بقلم بن
سمولي
جهود
دبي للتحول إلى مركز مالي عالمي بدأت تتضح أكثر فأكثر مع تأسيس مركز دبي
المالي العالمي. وفي التقرير التالي نرافق بن سمولي للتعرف على أحدث
التطورات في ذلك الميدان.
يعتبر
نجاح الجهود المبذولة لتنويع اقتصاد دبي لمواجهة تدني الاحتياطات النفطية
واحدة من أبهى قصص النجاح المعاصرة في المنطقة. فانطلاقاً من السياحة،
الإعلام، تكنولوجيا الإنترنت والعناية الصحية، أدرك حكام دبي بثاقب
رؤيتهم المجالات المناسبة للتطوير والاستثمار، والتي رسخت صيت المدينة
التي غدت مركز الأعمال الأكثر تجديداً ونبضاً بالحياة في الشرق الأوسط.
ودبي
التي لا تقبل النوم على أمجادها، تواصل العمل الجد لإنجاز مشروعها الضخم
التالي – تأسيس مركز مالي عالمي المستوى ليشكل جسراً يربط بين كبريات
المراكز المالية في أوروبا، مثل لندن وفرانكفورت، وتلك الموجودة في الشرق
الأقصى مثل سنغافورة وطوكيو وهونغ كونغ. ومركز دبي المالي العالمي – أو
DIFC
كما أصبح معروفاً باللغة الإنجليزية، يطمح لأن يصبح مركزاً عالمياً
مختاراً للمؤسسات المالية، وذلك بوضع نظم وآليات سوق عالمية المستوى
لمنطقة شاسعة تشمل مجلس التعاون الخليجي، شبه القارة الهندية، شمالي
الخليج، دول بحر الخزر، دول المشرق وشمالي وشرقي أفريقيا.
المرحلة
المبدئية من الحي المالي في دبي، أي الجاني الإنشائي في المشروع، يتم
تشييدها على الأرض المجاورة لأبراج الإمارات، ويتوقع إنجاز مبنى المقر
الرئيسي للمركز – الذي أطلق عليه اسم البوابة – في يوليو 2004. ويقول
ناصر نابلسي كبير المسؤولين التنفيذيين للمركز "نحن نحقق تقد\ماً طيباً،
وأنا أتوقع إنجاز المبنى حسب الخطة. لقد بذل الاستشاريون والمقاولون
والهيئات الحكومية، وكذلك زملائي في مركز دبي المالي العالمي جهوداً
مضنية للوصول لهذه النقطة بهذه السرعة.
"ستصبح
البوابة معلماً وطنياً. وهي رمزية في الاسم والتصميم لأنها تجسد الرؤيا
التي تقف وراء
DIFC:
تحويل دبي إلى البوابة الإقليمية التي تعبر من خلالها رؤوس الأموال
والاستثمارات إلى المنطقة ومنها."
وستكون
البوابة البناية الرمز لمدينة دبي المالية – المدينة ضمن المدينة، وقد
كان تصميمها الأيقوني موضوع منافسة عالمية فاز بها الاستشاري الأمريكي
"جنسلر" في سبتمبر 2002. ويمكن وصفها بأنها قوس احتفالي هائل يتكون من 15
طابقاً تضم 46.000 متراً مربعاً من المكاتب الفخمة، ومحلات للتجزئة في
الطابق الأرضي، إضافة إلى ثلاثة طوابق تحت الأرض لمواقف السيارات تتسع
لحوالي 1.500 سيارة. وتقع مكاتب
DIFC
التنفيذية في أعلى طابقين، على مساحة 7.000 متر مربع، فيما يحتضن المبنى
كذلك البورصة الإقليمية التي سوف تحتل طابقين مساحتهما تقارب 2.00 متر
مربع.
