حان
الوقت لنضع الحملة الدعائية والفبركة الأمريكية المتواصلة جانباً ونفكر
بالأسئلة التالية: هل نجحت السياسات التي تقودها الولايات المتحدة ضد
الإرهاب في تقليص حجم هذا التهديد؟ هل أدت لإجهاض طموحات الإرهابيين أم
أنها جعلتهم أكثر عزماً؟ وهل قلصت هذه السياسات إحساس الإرهابيين بالظلم
ومشاعرهم المعادية للولايات المتحدة أم أنها زادتها حدة؟ وهل أصبح تعريف
"الإرهاب" واسعاً وفضفاضاً جداً؟
قبل
الحرب على طالبان، كانت القاعدة متجمعة أساساً في أفغانستان حيث كان لها
وجود مرئي وملموس على شكل معسكرات تدريب. نعم كانت هناك خلايا نائمة
متفرقة حول العالم لكنها لم تكن تتحرك في ذلك الوقت. كانت نشاطات القاعدة
في تلك الفترة محددة بوضوح ومقتصرة على كشمير والشيشان والقواعد
الأمريكية على ما كانوا يعتبرونه الأراضي المقدسة في السعودية. أما
القضية الفلسطينية فأضيفت إلى قائمة دعاواهم لاحقاً في محاولة منهم لجذب
المزيد من المجندين بشكل أثار غضب ياسر عرفات.
لكن
بعد غزو أفغانستان، تحول عناصر القاعدة نحو العمل السري في الظلام وربما
استطاعوا مضاعفة أعدادهم عدة مرات رغم الجهود المبذولة لقطع مصادر
التمويل التي لديهم.
قبل
11 سبتمبر، كان أسامة بن لادن وكبار مساعديه لا يمثلون
أكثر من
أسماء عائلات، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد شن
هجوماً فاشلاً على ابن لادن في أفغانستان عقب تفجير السفارتين
الأمريكيتين في إفريقيا والهجوم على السفينة الحربية الأمريكية كول في
اليمن. لكن حالما بدأت إدارة بوش تعاملهم بهذا القدر الهائل من الاهتمام،
أصبحوا فجأة قطباً يجتذب المتعصبين الأيديولوجيين. وهذه الشهرة البالغة
التي أعطيت لهم جعلت الجماعات المشابهة لهم في العقلية تسعى وراءهم أو
أنها أدت لظهور تحالفات جديدة ومنظمات مستنسخة منها حول العالم تستخدم
طريقة عمل مشابهة. اليوم أصبحت القاعدة مخلوقاً برؤوس كثيرة، وأصبح لدى
جماعاتها المنشقة عنها والشريكة لها مراكز نشاطات جديدة، في أفغانستان
والعراق، وأضافت أسماء جديدة لقائمة أهدافها– بريطانيا وإسبانيا
وأستراليا وإيطاليا.
اليوم، أصبح هناك أعداد أكبر من الشبان الحاقدين على دول أخرى أكثر.
والأسوأ من ذلك هو أن هؤلاء منتشرين في المجتمعات الغربية مما يجعل
التعرف عليهم أمراً شبه مستحيل.
لنفكر في بالي حيث تم استهداف الشبان الأستراليين، أو الفندق الذي يملكه
إسرائيليون في مومباسا الذي تعرض لهجوم صاروخي، أو الهجمات على مجمعات
سكن الغربيين في السعودية، والقنابل التي انفجرت قرب أحياء اليهود
والسفارة البريطانية في إسطنبول، دون أن ننسى 192 قتلوا في تفجيرات
مدريد، هل بمقدورنا الاستنتاج أن بوش في سبيله فعلاً لهزيمة أولئك الذين
يسميهم "الأشرار"؟
الولايات المتحدة تتصرف كمن يستخدم مطرقة لقتل ذبابة تقف على رأس طفل.
وكان حرياً بها، بدلاً من الخوض في هذه العربدة، أن تعمل سراً على تحديد
أعدائها والإمساك بهم بمساعدة الحكومات المتعاطفة معها، وهو ما كان عليه
حال معظمها بعد 11 سبتمبر.
