شعرتُ
حينها بولع بطريقة تكيف النباتات البرية مع البيئة الصحراوية وهذا ما
دفعني لأن أمضي أوقات فراغي طوال السنوات العشرين التالية في جمع وتصوير
النباتات والعمل على تحديد أنواعها بمساعدة خبراء في الخارج كنت أتصل بهم
عبر الأعضاء الآخرين في المجموعة.
هناك أعضاء
آخرين أصبحوا شبه خبراء في مواضيع محددة مثل إيان هامر الذي جمع و صنف
أكثر من 200 فصيلة من النحل و الدبابير؛ غاري فيولنر، الرئيس الحالي
لمجموعة دبي، الذي لم ينجح فحسب بدراسة اليعاسيب وحلزونات الماء العذب،
بل اكتشف أيضاً بالتعاون مع بيتر كاننغهام فصائل جديدة من سمك قوبيون
الماء العذب (آووس أيانوفوسكوس) في وديان جبال حِجر. وهناك "خبراء هواة"
حققوا اكتشافات جديدة أخرى مثل كارولين ليمان (التي عثرت على مستحاثة
قنفذ بحري سمي باسمها) وطوني ودورد (الذي اكتشف عدة فصائل جديدة وسمي أحد
المخلوقات البحرية- الخيتون- وهو نوع من الرخويات باسمه: أكانثوشيتونا
ودوردي).
كارولين
ليمان اكتشفت أيضاً موقعاً أثرياً مهماً في أم سقيم عثر فيه على مقابر
غريبة الشكل. بيتر هيلير، عضو لجنة مجموعة أبوظبي طوال السنوات الثماني
عشرة الماضية ومدير تحرير مجلة تريبولوس، اكتشف عدداً كبيراً من المواقع
الأثرية وساهم في تأسيس مركز جزر أبو ظبي للبحوث الأثرية، أيه دي آي أيه
إس، الذي تدعمه الحكومة ويديره هو الآن.
حين يزور
باحثون من الخبراء البلاد تسرع المجموعات بمحاولة إقناعهم بإلقاء محاضرة
أو بقيادة رحلة ميدانية. وعلى سبيل المثال، حين أتى خبير العلاج بالأعشاب
تيد بابينفوس من جامعة كاليفورنيا في بيركلي لدراسة السحالي والأفاعي في
المنطقة، حصلت مجموعة دبي على واحدة من أمتع المحاضرات. كما يحضر علماء
الآثار الزائرون بشكل منتظم اجتماعات المجموعات الثلاث. ويدين مركز جزر
أبوظبي للبحوث الأثرية بجزء من الفضل في تأسيسه لمثل هذه اللقاءات التي
نظمتها مجموعة أبوظبي، باعتبار أن تأسيسه أتى عقب محاضرة ألقاها د. جيفري
كينغ وبعد الاجتماعات التالية بين د.كينغ و بيتر هيلير (الذي كان رئيسها
يومها عام 1991) والشيخ نهيان.
كما يوجد
تعاون وثيق بين مجموعات التاريخ الطبيعي ومؤسسات مثل هيئة البحوث البيئية
وتنمية الحياة البرية (إي آر دبليو دي أيه) وهيئة البيئة الاتحادية
(إف إي أيه)، وكلاهما في أبو ظبي، مثلما كانت الحال مع صندوق رعاية الفهد
العربي ومركزه الشارقة (أيه إل تي). كما توجد صلات أيضاً مع مجموعة
الإمارات للبيئة ومركز إكثار الحيوانات التابع لحديقة الشارقة الصحراوية
الوطنية.
مرة كل عام
تجتمع المجموعات الثلاث في إجازة أسبوعية، بتنظيم من إحداها في كل مرة
وبشكل دوري، وفي منطقة المجموعة المنظِمة عادة. و يمثل اللقاء السنوي
فرصة للأعضاء حتى يتعرفوا على أنحاء أخرى من البلاد وتبادل المعارف
والاهتمامات الجديدة. وأحياناً يجتمع أعضاء من المجموعات الثلاث لإجراء
إحصاء للحيوانات البرية، مثل إحصاء الغزلان عام 1996 الذي كشف أن عدداً
مفاجئاً من الغزلان العربية (الجبلية) يزيد عن 50، تعيش طليقة في الصحراء
الرملية بين أبوظبي والعين ودبي.