ويشير نابلسي إلى أن مركز دبي المالي العالمي سيبدأ أعماله أولاً
بالتركيز على خمسة نشاطات أساسية في مجال صناعة التمويل هي: إدارة
الأصول، التمويل الإسلامي، التأمين وإعادة التأمين، عمليات الدعم
الإداري، وتأسيس سوق مالي إقليمي لتشجيع بروز سوق فاعل وعابر للحدود لرأس
المال السائل.
يقول
نابلسي: " إضافة لجذب اللاعبين الرئيسيين في هذه المجالات الخمسة بشكل
فاعل, سيكون مركز دبي المالي العالمي مفتوحاً أيضاً أمام القطاعات الأخرى
في التمويل المؤسسي كما سيكون أفضل موقع إقليمي لإنشاء وحدات أعمال دولية
للمصارف التجارية والمصارف الاستثمارية ومؤسسات التمويل بالجملة وشركات
إدارة الصناديق.
"
كما سيستضيف مركز دبي المالي العالمي أيضاً موردي خدمات الخبرة ذات
الأهمية البالغة لتطوير قطاع التمويل الإقليمي مثل وكالات تصنيف الدَّين
وشركات تقديم الخبرة والشركات القانونية وموردي خدمات المعلومات."
وقد
حصل مشروع المركز على دفعة دعم ضخمة في يوليو الماضي حينما أقرت حكومة
الإمارات العربية المتحدة مرسوماً اتحاديا يسمح بتأسيسه الكامل. وبمقتضى
دستور الإمارات، لا يزال قرار الحكومة بحاجة لمصادقة المجلس الاتحادي
الأعلى.
يقول
فيليب ثورب المدير التنفيذي الأول للهيئة التنظيمية لمركز دبي المالي
العالمي: "إن المرسوم الاتحادي هو خطوة دستورية غير مسبوقة لأنه يعطي
مركز دبي المالي العالمي درجة استثنائية من السيادة. وهذا بدوره سيوفر
للمركز موقعاً فريداً في الاقتصاد العالمي ليقف على قدم المساواة مع
المراكز الأخرى خارج الإمارات بشكل يجعله قادراً على جذب الأعمال من
كبريات المصارف ومؤسسات التمويل في العالم.
المرسوم الاتحادي هو مرسوم ’عام‘, يسمح بتأسيس مناطق مالية حرة في
الإمارات. ولهذا فإن مركز دبي المالي العالمي يحتاج إلى جانب مصادقة
المجلس الاتحادي الأعلى مرسوماً خاصاً لتأسيسه الكامل ومباشرة أعماله.
يضيف
ثورب: " يحتاج مركز دبي المالي العالمي أيضاً سنَّ قانونه التنظيمي
وقانون الشَركات حتى تكون له القاعدة القانونية لمنح تراخيص العمل
للمؤسسات المالية. القانون التنظيمي والقانون الشَّركي اكتملا الآن، كما
أن هناك حوالي 12 قانوناً آخر في مراحل الإعداد النهائية وسيتم التقدم
بها في الشهور القليلة المقبلة."
وقد
عبرت حتى الآن أكثر من 30 من كبريات المؤسسات المالية في العالم عن
اهتمامها بتأسيس فروع لها في مركز دبي المالي العالمي. بل إن أربعة منها
تقدمت فعلياً بطلبات للحصول على تراخيص عمل - حتى قبل الشروع في عملية
منح التراخيص- وينتظر أن تحذو العديد من الشركات الأخرى حذوها.
يقول
ثورب: " لم يسبق أبداً أن تم وضع إطار عمل قانوني وتنظيمي كامل لمركز
مالي دولي انطلاقا من الصفر مثلما لم يسبق أن حدث ذلك بمثل هذه السرعة.
لقد كنا أحراراً في اختيار واعتماد أفضل الممارسات المتبعة في كبرى
المراكز المالية في العالم وفي أن نتجنب عيوبها أيضاً.
