وباستثناء الرئيس الأفغاني حميد قرضاي الذي قال إنه لا يعتقد أن ملاحظات
مهاتير كانت معادية للسامية، ووزير خارجية مصر أحمد ماهر الذي اعتبرها
"خارطة طريق جيدة" نحو تعزيز العالم الإسلامي، ووزير خارجية اليمن أبو
بكر القويربي الذي قال إنه لا يعتقد أن الملاحظات معادية للسامية، فإن
قلائل من الكبار تطوعوا للدفاع عن مهاتير.
وعلى الرغم من دعوات مركز سيمون وايزنثال لوقف الاستثمار في ماليزيا
والتعامل معها، وربط مجلس الشيوخ الأمريكي لمساعدة عسكرية بقيمة 1.2
مليون دولا بالحرية الدينية في ماليزيا، فإن مهاتير بقي مصمماً على
موقفه. وعلى الرغم من دعوته للاعتذار، فإن مهاتير رد بالقول إن غربيين
معادين للإسلام، مثل القس جيري فالويل، يتلقون تخويلاً مطلقاً بالإساءة
للنبي محمد (ص).
وتساءل مهاتير "ألا يسمح لنا بانتقاد اليهود إذا فعلوا أشياء خاطئة؟ إذا
كان مسموحاً باتهام المسلمين بالإرهاب، فإن من حق الآخرين اتهام اليهود
بأنهم إرهابيون أيضاً."
كما اتهم مهاتير قادة الغرب بالتحيز "ففي الوقت الذي لا يرون فيه ضيراً من
انتقاد المسلمين والعرب، فإنه من غير المناسب انتقاد الأوروبيين
واليهود."
وأضاف "أليس مسموحاً لنا أن نقول إننا غاضبون من اليهود؟ وهل اليهود نوع من
المخلوقات التي لا يمكن إدانتها تحت أي ظرف؟؟
واشتد أوار الجدل عندما اتهم مهاتير الرئيس الأمريكي بأنه كان كاذباً عندما
زعم أنه وبخ الزعيم الماليزي على خطابه. ثم تحول إلى الاتحاد الأوروبي
وخاطبه بالقول "تقولون إنكم لستم خاضعين للنفوذ اليهودي، ولكن عندما
أنتقد اليهود، يعمل جميع الاتحاد الأوروبي على إدانتي. ولكن، هل يفعل
الاتحاد الأوروبي شيئاً عندما يسيء أحد للمسلمين؟"
وأبلغ مهاتير الصحفيين "إننا نواجه شعباً معادياً للإسلام. يستطيعون أن
يعادوا الإسلام، لكننا لا نستطيع أن نقول حتى كلمة واحد حول اليهود دون
أن نتعرض للاتهام بمعاداة السامية."
واتهم مهاتير الغرب بترهيب الدول الأضعف وبأنهم يعانون قصوراً أخلاقياً...
"لا يهمني إن كان الأوروبيون لا يحبونني. لدي أصدقاء أوروبيون، لكنهم
عندما يخطئون، فسأقول لهم أن ما فعلوه كان خطأً."
وأضاف أنه يعتقد أن العديد من القادة المسلمين يدعمون موقفه سراً، لكن
خوفهم الكبير من القوى الغربية يمنعهم من التصريح بدعمهم.
ومهاتير على حق عندما يقول إن تهمة عداء السامية تلصق آلياً بكل من يجرؤ
على انتقاد اليهود وإسرائيل. ولعلنا نذكر كيف اتهمت زوجة رئيس المصرف
المركزي الأوربي جريتا دويزنبرغ بمعاداة السامية لمجرد أنها نصبت علماً
فلسطينياً على شرفتها. وألصقت التهمة نفسها بالممثل ميل جيبسون لأنه أنتج
فيلماً عن حياة السيد المسيح وهم يبتهجون لصلبه، كما أن ذلك كان مصير
الممثلة البريطانية فانيسا ريدغريف التي عرف عنها مناصرتها للقضية
الفلسطينية منذ أمد طويل. أما المسلمون، فقد اصبحوا صيداً مشروعاً منذ
أحداث 11 سبتمبر، حيث تزايدت الجرائم المناهضة للإسلام بنسبة مذهلة هي
1.600% استناداً لتقرير من مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وحتى الوقت الحاضر، تتواصل مضايقة المسلمين في أمكنة أعمالهم وفي سوق
العقارات ، كما يقول إبراهيم هوبر المتحدث بلسان مجلس العلاقات الإسلامية
– الأمريكية.
ويضيف هوبر قوله "كثير من الناس يذكرون أن زملاءهم في العمل يتصرفون بعداء
شديد، وأنهم ما زالوا يتهمون بأنهم إرهابيون، وتتم مضايقتهم بسبب ثيابهم،
وصلواتهم وصيامهم."
والعرب المقيمون في الولايات المتحدة مازالوا ملزمين بتسجيل أنفسهم لدى
السلطات، ويتعرض كثير منهم للإبعاد بسبب مخالفات بسيطة لتأشيرات إقامتهم،
أما أولئك الراغبين في زيارة أمريكا للدراسة أو للعلاج، فسيجدون أن
الحصول على تأشيرة دخول شبه مستحيل.
