كلام مألوف للآذان، آه؟
صدق أو
لا تصدق، هذا الكلام كتب قبل الآن بربع قرن، منذ عام 1982، بيد الصحفي
الإسرائيلي الملحق بوزارة الخارجية الإسرائيلية عوديد يعنون. وهذه
الطروحات التنبؤية ليعنون كانت مقالة بعنوان "الخطة الصهيونية للشرق
الأوسط" نشرت في مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية
العالمية.
والآن
انتابع ما حصل بعدها بأكثر من عشرين عاماً. الحرب العراقية الإيرانية
التي دارت رحاها لثمانية أعوام وانتهت في 1988 أودت بحياة أكثر من
مليون إنسان غير أنها لم تثمر النتيجة التي يتمانها يعنون. فالعراق بقي
بعدها كياناً قوياً متجانساً. لكن العراق خارت قواه بحدة في 1991 نتيجة
لحرب الخليج التي تسبب بها غزو صدام حسين للكويت. ومع ذلك بقي البلد
موحداً.
وتطلب
الأمر غزواً بقيادة أمريكية واحتلاله لاحقاً في 2003 من أجل زعزعة
العراق وتقسيمه طائفياً. وبالفعل فإن دستوره الجديد يقوم على فدرالية
ضعيفة واستقلال ذاتي جزئي للأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب وأصبح
البلد الآن يعج بالصراغات الطائفية والدينية والعرقية.
ولنتحول الآن إلى سوريا. إذ حتى الغزو الأمريكي للعراق كان بشار الأسد
يتمتع بعلاقات جيدة على نحو معقول مع الغرب، كما يجب أن نتذكر بأن
سوريا قاتلت ضمن التحالف الأمريكي في حرب الخليج. وصوتت سوريا، ولو
بغير رغبة، لصالح قرار مجلس الأمن الدولي الذي سهل الغزو مثلما كانت
شريكاً قوياً في ما سمي "الحرب على الإرهاب."
فجأة
وبدون مقدمات أصبحت سوريا مذنبة في كل شيء. أصبحت متهمة بكل أنواع
"الجرائم" من إخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة وإيواء
المقاومين والإرهابيين والسماح للمقاتلين والسلاح بالمرور دون قيود
للعراق.
ثم
مورست ضغوط كبيرة على سوريا من أجل الانسحاب من لبنان وإنهاء احتلال
الأمر الواقع له بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
والآن تخضع الحكومة السورية لتحقيق دولي لما يقال عن تورطها في حادثة
الاغتيال هذه.
كما
تعمل الولايات المتحدة اليوم بنشاط لإضعاف حكومة الأسد وتدعم أحزاب
المعارضة. وإذا ما نجحت في مسعاها فإن الخبراء يتوقعون لسوريا أن تقع
فريسة الصراعات الطائفية حال العراق.
الاستراتيجيا التي وضعها يعنون كانت تقوم على هذا الطرح: حتى تتمكن
إسرائيل من البقاء يجب أن تتحول إلى قوة إمبراطورية إقليمية وأن تضمن
تفكك كل الدول العربية بحيث تتقسم المنطقة إلى دول صغيرة غير فاعلة ولا
قادرة علة الوقوف في وجه القوة العسكرية الإسرائيلية.
ويصف
الكاتب العالم العربي والإسلامي بأنه بيت مؤقت من أوراق وضعت معاً من
قبل الأجانب وتم تقسيمها عشوائياً إلى دول مستقلة، تتشكل كل منها من
مجموعة من الأقليات الطائفية والعرقية المعادية لبعضها. ثم يمضي يعنون
بعد ذلك لينعي انسحاب إسرائيل من سيناء بموجب معاهدة كامب ديفيد نتيجة
لمافيها من احتياطيات نفطية وغازية وغيرها من الموارد الطبيعية.
ويقول: "لهذا فإن استعادة في سيناء هو أولوية سياسية أعاقتها اتفاقية
كامب ديفيد. ويجب علينا أن نعمل من أجل إعادة الوضع إلى ما كان عليه في
سيناء قبل زيارة السادات ومعاهدة السلام الخاطئة التي وقعناها معه في
مارس 1979."
ويتنبأ
يعنون بأنه إذا ما تم تمزيق مصر، فإن بعض الدول العربية الأخرى لن تبق
على ما هي عليه الآن وستقوم دولة مسيحية قبطية في الوجه البحري. وربما
كان هذا هو الذي جعل مؤسسة راند للبحوث في دراستها التي قدمتها
للبنتاغون عام 2002 برعاية ريتشارد بيرل المحافظ الجديد وصديق إسرائيل
تسمي مصر بأنها "الجائزة."
