السيد
الرئيس ...
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
إن
إحدى أهم صفات القائد ، هي إتخاذ القرارات الحاسمة ، وحتى القرارات
الصعبة ، والعودة عن القرارات الخاطئة بدون عقد ، أو إحساس بالإحباط
والخيبة ؛
فالنقد
، والنقد الذاتي ، والإنصياع للمنطق وللواقع ، والعودة عن القرارات غير
الصائبة ، كلها صفات قد تعطي للقائد بعداً إنسانياً ، وعمقاً في
التجربة ، وغنى في الإداء يضيف الى مسيرته نضجاً وشفافية ووضوحاً
وجرأة ، فالإجتياح الأميركي للعراق ، أدى فيما أدى اليه ، الى خسائر
بشرية ومادية فادحة في صفوف أبرياء منهم أطفال ونساء وشيوخ عرباً ،
وكذلك في صفوف جنود التحالف الذين قضوا ضحايا حرب مجنونة ، ووقود قضية
لا يعرفون مبرراتها ، فتساووا بذلك بالبراءة مع أبناء العراق المؤمنين
والشرفاء ؛
هذا
النزيف البشري ، آيل الى الإستمرار ، وهذا الدمار مرشح ، للإستشراء ،
فيما لو أصريتم على قراراتكم وخطاياكم في العراق .
فلقد
أثبت التاريخ ، أيها السيد الرئيس ، إن العراق لا يحكم إلا بأبنائه
الأقوياء ، الذين يستمدون قوتهم من أرض العراق وحضارته ، من دجلة
والفرات ... من تراثه الضارب عمقاً في التاريخ ، المتطلع نحو غدٍ أفضل
؛
العراق
لم يحكم بالإنابة أو بالإنتداب ، أو التعيين ، أو بالقيادات المستوردة
، أو الهجينة والمصطنعة ، العراق ، بلد عصي على القمع والإنكسار ،
ولإدارته لا بد من توافر شروط خاصة ، وقدرات إستثنائية ، وليس أدل على
ذلك من تجربة الحجّاج بن يوسف الثقفى ، وبعده بحقبات تجربة عبد الكريم
قاسم ، وصدام حسين ،
هؤلاء
، وبلا شك ، حفروا في التاريخ العراقي ، سلباً أو إيجاباً ، أما
القيادات المستحدثة ، فلن يكون لها شأن أو تأثير في مسيرة العراق ،
فهذه البلاد هي جزء من حضارة العرب والإسلام ، وستكون ، ممانعة ، أبية
أمام القيادات المرتجلة التي لا تعتنق العروبة أو تنتمي إليها .
السيد
الرئيس
لا شك
أن موقعك في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية ، قد جعل منك أقوى إنسان
على وجه الأرض ، ومنحك قدرة على التحكم بالبحر ، والبر ، وحتى الفضاء ؛
من هذا
الموقع القوي ، أعتقد جازماً إنك تمتلك الشجاعة للإعتراف بالخطأ ،
ولتخفيف الأعباء والخسائر عن جنود أميركا والتحالف أولاً ، والتوقف عن
قتل الأبرياء من المدنيين العراقيين ثانياً .
إن
قراركم سيكون قراراً تاريخياً ، قرار الشجعان ، قرار المؤمن بالله ،
ولن يكون عاراً أو "عيباً" .
فالقائد التاريخي يجب أن يكتسب شجاعة التراجع عن الخطأ ، وسيكون ذلك
شهادة له ، لا شهادة عليه ، وسيحظى هذا الموقف بتقدير وإحترام الشعوب
الأخرى ، وسيكون مقدمة لا بد منها لعقد الود والتفاهم والمحبة بين أمم
الأرض والشعب الأميركي ذو الطبيعة المحببة والسمحة ، والذي كان يحظى
بهالة من التقدير قبل حروبكم على الآخرين وخاصة في العراق .
إنني
أنصح يا سيادة الرئيس ، أن تعقد إتفاقاً وتتصالح مع الواقع ، وتقره
وتعترف به ، فلا يجوز إستبعاد ، أو نبذ ، أو محاربة محور اساسي ورئيسي
في العراق ، وأعني بهم أصحاب الإنتماء العربي ، فالحكم مراس ، والإدارة
هي عبارة عن تراكم خبرة ، وتوارث نهج ، وعرب العراق شكلوا وما زالوا
العمود الفقري للسلطة والإدارة على مدى أزمان متعاقبة ؛
إن من
شأن تسليم مقاليد الأمور لأصحابها الفعليين في العراق سيجعل من أرض
دجلة والفرات ، أكثر الأصقاع أمناً وسلاماً وإستقراراً .
إنها
خطوة شجاعة وإستثنائية ، تمليها ظروف العراق الإستثنائية ، وستكون
المقدمة التي لا بد منها لإستتباب علاقة طبيعية وآمنة بين شعبكم والشعب
العراقي.
(أجد
نفسي مضطراً ، وسط حمأة التفتت المذهبي في العراق ، أن أوضح ، إنني لا
أقرّ أي شكل من أشكال التطيّف في الإسلام ، إلا أنني أورد وقائع سياسية
وتاريخية لا يمكن تسميتها إلا بمسمياتها الحقيقية ، فعذراً).
السيد
الرئيس
قد لا
تشاطرني الرأي عينه ، وقد لا توافقني حول مسائل عديدة ، ولك مبرراتك
الشخصية بذلك ، ولكنني أنصح وبشدة أن تتم المصالحة ، ويعقد الإتفاق ،
إن أردته حقيقياً ، ودائماً ، وسارياً ، وموضوعياً ، مع التيار القومي
العربي ، وأصحاب الجذور العميقة في أرض العراق الحبيب ، أي مع أولئك
الذين تمتد جذورهم الى الخلفاء الراشدين ، دون أن يعني ذلك إسقاط واقع
وحيثيات ومكوّنات وخصوصيات الوطن العراقي لأن النهج القومي العربي
وبرحابته المعروفة يستطيع إحتضان كل تطلعات وآمال وواقع الأطياف
العراقية المتنوعة .
هذه
إستشارة ونصيحة بلا مقابل ، وبلا هدف معيّن سوى الرغبة الصادقة بإنقاذ
الشعب العراقي الصابر ، المؤمن ، وإنقاذ أرواح جنود التحالف الأبرياء
.
في
المحصلة النهائية إن تاريخ العراق ، وحضارته ، موقعه ، أهميته ، تراثه
، يستحقون منكم وقفة جدية ، ورؤية سليمة ، وليس إلتفافاً على واقع أدى
فيما أدى اليه الى تنصيب دمى ، وإستنباط رموز وقوى لا حيثية لها ولا
جذور ولا تاريخ ، للتسلط على الشعب العراقي وطمس هويته الفعلية .
خلف أحمد الحبتور
|