وفي جميع الحالات علينا ألا ننسى أن بلدين مسلمين، هما أفغانستان والعراق،
قد تعرضا للغزو من 11 سبتمبر، بينما يتعرض بلدان آخران هما سوريا وإيران
للتهديد من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالتأكيد، إذا كان هناك أي مجموعة تتعرض حقاً للتعصب الأعمى والتمييز
العنصري، فهي التي تضم العرب والمسلمين.
صحيح أن الهولوكوست (المحرقة اليهودية) هي واحدة من أسوأ لحظات البشرية،
ولا ينبغي نسيانها قط، لكن الأسلوب الذي تستخدم إسرائيل والمنظمات
اليهودية فيه هذه اللطخة للقضاء على أي انتقاد شرعي موجه لهم، ليس نزيهاً
أبداً.
يحتل اليهود اليوم مراكز نافذة حتى ضمن الإدارة الأمريكية. أما إسرائيل،
فليست فقط تحت حماية القوة العظمى في العالم، بل إنها هي نفسها أقوى ثالث
دولة في العالم، حيث تمتلك 200 صاروخ نووي جاهزين للانطلاق. والحقيقة أن
الزعم بأن ملاحظات مهاتير محمد قد تشعل نيران مذبحة أخرى وتعرض اليهود
للإبادة، كما يقول البعض، أمر مضحك حقاً.
وفي واقع الأمر أن مهاتير احتفظ بأقسى انتقاداته للعالم الإسلامي، لكن
أحداً لم يتهمه بأنه معادٍ للعرب أو للإسلام. بل إن ملاحظاته الأخرى في
خطابه أمام منظمة المؤتمر الإسلامي أهملت كلياً تقريباً.
فقد قال "نحن جميعاً مسلمون، وجميعنا يتعرض للقمع والإذلال. لكننا نحن
الذين رفعنا الله مرتبة فوق مواطنينا المسلمين لنحكم دولنا، لم نحاول
أبداً التنسيق مع بعضنا لعرض الأخوة والوحدة الإسلامية الحقيقية...
"وعوضاً عن أن نكون أمة واحدة، سمحنا لأنفسنا بأن ننقسم إلى طوائف عديدة...
يتركز اهتمام كل منها على إثبات أنها هي التي تمثل الإسلام الحقيقي...
وننسى أن أعداءنا ومن ينتقدوننا لا يهمهم إن كنا مسلمين حقيقيين أم
لا.... سيهاجموننا ويقتلوننا، ويجتاحون أرضنا ويسقطون حكوماتنا سواء كنا
من السنة أو الشيعة أو العلويين أو الدروز أو غير ذلك. ونحن نساعدهم على
ذلك عندما نهاجم ونضعف بعضنا، أو ننفذ رغباتهم، أو نتولى بتفويض منهم
مهاجمة رفاقنا المسلمين...
"اليوم، تعامل الأمة الإسلامية باحتقار ومهانة. ويتعرض ديننا للإساءة،
وأمكنتنا المقدسة للتدنيس. كما تتعرض بلداننا للاحتلال وشعوبنا للتجويع
والقتل. والحقيقة أن أياً من بلداننا لا يتمتع باستقلال حقيقي.
"إننا نتعرض للضغط لكي ننصاع لرغبات الظالمين: كيف نتصرف، كيف نحكم بلادنا،
بل وحتى كيف نفكر. واليوم، إذا أرادوا غزو بلادنا وقتل شعبنا وتدمير
قرانا ومدننا، فليس هناك الكثير الذي نستطيع عمله. فهل هو الإسلام الذي
تسبب في ذلك؟ أو نحن الذين لم نقم بواجبنا طبقاً لديننا؟"
كلمات تتميز بالقوة فعلاً. وسواء أحببناه أم كرهناه÷، فإن مهاتير محمد
يتميز بشخصية قوية، شخصية مكنته من أن يحول بلاده التي كانت تعاني من
التخلف إلى دولة معاصرة توفر لمواطنيها مستوى عالٍ من المعيشة.
مهاتير محمد هو نفسه الذي تحدى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووزارة
الخزانة الأمريكية، وفرض القيود على رأس المال الأجنبي وثبت أسعار الصرف
عام 1998 عندما كانت الاقتصادات الآسيوية تتهاوى. وعلى الرغم من
التحذيرات المخيفة التي أطلقها خبراء المال الأمريكيون، فإن ماليزيا كانت
الدولة الوحيدة في جنوب شرق آسيا التي استطاعت التغلب على الأزمة.
الصادرات الماليزية ستزداد بنسبة 6% العام المقبل، والرنغت مازال مرتبطاً
بالدولار، وصناعة السياحة مزدهرة. هكذا يترك مهاتير البلاد خلفه: مستقبل
مالي زاهر للدولة ولمواطنيها متعددي الأعراق. ولو أن خليفته، عبد الله
محمد بدوي فعل نصف ما قام به سلفه، فإن مستقبل ماليزيا يبدو مشرقاً. وقد
يتفوق على سلفه داخلياً، لكن مهاتير محمد رجل دولة فريد يعرف كيف يفرض
احترامه ولا يخشى في الحق لومة لائم، رجل يصعب على الأيام أن تأتي بمثله. |