لو
لم تكن الولايات المتحدة تمتلك الكوادر الأمنية الخبيرة ومتعددة اللغات،
فإن الحكومات الصديقة لها في الشرق الأوسط تمتلك هذه الإمكانيات وكان
بمقدورها مع الوقت أن تخترق تنظيم القاعدة. وكان بالإمكان سراً وبدون
بهرجة كشف خلاياها في أوروبا والولايات المتحدة بعد أن روعت المجتمعات
التي كانت تختفي داخلها، هذا بالإضافة لاستخدام تقنيات المراقبة المتقدمة
والتواصل الأفضل بين الفروع المختلفة للأوساط الاستخبارية. غير أن البعض
يعتقد
أن اصطناع "الحرب على الإرهاب" كانت سياسة متعمدة.
الكاتبان ستيف كروكيت وآل لورانس في مقالة لهما بعنوان "إنهاء أسطورة
الحرب على الإرهاب" يقولان: "إن ما يسمى بالحرب على الإرهاب أسطورة خطرة
تزعزع الأمن القومي الأمريكي. إن هذه الأسطورة هي نتيجة اصطناع متعمدة من
إدارة بوش وحلفائها السياسيين. فقد كانت هذه السياسة مفيدة جداً في دعم
الأجندة التجارية للجمهوريين من أنصار بوش. وأعوان هؤلاء من أوساط
الإعلام التجاري ساعدوهم في الترويج لهذه الطريقة غير النزيهة فكرياً في
النظر إلى التهديد الذي يمثله ابن لادن ومنظمته الإرهابية للولايات
المتحدة."
نعم
غير نزيهة فكرياً إلى حد كبير بشكل اصبح فيه المناضلون الشرعيون الساعون
للحرية يعتبرون "إرهابيين"، مثل مجموعات النضال الفلسطيني وحزب الله
اللبناني رغم أنهم قصروا نشاطاتهم حصراً على إخراج الاحتلال الإسرائيلي
من الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية.
آرييل شارون، الذي يسمونه "جزار بيروت" قد استولى على "الحرب على
الإرهاب" التي بدأها بوش ويستخدمها ذريعة لتنفيذ أفظع أفعاله تحت هذه
المظلة. والمسؤولون الإسرائيليون كلما سئلوا عن مواقف حكومتهم العدائية
ضد الفلسطينيين، يكرروا بشكل دائم الحديث عن الحرب الأمريكية على
الإرهاب.
حين
يسألون عن سبب دفع دباباتهم وجرافاتهم لداخل مخيمات اللاجئين الفلسطينية،
يقولون دوماً إن إسرائيل يجب أن تحارب الإرهاب. وحين يجادلون أحد بخصوص
سياسة الاغتيالات التي يمارسونها، يصفون أهداف هذه الاغتيالات بأنهم
"إرهابيون" بل ويقارنون بأسامة بن لادن مثلما فعلوا حين اغتالوا العجوز
المقعد الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس، حيث قتلوه بوحشية وهو
خارج من المسجد. بل إنهم يتهمون الرئيس الفلسطيني المنتخب وفق الأصول
ياسر عرفات بأنه يدعم الإرهاب ولا يجدون حرجاً في تهديده علناً بالقتل
أيضاً.
وبالاعتماد على سياسة الإدانة المحسوبة بدقة هذه من جانب إسرائيل، يستطيع
شارون أن يقنع جورج بوش المهووس بمحاربة الإرهابيين، الفعليين والوهميين،
بأنه ليس هناك شريك فلسطيني يستطيع التفاوض معه. وهكذا حصل على ضوء أخضر
من الرئيس الأمريكي لممارسة سياسته الانفرادية في الشرق الأوسط وهي
السياسة التي تقضي عملياً على " خريطة الطريق." وبالفعل فقد حصل شارون
على الموافقة الأمريكية للاحتفاظ بكل المستوطنات الإسرائيلية تقريباً في
الضفة الغربية ولإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين في مقابل الانسحاب
من غزة التي لا يوجد فيها سوى 7 آلاف مستوطن يهودي.
