وهكذا
سارت الحياة بفاطمة وعلي، يعيشان كالناس سعة وقلة، وانجبت فاطمة الحسن
رضي الله عنه، وانجبت الحسين، سيدا شباب أهل الجنة، وكان رسول الله ينزل
عن المنبر وهو يخطب الناس، ويستقبل الحسن والحسين ويشمهما ويقول الحسن
والحسين مني وأنا منهما، فمن أحبهما احبه الله ، ومن كرهما كرهه
الله..وكان صلي الله عليه وسلم يركبها على ظهره ويقول نعم الجمل جملكما
ونعم الراكبان انتما... وعندما نزل قول الله [يريد الله أن يذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً] كان يضع عليه السلام ردائه على فاطمة
وعلى والحسن والحسين عليهم السلام جميعاً ويقول: هؤلاء هم أهل بيتي فمن
أحبهم أحبه الله.. وكان يقول: الله الله في أهل بيتي ، ويذكر المسلمين
بقول الله (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى).
وكان
الرسول يعلم ماذا سيلحق بأهل بيته من الأذى، حيث قتل على مظلوماً، ومات
الحسن مسموماًَ من زوجة خانته، ومات الحسين شهيداً على يد الطغاة من بني
أمية، وتلك فاجعة في التاريخ يندى لها الجبين، ولكن الله يأبى أن تكون
المنية للعظماء الا عظيمة... ولو شهدت فاطمة عليها السلام ما حل بابنيها
وزوجها وأهل البيت من عترة رسول الله ، لذابت حشاشتها وامتد أساها،و
لكنها توفيت بعد رسول الله بستة أشهر وقيل بثلاثة أشهر، وقد أخبرها رسول
الله بأنها أقرب الناس لحوقاً برسول الله، وقد قال بعض المؤرخين أنها
لحقت برسول الله بعد تسعة أشهر ولكن الثابت أنها عاشت بعد رسول الله ستة
أشهر وكان عمرها عليها السلام خمساً وثلاثين عاماً.
ماذا حدث لفاطمة بعد وفاة رسول الله؟!
كانت
عليها السلام أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله ، فكانت بليغة وشاعرة،
صاحبة حجة، وكان رسول الله يحبها حباً شديداً، فإذا دخلت عليه قام اليها
وقبلها وكانت تلصق به وتقبله، وقد قالت عائشة: ما رأيت قط أحداً أفضل من
فاطمة غير أبيها، عندما ثقل المرض برسول الله وتغشاه الموت، أخذت تقول:
أباه، فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم...وأسلم رسول الله الروح
لربه، ولما دفن، أقبلت فاطمة تبكي بحرقة، وقالت لانس بن مالك: ياأنس كيف
طابت أنفسكم تحثوا على رسول الله التراب؟..ثم اخذت قبضة من تراب القبر
ووضعتها على عينيها باكية وتقول:
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان
غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الايام
صرن ليالياً
ومما
ينسب إليها أنها قالت شعراً في موت رسول الله:
أغبر أفاق السماء وكورت شمس النهار
وأظلم العصران
فالأرض من بعد النبي كئيبة أسفاً عليه
كثيرة الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها ولتبكه مفر وكل
يمان
ياخاتم الرسل المبارك ضؤه صلى عليك ننزل
القرآن
وتولى
الخلافة أبو بكر الصديق رضى الله عنه، فجاءته فاطمة تطلب إرث أبيها ولكنه
أخبرها أن رسول الله قال: نحن معاشر الانبياء لا نورث وما تركنا صدقة
فردت عليه تقول: إن الله يقول عن نبي من أنبيائه: يرثني ويرث من آل
يعقوب، ويقول: وورث سليمان داود، فهذان نبيان ، وقد علمت أن النبوة لا
تورث، وإنما يرث ما دونها، فمالي أمنع أرث أبي؟ أأنزل الله في الكتاب
إلا فاطمة بنت محمد، هل هذا في القرآن؟ فاقتنع بما قالت.. ولكن نازع هذا
الحق كذلك بنو أمية بعد موتها، وقد عارضت أبا بكر وعمر في أمر الخلافة،
واسترضاها ابو بكر بعد أن توعدته بالدعاء عليه، وبقي يبكي ويقول، اقيلوني
والله لا أرضى أن تغضب علي فاطمة ولا أحد من أهل بيت رسول الله،
واسترضاها حتى رضيت عنه.
ولكن ما
هي إلا شهور حتى التحقت برسول الله ولم تشهد مأساة زوجها وماسأة الحسن
والحسين وكيف انقلب الأمر ملكاً عضوداً.
لقد
صبرت، وأنجبت خيرة الشباب، وتزوجت خيرة الرجال، ولحقت بابيها في جنة
الخلد والله يفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.
إلى جنة
الله يا فاطمة... وهكذا هو مصير العظماء
|