وعلى مر
السنين استطاعت هذه المجموعات أن تتطور من مجرد مجموعات نشاطات اجتماعية
لتتكتسب لنفسها منهجاً أكثر علمياً في تسجيل الحياتين النباتية
والحيوانية في البلاد. فأعضاء مجموعة أبوظبي ينظمون بشكل دوري مسوحات
لإمارة أبوظبي وجزرها أو يشاركون فيها. وفي واحد من هذه المسوحات جرى
تسجيل وجود المستعمرات الشهيرة عالمياً لتكاثر أربع فصائل من طيور
الخرشنة على جزيرة قرنين وأول مستعمرة في الجزيرة العربية لتكاثر طيور
النحام الكبير (فينيكوبتيروس روبر) في بحيرة صناعية هي بحيرة الوثبة.
وقد تنامت
قاعدة بيانات الطيور التي وضعتها مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي
لتتجاوز 20.000 طائر من الأنواع الشائعة والنادرة وساهمت في تأسيس لجنة
تسجيل طيور الإمارات التي تضم في عضويتها أعضاء من المجموعة مثل بيتر
هيلير وسيمون أسبينال وكولين رتشاردسون. وكان كتاب "مقدمة للحياة
النباتية في الإمارات" لروب وسترن (الذي نشرته جامعة الإمارات في العين
برعاية من الشيخ نهيان) نتاجاً لرحلات البحث في الإجازات الأسبوعية التي
قام بها مع بيش براون وغيره من أعضاء مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي.
وقد شجعت
نشاطات المجموعات الثلاث الناس غير المنظمين فيها على تسليم سجلات عما
يرونه في رحلاتهم الخاصة في الصحراء. إذ رغم أن الاكتشافلت الجديدة أصبحت
نادرة فإن هذه السجلات تكون مهمة جداً، مثلما يحصل حين تثبت أنها امتداد
للسلاسل المعروفة من النباتات أو الحيوانات.
والسجلات
عن اكتشاف بقايا الدلافين عديمة الزعانف (نيوفوكيانا فوكيانويد) في
الإمارات الشمالية يوضح هذه الحقيقة. فحتى معرفة سجل الثدييات في مجموعة
دبي بوجودها، كانت هذه الفصائل معروفة في غرب أبوظبي فحسب، حيث كان قد
جرى تحديدها خلال بحث قام به روبرت بالدوين بدعم من أعضاء مجموعة أبوظبي.
من بين
اللقى المثيرة الأخرى، هناك النقوش الحجرية في إمارة الفجيرة التي عثرت
عليها الكاتبة؛ عدة فصائل جديدة من الفراشات اكتشفها مايك جيليت في
الوديان قرب العين؛ فصيلة جديدة من يعسوب البوم (بوبوبسيس هاماتا) عثرت
عليها بريجيت هووارث وسيمون أسبينال؛ أنواع جديدة من الطحالب سجلها بينو
بوير مع علماء نباتات ألمان زائرين في جبال حجر؛ سرطان القرم (سيلا
سيراتا) وجده مارك بيتش وبيتر هوغارث. والاكتشافان الأخيران لم يأتيا
نتيجة نشاطات مجموعة التاريخ الطبيعي وإنما نشرا في مجلة تريبولوس.
وترعى
المجموعات الثلاث بين وقت وآخر مشروعات بحثية صغيرة، منفصلة أو مجتمعة.
فمجموعة أبوظبي مثلاً رعت بحوثاً أثرية في رأس الخيمة و الشارقة والفجيرة
وأبوظبي، كما وسعت نشاطاتها إلى الخارج، حيث دعمت مشروعاً لبحث الحياة
النباتية في محمية سونداربانس الطبيعية في بنغلادش قام به د. رضا خان من
حديقة حيوان دبي، مثلما وفرت مناظير مقربة لمراقبي الطيور المحليين في
كينيا.
ومن
المشاريع التي رعتها المجموعات الثلاث معاً جمع ونشر قائمة مرجعية
للنباتات البرية في الإمارات، وهو ما قاد بدوره لنشر كتاب "الأزهار
البرية في الإمارات" لماريجكي جونغبلود عام 2003 (والذي رعته هيئة البحوث
البيئية وتنمية الحياة البرية).
كما أتت
الرعاية لدراسة بحرية مهمة قام بها روب بالدوين من بنك الإتحاد الوطني،
الذي يترأسه راعي مجموعة الإمارات للتاريخ الطبيعي سمو الشيخ نهيان بن
مبارك آل نهيان. وكانت نتيجة الدراسة كتاب "حيتان ودلافين الإمارات" الذي
نشر في ديسمبر 1995. كما رعى البنك أيضاً كتاب "الكنوز الخفية" لبيتر
هيلير وهو الأول من نوعه الذي يوفر نظرة شاملة على الآثار التاريخية
للإمارات.
من
النشاطات التي تشجع الأعضاء على الخروج للطبيعة وفتح عيونهم على كنوزها،
مسابقات التصوير السنوية التي تجريها المجموعات. والصور الفائزة تكافأ
بأثمان تشجيعية من الرعاة كما توضع على الموقع الإلكتروني لمجموعة
الإمارات للتاريخ الطبيعي في العين. وتمنح مجموعة أبو ظبي للتاريخ
الطبيعي جائزتين سنويتين بتزكية من أعضاء المجموعات الثلاث.
