سجن
الظواهري باعتباره شريكاً في التآمر على اغتيال أنور السادات – الذي
اعتبره الإخوان خاضعاً بشدة لنفوذ الولايات المتحدة. وخلال فترة
اعتقاله، تبلورت لديه خطة تغيير عالمه بالسيف.
المعلم
الأول للمحافظين الجدد
في
الفترة نفسها كان يشارك سيد قطب قرفه من حالة المجتمع – ودون أن يشعر
بذلك في حينها – أستاذ جامعي يهودي اسمه ليو شتراوس. وكان ستراوس يلقي
محاضرات على طلبته في جامعة شيكاغو مؤداها أن "المجتمع المتحرر المزدهر
الذي يعيشون فيه يحمل بذور دماره."
ما لبث
شتراوس الهادئ والمتواضع الذي يكره الأضواء أن غدا المنظِّر
الإيديولوجي لما أصبح يعرف باسم حركة المحافظين الجدد، وأسهم طلابه في
نقل أفكاره ونشرها في كل الجهات.
يقول
هارفي مانسفيلد، أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد، إن شتتراوس كان يؤمن
بأن الليبرالية الغربية ستقود إلى العدمية. وهو يقول إن المجتمع الغربي
"مرّ بمرحلة تطورت أخذت كل الفضائل والخصائل الحميدة من الإنسان،
وحولتنا لقطعان من الحيوانات – وإلى مجموعات من الأقزام الصغيرة
المريضة التي ترضى بحياة خطيرة كل شيء مسموح فيها وتخلو من أي شيء
حقيقي."
ومثلما
فعل سيد قطب في تصنيفه المجتمع بين ’الطيب والشرير‘، كذلك فعل شترواس.
وكان شديد الإعجاب بالتلفزيون، يهرع للبيت كي يشاهد حلقات "دخان المسدس
–
Gunsmoke
" وهو من مسلسلات الغرب، وكان يره أنه يترك أثراً إيجابياً على
المشاهدين، حيث ينتصر الخير ويموت الشر.
وكان
من بين برامجه المفضلة برنامج بيري ميسون، الذي كان يقول لطلابه إنه
يجسد الدور الذي ينبغي عليهم هم – النخبة – أن يلعبوه."
كان
عليهم، علناً الترويج للخرافات الضرورية لإنقاذ أمريكا من الخراب لكنه
لم يكن عليهم، بينهم وبين أنفسهم أن يؤمنوا بتلك الخرافات. ولقد كان كل
من قطب وشتراوس يؤمنان بأن النزعة الفردية تشكل قوة تخريبية تلتهم
الصالح العام.
وأشار
البرنامج إلى أنه "في أوائل السبعينيات، تركزت على أيرفينغ كريستول
أنظار جماعة من المفكرين الساخطين في واشنطن، ممن عزموا على معرفة
أسباب فشل السياسات الليبرالية. وقد وجدوا الإجابة في نظريات ليو
شتراوس.
"وقد
شرح شتراوس أن جوهر الفكرة الليبرالية، ألا وهو الإيمان بالحرية
الفردية،هو بذاته ما يسبب الفوضى، لأنه ينسف الإطار الأخلاقي المشترك
الذي يربط المجتمع. فالأفراد يركضون وراء تحقيق مصالحهم الشخصية
الأنانية، وهو ما يقود حتماً إلى الصراع.
"ومع
نمو الحركة، قدم إلى واشنطن كثير من الطلاب ااشباب الذين درسوا أفكار
شتراوس للانضمام إلى الجماعة. بعضهم، مثل بوب وولفوويتز، النائب السابق
لوزير الدفاع الأمريكي، مدير البنك الدولي حالياً، درسوا أفكار شتراوس
في جامعة شيكاغو، حيث أصبحت الجماعة تعرف باسم المحافظين الجدد."
