فقد
كان العرب قبل
الإسلام يعتبرون الابن بالتبني ابناً حقيقياً في الأحكام،
أي يجرون عليه
أحكام الابن الحقيقي حتى في استحقاق الإرث وحرمة النسب.
ولذلك
كانوا عندما
يزوّجونه يعتبرون زوجته
في حكم زوجة
الابن الحقيقي
وبالتالي تشملها
أحكام المحارم.
وإذا ما طلق
المتبنى
زوجته كانوا لا يتزوجونهالاعتقادهم
أنها زوجة ابنهم ومحرمة
عليهم
حرمة مؤبدة.
ولكي
يزداد إبطال
التبني رسوخاً
في العقول والقلوب
وحتى
يعلن
للناس الله عن طريق رسوله
بأن الابن بالتبني ليس ابناً حقيقياً وأن التبني لا يترتب عليه أي أثر
من آثار النسب
مثل الإرث وحرمة الزواج وغيرها من الأحكام، فقد أمر الله النبي أن
يتزوج زينب وقال تعالى: "ادعوهم
لآبائهم هو أقسط عند الَّله"(الأحزاب:5)
وقال: "ما كان
محمد أبا أحد من رجالكم" (الأحزاب :40).
عندما
شاء الله أن يهدم
اعتقاد الجاهلية بضرورة اختيار النسب معياراً لتكافؤ الزواج عن طريق
نبيه، أراد
النبي أن يطبق
ذلك على عشيرته
الأقربين فذهب
لزينب بنت عمته
وخطبها لزيد الذي كان بالأمس عبداً مملوكاً
وزوجه فعلاً لا قولاً
امرأة لها
شأنها نسباً وجمالاً ولا يطمح
لأمثالها إلا
الأشراف من
سادة القوم.
ومرة
أخرى حين أرادت مشيئة الله إسقاط شرعية التبني،
كلف نبيه
أن يبدأ بنفسه
وأمره بالزواج من
زينب،
زوجة ابنه السابق بالتبني.
عرف عن
السيدة زينب أنها كانت ورعةً قوّامة كثيرة الصيام والتصدق وفعل الخير.
وكانت تمارس العمل اليدوي حيث تدبغ الجلد وتصنع الخرز وغير ذلك وتبيعه
وتتصدَّق بثمنه. بل إن الرسول أثنى على كثرة تصدقها وكنَّى عن ذلك بطول
يدها. فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"أسرعكن لحاقاً بي أطولكنَّ يداً" قالت : "فكنَّ يتطاولن أيتهنَّ أطول
يداً وكانت أطولنا يداً زينب لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق."
وبالفعل، كانت أم المؤمنين زينب أول زوجاته صلى الله عليه وسلم لحوقاً
به حيث توفيت سنة 20 للهجرة وقد جاوزت الخمسين عاماً. وصلى عليها عمر
بن الخطاب وصُنع لها نعشٌ وكانت أول امرأة يُفعل معها ذلك ودُفنت بأرض
البقيع.
وقد
أحسنت عائشة رضي الله عنها في الثناء على زينب إذ قالت : "ولم أر امرأة
قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم
صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله
تعالى."
وبالفعل فقد كان ورعها خير واق لها من الكبر والغرور. إذ أثنت عليها
عائشة في مناسبة آخرح حين قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل
زينب بنت جحش عن أمري ما علمتِ؟ أو ما رأيتِ؟ فقالت: يا رسول الله أحمي
سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيراً." ثم قالت عائشة: "وهي التي كانت
تساميني (تعاليني وتفاخرني) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،
فعصمها الله بالورع."
وقد
بلغ حبّها للعطاء أنها قالت حين حضرتها الوفاة: "إني قد أعددت كفني،
فإن بعث لي عمر بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم إذ أدليتموني أن
تصدقوا بإزاري فافعلوا."
ومن
المواقف
الأخرى
التي تدل على بذلها المال وتصدقها به ما حدثت به برزة بنت رافع عما
فعلته زينب حين أرسل لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قسمه لها من
غنائم المسلمين بعد هزيمتهم لكسرى حين قالت: "لما خرج العطاء، أرسل عمر
إلى زينب بنت جحش بالذي لها. فلما أدخل إليها قالت: غفر الله لعمر بن
الخطاب،
غيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني. قالوا: هذا كله لك. قالت:
سبحان الله واستترت منه بثوب ثم قالت : صبوه واطرحوا عليه ثوباً. ثم
قالت لي: أدخلي
يديك واقبضي منه قبضة فاذهبي بها إلى بني فلان وبني فلان من ذوي رحمها
وأيتام
لها،
فقسمته حتى بقيت منه بقية تحت الثوب. فقالت برزة لها: غفر الله لك يا
أم
المؤمنين،
والله لقد كان لنا في هذا المال حق. قالت زينب: فلكم ما تحت الثوب
فوجدنا
تحته
خمسمائة وثمانين درهماً، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا
يدركني
عطاء لعمر بعد عامي هذا."
وفي
الحديث الشريف أن رسول الله قال لعمر بن الخطاب: "إن زينب بنت جحش
أوّاهة". فقال رجل:
"يا
رسول الله ما الأوّاه؟" قال: "الخاشع المتضرع." ثم تلا عليه الصلاة
والسلام: "إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب."
وفي
شأنها أيضاً أنزل الله تعالى الأمر بإدناء الحجاب ، وبيان ما يجب
مراعاته من حقوق نساء النبي.
وقد
ذكرتها أم سلمة حين توفيت، فترحمت عليها ثم قالت:
"كانت
زينب صالحة قوّامة، صوّامة، صناعاً وتتصدق بذلك كله على المساكين."
وقالت
عنها السيدة عائشة رضي الله عنها حين بلغها نعي زينب:
"لقد ذهبت حميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل." |