تحدث
هؤلاء الرحالة عن ولائم عامرة كانت قواعد الضيافة تدفع الناس لتقديم
موائد كبيرة ومتميزة. كما تحدث دوتي وبيرتمان وثيسجر الذين ارتحلوا مع
أعداد صغيرة من البدو عن أطعمة أبسط بكثير يأكلونها يومياً. الوجبة
الرئيسية هي تلك التي تتلو حلب الأنعام مساء.
أثناء
الترحال كانوا يأكلون الخبز غير المرقوق أما في فترات الاستقرار في
المضارب فكانوا يخبزون خبز الرقاق على الصاج. وحين صيد فريسة كانوا
يلقون بها كلها بجلدها فوق النار أما حين يذبحون رأس ماشية في مناسبة
ما فكانوا يطبخونها في قدر ضخم ثم يأكلونها مع القمح، لكن مع توفر الرز
لاحقاً أصبحوا يفضلون هذا الأخير مع اللحم.
أما
باقي اليوم وكوجبات خفيفة فكان التمر وبعض حليب النوق هو كل ما يتوفر.
التمر كان مهماً جداً لحياة البدو في الصحراء. فهو متوفر في كل واحة
وسهل الأكل ولا يفسد كما أنه سهل النقل إضافة إلى كونه يشكل علفاً
مغذياً جداً للإبل. كما طور البدو طريقة خاصة لحفظ الطحين والتمر
والسمن حيث يغلونها ويجبلونها معاً لتشكيل كتل جامدة يسمونه البثيث وهو
سهل الحمل والخزن أثناء السفرات البعيدة.
وكانوا
يحضرون السمن بخض حليب الماعز أو الغنم في قربة جلدية يبقونها منتفخة
عبر النفخ فيها بين الحين والآخر. ثم يغلون الزبدة التي يحصلون عليها
مع الطحين والتوابل لاستخراج السمن الذي يخزنوه في جلد الماعز إذا ما
كان للبيع أو في جلد ضب إذا كان لمأكلهم. وكان السمن منتجاً اقتصادياً
أساسياً للبدو ويبيعونه لشراء المؤن التي يحتاجونها.
تتضمن
هذه المؤن إلى جانب التمر الطحين والقمح والرز. واللبن الخاثر هو منتج
آخر من منتجات الحليب الذي كانوا يملحونه ويجففونه لتحضير الجميد أو
المريس. وبعد تحضيره مباشرة يشبه الجبن غير أنه يصبح قاسياً مثل
الصخور بعد قليل. وتجد المسافر يقضمه بتؤدة إذا كان زاده أو أنهم
ينقعونه بالماء بعد جرشه إذا كانوا في المضارب.
البدوي
الذي يسافر في الصحراء الحارة والجافة كان بأمس الحاجة لتعويض ما يفقده
جسمه من الماء، غير أن الماء عزيز ورديء في أغلب الأحوال في قلب تلك
الصحاري. فقد تجد وادياً هنا أو هناك يسيل بالماء بعد هطول غزير لا
يأتي إلا كل حين وحين ويخلف بعض برك الماء التي تبقى لأيام. أما الأبار
فكانت عميقة، أعمق من 60 قدماً في معظم الأحوال، وبالتالي كان من الصعب
نضح الماء منها. وإذا ما احتاج الأمر سقاية قطيع كبير من الإبل كان
عليهم العمل عدة ساعات متواصلة. بل إن الأبل التي تنتظر دورها في الشرب
كانت تلوث ماء البئر ببولها.
والقهوة هي المشروب المعتاد للبدو فكانوا يحمصون حبوب القهوة الخضراء
أولاً بأول في مقلاة تسمى المحماس ثم تبرد في صوان خشبية. وكانت بعض
العوائل تخمر القهوة في دلة فخارية قبل صبها في دلة القهوة العربية
المعروفة المصنوعة من النحاس المطلي بالقصدير وتقدم بفناجين خزفية
صغيرة. وغالباً ما تحضر القهوة مع حب الهال.