خطط
المحافظون الجدد بدقة شديدة "لإعادة خلق أسطورة أمريكا كأمة فريدة قضى
لها قَدَرُها أن تصارع الشر في العالم" في الوقت الذي أملوا فيه بإيقاف
العفن الليبرالي الذي يخرب الأمة. وكان مصدر الشر، الذي لا بد من وجوده
للمشروع، عدو أميركا في حقبة الحرب الباردة، الاتحاد السوفييتي.
"تلك
المعركة الدراماتيكية بين الخير والشر كانت هي بالضبط من نوع الأسطورة
التي علم شتراوس تلامذته بأنها لا بد منها لإنقاذ الأمة من الخراب
الأخلاقي. قد لا تكون صحيحة، لكنها ضرورية لإعادة ربط الشعب برؤيا كبرى
حول قدر أمريكا، ولإكساب حياتهم المعنى والهدف.
كان
المحافظون الجدد يحققون النجاح في خلق حكاية مبسطة للغاية: رؤية
الاتحاد السوفييتي كمركز لكل أنواع الشرور في العالم وأمريكا، الدولة
الوحيدة القادرة على إنقاذ كوكب الأرض."
في عام
1976، قال دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، والمعروف بأنه من
متشددي المحافظين الجدد "الاتحاد السوفييتي مشغول جداً. مشغول في ميدان
الأسلحة الجديدة التي ينتجونها، مشغولون للغاية في مجال توسيع قدراتهم
على تحقيق تقدم متواصل في تلك الأسلحة. لكن المخابرات المركزية
الأمريكية والوكالات الأمريكية الأخرى لم تتفق مع ذلك ووصفت تحليل
رامسفيلد بأنه خيال صرف.
"إلا
أن رامسفيلد نجح في اقناع الرئيس فورد باجراء تحقيق مستقل. وقال إنه
سيثبت أن هناك تهديداً خفياً لأمريكا." وبعدئذ سيقوم بإجراء التحقيق
مجموعة من المحافظين الجدد بقيادة بول وولفوويتز.
في نفس
الوقت كان تأثير سيد قطب ينتشر أيضاً. ومع بداية ثورة آية الله الخميني
في إيران عام 1979، ظهر وجه سيد قطب على واحد من أول طوابع البريد
الصادرة هناك. وفي أول خطاب وجهه الخميني للغرب قال: "أنتم الذين
تريدون الحرية لكل شيء، الحرية التي ستفسد دولتنا، وتفسد شبابنا،
والحرية التي ستمهد الطريق أمام القمح- الحرية التي ستجر بلدنا إلى
الهاوية."
ثم،
وفي ذلك الوقت كانت الحركة الأصولية المسيحية تعيش مرحلة صعود نجمها في
الولايات المتحدة، إلا أن قادتها أمروا بعدم التصويت "لأن ذلك سيعني
المساومة مع مجتمع محكوم بالانهيار وموسوم باللاأخلاقية. لكن المحافظين
الجدد وحلفائهم الجمهوريين أقاموا أيضاً تحالفاً مع عدد من المبشرين
الأقوياء الذين طلبوا، وللمرة الأولى، من أتباعهم أن ينخرطوا في
السياسة". وتلك الجماعة تشكل الآن القاعدة الأساسية التي تدعم الرئيس
جورج بوش، ويعود الفضل في تحقيق انتصاراته الانتخابية للمسيحيين
الأنجليكانيين والمعمدانيين الجنوبيين.
استبدال
عدو بآخر
عندما
انهار الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف، اعتبر الأمر انتصاراً
للمحافظين الجدد. وانبثاقا من ذلك الانتصار برزت الأسطورة التي تغذي
طموحهم اليوم: "فعبر الاستخدام العدواني للقوة الأمريكية يمكنهم تحويل
العالم ونشر الديموقراطية. لكن في واقع الأمر، كان انتصارهم وهماً.
فلقد قهروا عدواً هو مجرد شبح، مجرد خيال مشوه مبالغ في حجمه، خلقوه في
أخيلتهم. والسبب الحقيقي لانهيار الاتحاد السوفياتي هو أن النظام فيه
كان مصاباً بمرض الشيخوخة، ويتعفن من الداخل". |