وفي
العراق، نجدهم يشتطون في استخدام كلمات من مثل "إرهابيين" و"إرهاب" بشكل
يناسب كذب إدارة بوش بخصوص ما يجري فعلياً على الأرض. حتى وقت قريب كانت
إدارة بوش تصور المقاومة في العراق على أنها أعمال يقوم بها بقايا أنصار
صدام إضافة لإرهابيين أجانب يتدفقون على العراق من الحدود الإيرانية
والسورية (وبالطبع ليس من الدول الأخرى الحليفة للأمريكيين، كما يلاحظ
القارئ). شبكة فوكس نيوز الإخبارية التلفزيونية التي يملكها روبرت مردوخ
تسمي كل المقاومين "إرهابيين"، غير أنها لا توضح أبداً كيف تأتى أن تكون
750 قتيلاً وأكثر من 1500 جريح سقطوا بنيران القوات الأمريكية في الفلوجة
إرهابيون فيما الكثيرون من هؤلاء هم نسوة وأطفال وعجائز.
إن
الكثير من المقاومين في العراق كانوا أعداء لصدام حسين وحين وصل
الأمريكيون والبريطانيون للعراق بداية الحرب تنحى هؤلاء بعقول منفتحة
آملين بمستقبل أفضل.
السكان الشيعة، على سبيل المثال، الذين اضطهدتهم حكومة صدام حسين أرادوا
تصديق الوعد الأمريكي بالديمقراطية والحرية. لكن حين اعتقل الأمريكيون
أحد مساعدي مقتدى الصدر وأطلق جنود مشاة البحرية النار على المتظاهرين من
أنصار الصدر وأغلقوا صحيفة يديرها\الصدر بأوامر بول بريمر، تبين أن وعود
التحالف بحق حرية التجمع وحرية الكلام كانت وعوداً فارغة.
بريمر، الوالي الذي عينه بوش حاكماً للعراق، ذلك الذي يدخن السيجار وهو
قابع في واحد من قصور صدام حسين السابقة، نجح في توحيد العراقيين سنة
وشيعة كما لم يحدث من قبل. لقد تحدثت التقارير عن السنة والشيعة وهم
يقاتلون جنباً إلى جنب في الفلوجة حين ضرب الأمريكيون الحصار على تلك
المدينة بعد قتل أربعة مرتزقة أمريكيين ثم أدوا الصلاة لاحقاً معاً في
المساجد نفسها.
الولايات المتحدة تستخدم حجة أن العراق سيتورط في حرب أهلية إن لم تبقى
قواتها على أراضيه لعقود من الزمن. غير أن هذه الكذبة أصبحت عارية فيما
الشعب العراقي يتوحد في مواجهة عدو مشترك. لقد أنكر كل عراقي تحدثت معه
أن تكون حرب أهلية ضمن مشاريع أي طرف عراقي وأصر على أن العراقيين عاشوا
معاً بانسجام منذ وقت طويل. ويعرف الشعب العراقي أن مستقبله قد وضع الآن
في أيدي حكومة من الدمى عينتها الحكومة الأمريكية، ستكون مسؤولة عن إدارة
المدارس والمستشفيات والشرطة المحلية، غير أنها لن تستطيع ممارسة سوى
القليل من الصلاحيات فيما يتعلق بالدفاع عن البلد واقتصاده وخصوصاً نفطه.
إن العراقيين غاضبين من هذا التزييف، الشعب العراقي يختلف عن
"الإرهابيين".
الكاتب والمخرج جون بيلجر يشرح بدقة الوضع المتدهور في العراق والمشاعر
المتزايدة المعادية للغرب في مجلة نيوستيتمنت.
يقول: "قبل أربع سنوات، سافرت في كل أنحاء العراق... يومها شعرت بأمان
نادراً ما أشعر به في أي بلد آخر. ذات مرة كنت أتجول في شارع سوق الكتب
في بغداد، فصرخ شاب في وجهي قائلاً أشياء عن المصاعب التي تعيشها أسرته
بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على العراق بسبب الأمريكيين والبريطانيين.
لكن ما حدث بعد ذلك كان الشيء الطبيعي المتوقع من العراقيين؛ أخذ أحد
المارة يهدئ الرجل واضعاً يده على كتفه، فيما أسرع آخر للوقوف بجانبي
قائلاً: سامحه، إننا لا نحمل شعوب الغرب مسؤولية أفعال حكوماتهم، مرحباً
بك.
|