وفي عام 1990، قامت بعثة استكشافية تضم تشارلز إيلاتشيب وراندولف فيينز من
ناسا، والمحامي جورج هيدجز من لوس أنجيليس ومجموعة من الجيولوجيين
والآثاريين ومصوري الأفلام الوثائقية بالبحث عن أدلة جيولوجية على الطريق
المؤدي لمدينة عبر التي كانت المركز الرئيسي لشحن اللبان في مملكة اعد
التي دامت بين الألف الثالثة قبل الميلاد والقرن الثاني بعد الميلاد. وقد
انهارت تلك الحضارة عندما تراجع الطلب على اللبان نتيجة التغيرات
السياسية والاقتصادية والمناخية والاجتماعية التي شهدها العالم. وقد عثرت
البعثة على 900 كسرة فخارية وصوانية من عهد عاد على الطريق. وقد كان
مقرراً القيام بالحفريات في العام التالي، إلا أن ذلك تأجل بسبب اندلاع
حرب الخليج الأولى.
وعلى الرغم من تراجع تجارة اللبان في القرن الثالث الميلادي، إلا أن الطلب
بقي موجوداً على اللبان، فاستمرت تجارته على مستوى أدني حتى العصور
الوسطى.
وقد وجدت أدلة على استخدام اللبان في مصر على صور بقايا محروقة للبان الذكر
في موقع قصر إبريمين، وعمره 1.500 سنة، فضلاً عن نقوش في قبر الملكة
حتشسبوت التي كانت كما يبدو تستخدم اللبان مع الكحل لتظليل العين. وفضلاً
عن ذلك، تعزى للبخور الكثير من الاستخدامات الطبية والمتصلة بالتقاليد.
وإذا كان من المستحيل ذكرها جميعاً، فمن الضروري الإشارة إلى الأكثر
أهمية بينها.
كان القدماء يؤمنون أن دخان البخور ينقل الصلوات إلى السماء. ولذا كان
يستخدم في العديد من الاحتفالات الطقوسية. وعندما اكتشف قبر توت عنخ أمون
عام 1922، عثر على قارورة مغلقة أطلقت رائحة اللبان عند فتحها، أي بعد
3.000 سنة! وفي جنازة الإمبراطور سولا الروماني، صنع تمثال كامل له من
اللبان والقرفة. وكان حجم الاستهلاك السنوي في معبد بعل يناهز 2.5 طن.
ويذكر هيرودوتس أن 1.000 تالنت (4.5-9 طن) من اللبان كانت تقدم على مذبح
الإله بعل سنوياً.
على الصعيد الطبي، استخدم العالم الروماني بلينوس الأرشد اللبان لعلاج
حالات التسمم بالشوكران، فيما كان شيخ الأطباء إبن سينا يرى أنه مفيد
لعلاج الأورام والحمى والإسهال. (بلينوس نفسه ذكر أن تجارة اللبان جعلت
سكان جنوب جزيرة العرب أكثر أهل الأرض ثراء). أما ديسكورودس فقد أفاد بأن
لحاء اللبان – عند وضعه في الماء – يستدرج الأسماك إلى شباك الصيد. ويمكن
في سجلات صينية تعود للقرنين 12 و13 الميلاديين إحصاء 13 نوعاً مختلفاً
من اللبان تستخدم في وصفات طبية. وتفيد مجلة فارماكوبيا الصيدلانية
الهندية الرسمية عام 1868 أنه يمكن استخدام اللبان في علاج الحالات
الرئوية الحادة، وكمرهم للدمامل والقروح.
وفي ظفار، يستخدم الناس اللبان كعلاج وأيضاً للتجميل:
اللبان يمضغ لتقوية الأسنان واللثة وإزالة المخاط من جيوب الرأس. ويمكن
إزالة ألم نخر الأسنان بحشوة من فتات اللبان والملح. ويعتقد أن دخان
اللبان ينفع الإنسان والحيوان على حد سواء. واستنشاقه يريح من الصداع.
كما أنه من عناصر سوائل غسل العيون. ولو أذيب في الحليب، فإنه يعالج
السعال، كما يمكن استخدامه كمهدئ. ولو جفف لحاء شجرة اللبان وطحن ثم تم
تحويله إلى عجينة، فإنه يمكن بها علاج آلام وأوجاع العضلات. وإذا حُلت
بالماء، وشربت، فإنها نقوي الجسم وتطهره. وتستخدم ثمار وأوراق الشجرة
علفاً أو لإنتاج شراب مساعد على الهضم.
ولا شك أن أشهر استخدام للبان هو للتبخير بأريجه. والاستعمال العربي
التقليدي له هو حرقه في مبخرة خاصة بالبخور، واستنشاق دخانه والتعطر به
حول الوجه أو تمرير المبخرة تحت الغترة أو تحت الثياب، أو توضع تحت حامل
خشبي ثلاثي لتعطير الثياب. أما الزيوت العطرية الأساسية المقطرة من
اللبان، فتستخدم لإنتاج أثمن أنواع العطور، وبينها العطر العماني الشهير
"أمواج". كما يمزج مع بعض التوابل وأملاح الأمونيا ليشكل عنصراً في مسحوق
خاص بتنعيم البشرة.
وهناك نوع متميز الجودة من اللبان الذي يستخدم في مسابقات تلاوة القرآن
الكريم للأطفال. ويتم ذلك بغمس بعض قطرات اللبان الصافية في الماء مع بعض
الحديد. وفي الصباح، يشرب الطفل الذي سيقوم بالتلاوة الماء على الريق –
مما يساعده على تنشيط الذاكرة ويزيد فرص نجاحه.
وهناك استخدام غير معهود للبان، وهو يقتضي صناعة شمعات طويلة من مزيج من
القار والكبريت وغبار خشب الصنوبر ومسحوق اللبان. وكانت هذه الشمعات
تستخدم كمشاعل لإحراق بيوت الأعداء في الحروب القبلية. لكنه كان للبان
أيضاً استخدامات سلمية! وتشمل تنقية المياه بلحاء اللبان، وصبغ الثياب
ودبغ الجلود باللحاء لإكسابها لوناً خمرياً، وإصلاح الآنية المكسورة عبر
لحمها بصمغ اللبان الطيِّع.
وهذه الأمثلة وغيرها تعطينا لمحة عن نمط حياة ما زال قائماً إلى حد ما،
لكنه يواجه خطر التلاشي. والمشكلة أن المحافظة على طرق استخدام اللبان
تستهلك الكثير من الوقت بالمقاييس المعاصرة، ولذا فإن تلك التقاليد
البديعة تسير على طريق الانقراض.
|