاً في العمامة.
بعد الاحتفال، هرع نادر شاه إلى جناحه، وهناك حل عمامته فإذا بالألماسة
أمامه بكل روعتها. ووقف إمبراطور إيران أمامها مذهولاً ومأخوذاً
ببريقها الذي لم يسبق له أن رأى مثله، ثم قال متعجباً: كوهينور! وهذه
كلمة فارسية تعني "جبل النور". وهكذا كسبت الجوهرة اسمها هذا منذ تلك
اللحظة. وقد احتفظ نادر شاه بعد عودته إلى بلاده بالجوهرة قريباً منه
وفي متناول يده على الدوام.
لم يلبث نادر شاه أن اغتيل بعد أمد قصير، فوقعت الألماسة في يد أحمد شاه
عبدلي، وهو واحد من أمهر قادة الشاه الراحل. وقد أصبح فيما بعد ملكاً
على أفغانستان. وبعد وفاته عام 1772، اندلعت المعارك بين أبنائه
المتنافسين على خلافته، فانتقلت كوهينور إلى ابنه شاه شجاع ميرزا الذي
ما لبث أن تعرض للهزيمة والأسر على يد أخيه محمود شاه. لكنه تمكن قبل
أسره من إرسال زوجته البيجوم وفاء وعائلته للالتجاء لدى المهراجا
رانجيت سينغ (المعروف باسم رانجيت الأسد)، وقد نجحت البيجوم وفاء في
الوصول إلى لاهور حاملة الألماسة معها.
حزنت البيجوم وفاء كثيراً عندما بلغتها أنباء أسر زوجها، فأرسلت الرسل إلى
رانجيت سينغ تناشده استخدام نفوذه لإطلاق سراحه، ووعدته بأن تقدم له
الألماسة مقابل ذلك. وهكذا زحف سينغ بجيشه على أفغانستان وأطلق سراح
شاه شجاع. وعندما حصل على كوهينور، قام بترصيع عمامته بها، ثم ما لبث
أن أمر بصنع عصبة قماشية خاصة بالذراع، وثبت كوهينور عليها. وكان
يرتديها في جميع المناسبات المهمة. وقد بقيت الألماسة مكانها نحواً من
20 عاماً، وحتى وفاة رانجيت سينغ عام 1839. وقد حاول رجال الدين لديه
إقناعه بمنح كوهينور لمعبد جاغاناث. لكنه عندما وافق على ذلك، كان قد
فقد القدرة على الكلام. فما كان من أمين كنوزه أن رفض تسليم الجوهرة
للكهنة على اعتبار أنه لم يستلم أمراً بذلك. وفي عام 1849 قام داليب
سينغ بتسليم الألماسة للبريطانيين بموجب معاهدة أبرمت بين الطرفين في
أعقاب الحرب البريطانية ضد السيخ. وقد نصت المعاهدة على "يجب على
مهراجا لاهور تسليم الألماسة المسماة كوهينور، والتي أخذها رانجيت سينغ
من شاه شجاع الملك، إلى ملكة إنجلترا."
وضع جون لورنس/ مدير شؤون المستعمرة، الألماسة في جيب صديريه، وسرعان ما
نسي أمرها. وعندما سئل عنها، لم يكن لديه أية فكرة، فأسرع إلى البيت
حيث سأل خادمه عنها. فأجابه هذا: أجل، عثرت على صندوق صغير في جيب
صديري سيدي، وكان بداخله قطعة زجاج!!
سارع الحاكم العام للهند، اللورد دالهاوسي، بإرسال الألماسة فور وصولها ليه
إلى إنجلترا، بعد أن اتخذ جميع ما يلزم من إجراءات لضمان سلامتها خلال
الرحلة في البر والبحر. وقد أحيطت الخطة بالكتمان الشديد حتى أن قبطان
البارجة ميديا التي نقلتها من شواطئ الهند في 6 إبريل 1850 لم يكن لديه
أية فكرة عن الشحنة الثمينة التي تنقلها سفينته. و في 3 يوليو قام
مدراء شركة الهند الشرقية رسمياً بتسليم كوهينور للملكة فيكتوريا في
احتفال خاص أقيم في قصر باكينغهام. وقد أزيلت الألماسة عن قاعدتها،
وقدر جوهري الملكة وزنها بحوالي 186 قيراطاً. وقد بدا واضحاً أن
الألماسة تعرضت لعملية قطع أخرى بين الوقت الذي رسم تافيرنييه صورتها
ووصولها إلى إنجلترا.
لكن الجوهرة لقيت انتقاداً واسعاً بعد عرضها للعموم حيث كان الناس معتادين
على القطع الموشوري المقلوب الذي يبرز بريق الألماس، لا على القطع
المغولي. وهكذا قررت الملكة بعد استشارة الآخرين أنه بالإمكان تحسين
مظهر بريق كوهينور عبر إعادة قطعها بالأسلوب المعروف. وقد استغرقت
عملية إعادة القطع 38 يوماًَ فقط، وكلفت 8.000 جنيه. وكانت النتيجة
ألماسة بيضوية (موشوران متحدان عند القاعدة) بوزن 108.93 قيراط. وعلى
الرغم من كل الجهود، يمكن القول أن النتايجة لم تكنن مرضية حيث فقدت
الألماسة الكثير من وزنها ومن قيمتها التاريخية والقياسية كأكبر حجر
ثمين معروف.
إلا
أن
كوهينور لم تفقد أياً من غموضها الأصلي. وفي
عام
1992، ذكرت مطبوعة خاصة بمقتنيات الملكة أنه تم مراجعة وزن الألماسة،
فوجد أنه
105.602
قيراط، وليس 108.93 قيراطاً. وأضافت أن أبعادها هي
36.00x31.90 x13.04
ملم.
وقد جرى وضعها في الصليب
المالطي الموجود على تاج الملكة إليزابيت. وتقبع الألماسة
اليوم مع غيرها من نفائس
التاج
البريطاني في خزانة عرض دائرية موجودة في السرداب المسمى
"بيت
الجوهرة" في
برج لندن، بعيداً عن أي دور في المؤامرات والاغتيالات والمعارك
وصراعات
الأخوة التي أشعلها الحسد والجشع في الماضي. كما أن ملايين الزائرين
الذين يتمتعون
برؤيتها كل عام لا يعلمون الكثير عن تاريخها وما شاركت فيه من أحداث
عبر قرون
طويلة.
|