"والنتيجة هي أن البيئة القانونية والتنظيمية ستوفر للمؤسسات المالية
الشفافية والثقة والسهولة التي تتطلبها في تعاملاتها كما ستمنح أيضاً
الهيئات القضائية والدولية الثقة بأن مركز دبي المالي العالمي سيكون
إضافة تتصف بالمصداقية المطلقة بين صفوفها."
استفاد مركز دبي المالي العالمي من بعض أكبر اللاعبين في عالم التمويل
لضمان أن يفي مشروعه بالمتطلبات القانونية والتنظيمية الصارمة لأي مركز
مالي عالمي، ومن بين ذلك تعيين لنتون جونز رئيساً لسوق دبي المالي
الإقليمي. ويعتبر جونز،
59
عاماً، واحداً من أكثر خبراء الأسواق المالية خبرة في أوروبا حيث سبق له
أن أدار أسواقاً متخصصة في الأسهم والمشتقات ومنتجات الطاقة، إضافة
لخبرته المتميزة في إطلاق المشاريع الجديدة مثل فروع العمليات الأوروبي
لناسداك وسوق جايواي، وهو سوق الأسهم الأوروبي الإلكتروني الذي يستهدف
مستثمري التجزئة، وخبرته في إدارة مشاريع التغيير في أسواق الأسهم
الراسخة، ومن أبرزها سوق لندن للأسهم والسوق العالمي لخام النفط.
يقول
جونز معبراً عن استمتاعه بمواجهة التحديات التي تنتظره: " إن أكثر ما
جذبني في أن أكون رئيساً لسوق دبي المالي الإقليمي المنتظر هو الفرصة
التي يتيحها لي ذلك لبناء شكل جديد ومبتكر جداً من الأسواق المالية
انطلاقا من الصفر. فهذا السوق سيكون إلكترونياً بالكامل ولن يكون مقتصراً
على نوع واحد من المنتجات. بل يمكن أن يغطي على سبيل المثال، المشتقات
والأسهم والسندات وغيرها من المنتجات.
"سنكون مكملين للأسواق الأخرى في المنطقة ونتوقع من الآخرين أن يسايرونا
في النمو ونحن نعمل على تنمية سوق إقليمي. كانت مهمتي الفورية حين بدأت
عملي في سبتمبر الماضي أن أعمل على إعداد نموذج نهائي نضعه أمام مجلس
إدارة مركز دبي المالي العالمي وأن أبادر بإجراء المناقشات مع الشركاء
المحتملين ثم أبدأ بتوظيف الكوادر لسوق دبي المالي الإقليمي."
إن
إحدى أهم المزايا المبتكرة للسوق الجديدة هي مقدرتها على التعامل مع
التجارة بمجموعة واسعة من الأدوات الاستثمارية - المشتقات إضافة للأسهم
والسندات- بدلاً من منتج وحيد أو عائلة من المنتجات وهو ما تختص به معظم
الأسواق.
الميزة الكبيرة الأخرى هي أن كل القوانين والنظم التي تحكم عمل هذه السوق
ستكون واضحة مسبقاً للمصارف والمؤسسات المالية الدولية الكبرى. ذلك أنه
قد جرى إرساؤها عمداً وفق التشريعات الناظمة الراهنة مثل تلك المتبعة في
مدينة لندن، بل إنها قد صيغت بالإنكليزية لتكون متاحة لها فوراً.
وفي
سياق جهوده التسويقية، التفت مركز دبي المالي العالمي إلى هوليود بتعاقده
مع شركة ريدلي سكوت أسوشييتس - وهي التي أنتجت أفلاماً من مثل ’المصارع‘
و ’بلايد رانر‘ و’سقوط بلاك هوك‘- لتنتج فيلماً ترويجياً ينقل لمشاهديه
إثارة إطلاق مركز مالي إقليمي قادر على أن يتحدى وول ستريت ولندن – وأن
يبزهما في النوعية وإن لم يكن في الحجم. |