غير أن
يعنون، فيما يتعلق بمصر، كان مخطئاً تماماً في حساباته. إذ توقع بأن
مصر ستلغ معاهدة السلام مع إسرائيل معطية الفرصة للإسرائيليين من أجل
الدفع بدباباتهم من جديد إلى سيناء وغيرها من المناطق التي يتشوقون
لها. لكن حكومة الرئيس حسني مبارك تمسكت بمعاهدة السلام وأصبحت حليفاً
للولايات المتحدة مع الزمن.
أما
الحل الذي يقدمه يعنون للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتواصل فهو سوق
الفلسطينيين عبر نهر الأردن وتحويل الأردن إلى دولة فلسطينية. كما يرفض
مبدأ الأرض مقابل السلام قائلاً: "لم يعد من الممكن مواصلة الحياة في
هذه الدولة في ظل الوضع الحالي بدون الفصل بين الإسرائيليين
والفلسطينيين، العرب إلى الأردن واليهود إلى غرب نهر الأردن.
"إن
التعايش والسلام الحقيقيان لن يعما الأرض إلى حين يفهم العرب أنه بدون
سيادة حكم يهودي بين النهر والبحر لن يكون لهم لا وجود ولا أمن، لن
يكون لهم دولة وأمن إلا في الأردن."
إن
يعنون وأمثاله يجب أن يخيب أملهم مرة أخرى. فالأردن قد تخلى عن أي
أفكار قومية قبل وقت طويل من وفاة الملك حسين كما أن ابنه الملك عبد
الله هو أشد حلفاء أمريكا في المنطقة.
وفكرة
حشر 4.5 مليون فلسطيني شرق نهر الأردن لم تعد خياراً مطروحاً رغم أنها
بدت كذلك عام 2002 في مقالة للبروفيسور فان كريفيلد نشرها في صحيفة
ديلي تلغراف البريطانية.
في ذلك
الوقت توصل استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب إلى أن 44 في المئة من
الإسرائيليين اليهود يفضلون طرد الفلسطينيين إلى ما وراء نهر الأردن.
كما رأى البروفيسور كريفيلد أن أريئيل شارون أيضاً يفضل هذا الخيار
ونقل عن شارون في مقالته تأكيده على الغالبية الفلسطينية في الأردن
وإشارته للأردن على أنه الدولة الفلسطينية. وقال كريفيلد: "المغزى،
ضرورة ذهاب الفلسطينيين للأردن، واضح."
تيودور
هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، يقول في الجزء الثاني من مذكراته
الكاملة إن أراضي الدولة اليهودية تمتد "من النيل إلى الفرات."
وفي 9
يوليو 1947 قال الحاخام فيتشمان، عضو الوكالة اليهودية، للجنة التحقيق
الدولية الخاصة إن "أرض إسرائيل الموعودة تمتد من النيل إلى الفرات
وتتضمن أجزاء من سوريا ولبنان."
وإذا
ما اعتقد أحد بأن فكرة استعداد الولايات المتحدة لخوض مواجهة إكراماً
لمصالح إسرائيل هي خيالية فما عليه إلا أن يتذكر ما قاله إسحق رابين في
كتابه من أن الحكومة الإسرائيلية هي التي كانت ترسم السياسات الأمريكية
في الشرق الأوسط بعد حرب 1967.
صحيح
أن يعنون لم يضمن مقالته المذكورة هدف الإطاحة بالحكومة الإيرانية،
ولكن لننظر في التصريحات الإسرائيلية مؤخراً بخصوص هذا الموضوع.
قبل
عامين من فتح الإدارة المريكية لنيرانها على إيران وخلال زيارة قام بها
وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز لواشنطن في نوفمبر 2003، قال
للمسؤولين الأمريكيين "إن إسرائيل لن تقبل في أي ظرف أن تمتلك إيران
سلاحاً نووياً."
وفي
الشهر نفسه قال مائير داغان مدير الموساد للجنة برلمانية إن إيران تشكل
"تهديداً وجودياً" لإسرائيل وطمأن أعضاءها أن إسرائيل يمكنها التعامل
مع هذا التهديد.
وفي
العام الماضي صعدت إسرائيل من حدة لهجتها على لسان وزير خارجيتها
سيلفان شالوم وهو يقول أمام الصفيين إن "احتمال امتلاك هذا النظام
الديكتاتوري في إيران قنبلة نويية هو كابوس ليس لإسرائيل فحسب بل ولكل
العالم."
إنها
لمفارقة شديدة العجب أن إسرائيل التي لا تزال تنكر حتى أن لديها
برنامجاً نووياً ولم توقع نهائياً اتفاقية حظر الانتشار النووي لا تزال
منذ سنوات تثير المشكلات لإيران التي إلى جانب كونها موقعة على معاهدة
حظر الانتشار النووي قد وقعت أيضاً وطواعية البروتوكولات الإضافية التي
تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإجراء عمليات تفتيش فجائية
للمواقع النووية الإيرانية.