المصدر
الآخر للسوائل كان الحليب، وبمقدور البدوي أن يختار بين حليب النوق أو
الغنم أو الماعز. لكنهم غالباً ما يفضلون حليب النوق ويعتبرونها أحسن
للصحة فيما يفضلون النوعين الآخرين للسمن والجبن. وقد خضع حليب النوق
للكثير من البحوث العلمية التي كشفت الكثير من خواصه العلاجية (حيث
يعتبر علاجاً للسكري إضافة إلى غناه الكبير بفيتامين ج) وقيمته
الغذائية العالية. غير أن الحليب لوحده لم يكن كافياً في بعض الوجوه
حيث يذكر دوتي أن بدوياً اشتكى إليه وسأله بعضاً من "كعك دمشق، فقد صار
لي ستة أسابيع لم أمضغ فيها شيئاً."
أما
شرب الشاي فهو شئء لم يعرفه البدو إلا في مرحلة لاحقة. وربما أمكن
تحميل دوتي نسبياً مسؤولية لإدخال هذه العادة حياة البدو حيث كان يحمل
معه زوادة من الشاي لاستهلاكه الشخصي وضيفها مراراً للبدو الذين لم
يسبق لهم أن شربوها.
معيشة
البدو تعتمد على قطعانهم. والجمل كان الثروة الأغلى فهو وسيلة النقل
ومنه الحليب والطعام والشرب واللحم والشعر والجلد والروث للنار. الإبل
كانت الثروة ونادراً ما كانت تذبح للأكل. أما لحوم الإبل المتوفرة فكان
مصدرها الفائض من المواليد الذكور أو الرؤوس المريضة أو المصابة.
أما
الغنم والماعز فكانوا يربونها أيام وفرة الماء ومن أجل لحومها وألبانها
أساساً إلى جانب جلودها وأصوافها وشعرها. وكان حليبها يستخدم في معظمه
لإنتاج السمن.
وبالنظر إلى الرتابة اليومية للمأكل الخالي من اللحم، لن يكون من
الغريب أن أرنباً برياً أو ضباً يعتبر من أطايب الطعام النادرة.
فالأرانب، وبقدر أندر، الغزلان كانت تصاد بالصقور والكلاب السلوقية.
كما كانوا أثناء جولاتهم يجمعون السقنقور، وهو نوع من السحالي
الصحراوية، الذي يوجد بكثرة على الرمال صباحاً وكان إضافة محببة
لموائدهم.
وأذكر
أني ذات مرة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي وجدت نفسي مدعوة إلى
وجبة من السقنقور حين علقت سيارتي بالرمال.
نادراً
ما يستمتع البدو بأطعمة ذات مصدر نباتي. إذ على الرغم من تعدد النباتات
التي توجد في الصحراء، فهم يستخدمون قلة منها للأكل. هناك العديد من
النباتات التي تخزن بعض الماء في جذورها مثل نبات "سينوموريون
كوسينيوم" وهو نوع من درنات البطاطا حمراء اللون الذي كان يعتبر من
الأطايب التي تشبه الهليون. كما كانوا يبحثون عن الكمأ أو الفقع حين
تظهر في مواسم نادرة بعد حدوث هطولات شتوية مبكرة. ويعرف البدو الكثير
من النباتات ذات الصفات العلاجية للبشر أو للحيوانات وغالباً ما كانوا
يجمعونها.
وعلى
سبيل المثال كانت لنبتة "الأرطة" العديد من الاستخدامات. فحطبها للنار
وبراعمها الخضراء الغضة للأكل أما ثمارها الحمراء فلتتبيل الرز. وزنبق
البروق الحاضر في كل مكان فكان يستخدم لتحضير الإقط من اللبن الخاثر
المغلي. أما حين غلي النبات بكامله فكان يستخدم مليناً للمعدة. وكان
البدو يجمعون دوماً فصيلتين من نبات الحماض توجدان في الإمارات وتؤكلان
كنوع من الخضرة حيث يعرف عنهما الآن غناهما بالفيتامين ج.
غير أن
الواحات كانت المكان الوحيد لحصول البدو على التمر الجيد وغيره من
الفاكهة مثل النبق وهو ثمر شجرة السدر.