تعتبر
جائزة الشيخ مبارك بن محمد للتاريخ الطبيعي الجائزة الأهم من نوعها
في الإمارات. وتهدف الجائزة لتكريم الاسهامات التي يقدمها الأفراد عبر
إجراء ونشر بحث أصيل، في الدراسة العلمية للآثار والتاريخ والتاريخ
الطبيعي لدولة الإمارات. ويحصل الفائز بالجائزة على نموذج قارب بوم فضي
ومبلغ مالي.
أما
جائزة بيش براون التي اختيرت تكريماً لأحد مؤسسي المجموعة، فتمنح
للاعتراف بجهود الأفراد الرامية لدعم دراسة وحماية البيئة والحياة البرية
والتاريخ والتراث في الإمارات، سواء بالدراسة التقليدية أو بتشجيع الوعي
التربوي أو بوسائل أخرى. وتتمثل الجائزة بصقر فضي يحتفظ به الفائز لسنة
كاملة.
الاكتشافات
المهمة في التاريخ الطبيعي أو التطورات الجديدة في ميادين بعينها مثل
الجيولوجيا أو الآثار أو علم أصول الإنسان، غالباً ما تنشر في مجلة
تريبولوس، التي تتضمن التقارير الأكثر علمية عن نشاطات المجموعات، وتخضع
كلها لعملية مراجعة علمية تقليدية قبل نشرها. كما ترحب المجلة أيضاً
بإسهامات الباحثين الزائرين، مثل ألبرت ليغريان، الباحث البلجيكي المختص
بحشرات عث الأزهار الذي استطاع تسجيل أكثر من 300 فصيلة من هذه الحشرات
غير المعروفة جيداً خلال زياراته السنوية لليلاد منذ سنوات طويلة. غراهام
جيلز قدم القائمة المرجعية في الإمارات، والتي تضمنت 20 فصيلة، مع أن
غاري فيولنر قد قام باكتشافات جديدة منها منذ ذلك الوقت. كما كان اكتشاف
وجود الطهر العربي – الماعز - (هيمتراغوس جاياكاري) من جديد في مارس 1997
في جبل حفيت على يد أعضاء مجموعة لمراقبة الطيور شيئاً مثيراً جداً. وهذا
الحيوان الثديي الجبلي الجميل كان قد شوهد لآخر مرة في ذلك الجبل عام
1982، فيم لم تفلح مسوحات رسمية عامي 1986 و1990 في العثور عليه،
وبالتالي اعتبر منقرضاً إلى حين رؤيته من جديد. وكانت تريبولوس أول من
ينشر اكتشاف وجود ثعلب بلانفورد (فولبوس كانا) في جبال حجر وأول صورة له
على يد كريس وتيلد ستيوارت خلال إجرائهما لمسح لصالح صندوق رعاية الفهد
العربي.
وكل عدد
جديد من تريبولوس يأتي معه بأخبار اكتشاف مهم آخر لتساهم في توسيع
المعرفة بالطبيعة والتاريخ والثقافة في الإمارات.
كما يستخلص
القارئ من الأسماء العديدة المذكورة في هذه المقالة لأعضاء المجموعات
وأصحاب الإسهامات في المعارف الطبيعية في الإمارات، فإن مواطني الإمارات
لا يترددون على هذه الاجتماعات ولا يشاركون في الرحلات بأعداد كبيرة.
فعلى الرغم من وجود مواطنين إماراتيين مهتمين بالطبيعة ويشاركون في
بحوثها وحمايتها، مع مؤسسات مثل هيئة البحوث البيئية و تنمية الحياة
البرية وهيئة البيئة الإتحادية ومجموعة الإمارات للبيئة، فإنه لا يبدو أن
نشاطات مجموعات التاريخ الطبيعي تجذب انتباههم حتى الآن.
على أني
آمل أن تسهم هذه المقالة في تعريف شتى المجموعات السكانية في الإمارات
بوجود وإنجازات مجموعات التاريخ الطبيعي بحيث يعرف كل المتحمسين للحياتين
النباتية والحيوانية إلى أين يتوجهون ليشاركوا ويقدموا إسهاماتهم.
وهذا ينطبق
بشكل خاص على الناس العاديين. إذ ليس من الضروري أن يكون المرء مختصاً في
أي موضوع حتى يستطيع الاستمتاع بالطبيعة مع أناس يشاركونه اهتماماته، أو
الإسهام في تحقيق فهم أوسع للعالم الطبيعي الذي نعيش فيه.
|