وتشير
مقالة نشرتها صحيفة ديلي تلغراف البريطانية في 18 فبراير الماضي تحت
عنوان "أمريكا ستساند هجوماً إسرائيلياً على إيران" بوضوح إلى أن
إسرائيل هي من تنسق الهجمة على إيران.
تنقل
المقالة عن جورج بوش قوله "إنني لو كانت الزعيم الإسرائيلي واستمعت إلى
بعض من التصريحات التي يطلقها آيات الله الإيرانيون التي تستهدف أمن
دولتي لكنت أيضاً قد تخوفت بالتأكيد من امتلاك إيران لأسلحة نويية.
وباعتبار أن إسرائيل حليفنا وباعتبار أننا قد قدمنا تعهداً قوياً بدعم
إسرائيل، فإننا سنساند إسرائيل إذا ما تعرض أمنها للتهديد."
بعدها
بعام لم تعد الحكومة الأمريكية تصف الطموحات النووية الإيرانية
المزعومة بأنها تهديد لإسرائيل وإنما تهديد للولايات المتحدة. وبهذا
الشكل أصبح بالإمكان تسويق الإدعاء ضد إيران وعواقبه المحتملة للشعب
الأمريكي. فجأة أصبحت المخاوف الإسرائيلية هي مخاوف الأمريكيين
أنفسهم.
ومثلما
يقول الكاتب دوغ أيرلاند في عمود بعنوان "القصة الحقيقية لشبكة إيباك
التجسسية، المهم هو إيران" فإن "زلة لسان بوش التي كشفت عن نواياه
الحقيقية كانت المانشيت الرئيسي على الصفحات الأولى في صحيفة لوموند
وغيرها من الصحف الوروبية، غير أن أحداً لم يلتفت إليها في كبريات
وسائل الإعلام الأمريكية."
ولأولئك الذين لا يعرفون قصة تجسس إيباك، هذا ملخص عنها. فقد قام
لورانس فرانكلين، المحلل الاستراتيجي الأمريكي الذي يعمل في مكتب
دوغلاس فيث وهو أحد مؤسسي حركة المحافظين الجدد، بتسليم معلومات سرية
تخص إيران لمسؤولين في إيباك، وهي منظمة ضغط أمريكية موالية لإسرائيل.
ثم نقلت هذه المعلومات بعدها للحكومة الإسرائيلية.
عن ذلك
يقول جوستين ريموندو في سبتمبر الماضي: "لم تحظ هذه القضية بالقدر
الكافي من الاهتمام مقارنة بأهميتها الكبيرة. فهذه لا تمثل فحسب المرة
الأولى التي يداس فيها على طرف اللوبي القوي الداعم لإسرائيل في الزمن
الحاضر في الذاكرة. فما حدث هو تعرية لجيش إسرائيل السري القوي داخل
الولايات المتحدة، تلك الكتائب التي تعمل في الخفاء من أبواق دعائية
وجواسيس ممن لا يدافعون عن المواقف الإسرائيلية فحسب بل ويحرفون
السياسة الأمريكية لتناسب الغايات الإسرائيلية وفي سبيل ذلك يخترقون
أكثر الأسرار الأمريكية حماية.
والمثير للاهتمام أيضاً هو أن دوغلاس فيث، رئيس فرانكلين، لم يكن من
أقوى دعاة غزو العراق بل ومن المحرضين على إيران.
فيث هو
أيضاً من واضعي وثيقة سياسية تم إعدادها عام 2000 لبنيامين نتنياهو
بعنوان "الاختراق الناجح: سياسة جديدة لضمان أمن المملكة" توصي من بين
أشياء أخرى بإلحاق هزيمة بسوريا إضافة إلى أنه من الموقعين على وثيقة
"مشروع قرن أمريكي جديد." هذا إلى جونبه من أشد دعاة التدخل المريكي في
الشرق الأوسط وله علاقات قوية بحزب الليكود اليميني الإسرائيلي والمعهد
اليهودي لشؤون الأمن القومي.
ونعود
للسؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تخوض الحروب نيابة عن إسرائيل.
باختصار من غير الممكن تقديم جواب قاطع وربما لن نتمكن من الحصول على
جواب باعتبار أن الرئيس بوش قد أصدر قراراً يحظر الكشف عن أوراقه
وتسجيلاته الخاصة قبل مئة عام.
غير
أننا نعرف شيئاً مؤكداً الآن وهو أن "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط"
التي كتبها عوديد يعنون عام 1982 (وهي موجودة بكاملها على الإنترنت)
آخذة بالتحقق في الوجه الأكبر منها الآن. فهل هذا هو محض مصادفة؟ في
غياب أي دليل يثبت العكس، ليس بوسعنا سوى القول "ربما." |