وبالطبع فإن من يعيشون في الجبال هم أكثر حظاً في الحصول على الفاكهة
والخضراوات فيما يتمتع ساكنو السواحل بحصة أكبر تنوعاً في مأكلهم من
السمك وأحياناً من السلاحف وأبقار البحر.
ومع أن
سكان الإمارات أصبحوا يختارون اليوم من مجموعة هائلة من أصناف الطعام
المستورد، فإن بعض الأطعمة الشعبية القديمة لا تزال تحضر بلا انقطاع.
أنواع
المعجنات في الإمارات مثيرة للاهتمام. وهناك أنواع حلوة وأخرى تعتبر
مقبلات مثل اللقيمات والرقاق والمحلاة وغيرها. ولكن ما يؤسف له هو أن
كلا هذه المأكولات التقليدية التي تعد من الطحين أصبحت مهددة بالاختفاء
الآن حيث حل محلها خبز السوبر ماركت أو خبز أفران الوافدين. وقلة من
كبار السن فقط لا يزالون يعرفون طريقة تحضيرها فيما الشباب اللذين
يعيشون في عالم سريع الحركة لا يجدون وقتاً لتحضيرها. والشيء نفسه
ينطبق على المأكولات المحضرة من التمر والقمح.
غير أن
الأكل كتراث يمكن إبقاؤه حياً بفضل المهتمين به، فقد قامت سيليا آن
بروك الأنصاري بجمع الكثير من وصفات الأكلات القديمة ونشرتها في كتاب
"الكامل في مطبخ الإمارات العربية المتحدة". كما يمكن الحصول عليها من
الموقع الإلكتروني:
www.uaeforever.company/dishes.
بعض
الوصفات المكيفة لتناسب هذا الزمن (من "الكامل في مطبخ الإمارات
العربية المتحدة" لسيليا آن بروك الأنصاري)
خبز الرقاق
خبز
الرقاق (والاسم يعني الرقيق) يصنع يومياً في رمضان. كما أنه يكون
محبباً أكثر في الشتاء حيث يؤكل طازجاً وساخناً من على الصاج بعد رش
الزيت عليه ولفه وتقطيعه وغمسه بالعسل.
4
أكواب من طحين القمح الكامل
ملعقة
صغيرة ونصف ملح
ماء
(فاتر من الحنفية)
يوضع
الطحين والملح في ماعون كبير ويضاف الماء بالتدريج للحصول على عجينة
سميكة. يجب عجنها جيداً. وبعد أن تفقد العجينة كل ليونتها يضاف حوالي
كوب واحد من الماء لجعلها لينة قليلاً مع بقائها ذات قوام متماسك. تغطي
بقطعة قماش رطبة وتترك 12 ساعة.
يستخدم
لخبزها - وبدون إضافة أي زيت - صاج سميك من الحديد أو الألمنيوم يوضع
فوق النار. حالما يحمى الصاج، اغمس يدك في الماء ثم اقطع كرة من العجين
وضعها على حافة الصاج وابدأ بمدها بحركة دائرية على باقي الصاج بيدك أو
بسكين عريضة. أعد العجين الفائض الذي يتجمع وسط الصاج مرة أخرى إلى
ماعون العجين لمده في المرة الثانية.
وحالما
تصبح الحواف ذهبية خفيفة يكون الخبز قد نضج. ارفعه عن الصاج بسكين
عريضة.
البثيث
حلوى
عربية من الإمارات ويقدمونه مع القهوة.
4
أكواب طحين قمح
كوبين
وثلاثة أرباع الكوب تمر
ملعقة
صغيرة هال
كوب
وربع سمسم محمص
ثلاثة
أرباع الكوب سمن
حمص
الطحين في مقلاة مع التحريك الدائم لئلا يحترق الطحين. انزع نوى التمر
وشق حباته بيدك. ضعه في ماعون كبير ورش الهال والسمسم فوقه. ثم ابدأ
تدريجياً بإضافة الطحين المحمص والسمن مع مزج المكونات معاً إلى حين
الحصول على مزيج متجانس. يمكن الاحتفاظ بالمزيج أسبوعاً. |