كانت
إباحة استخدام
القهوة على يد
ذلك الإمام
العالم
في اليمن،
كافية لتنتقل
إلى كافة أرجاء العالم الإسلامي. وقد شاع استخدامها حوالي عام 1510 في
الأحياء اليمنية في القاهرة
بين
المصلين في المساجد، الذين يمضون لياليهم في التعبد. كما سجل مع نهاية
القرن الخامس عشر، أن القهوة قد وصلت إلى مدينتي مكة والمدينة المكرمتين.
وقد بلغ إعجاب أهل مكة بالشراب الجديد، بغض النظر عن استخدامه في
العبادة، حداً جعلهم يحتسونه في خانات القهوة، حيث بدأ الناس يتجمعون
لمناقشة الأخبار والأعمال. كما انتشرت القهوة في المدينة المنورة في نفس
الوقت.
في ذلك
الزمن (حوالي عام 1511م) كان خير بيك
حاكماً لمكة من قبل سلطان مصر. ويقال إنه كان
رجلاً صارماً،
ولم يكن، لسوء الحظ، يعلم عن انتشار القهوة
الواسع
بين سكان مكة. وبينما
كان يغادر المسجد ذات ليلة عقب أداء الصلاة، لاحظ وجود مجموعة من الناس
على وشك احتساء القهوة لقضاء ليلهم في الصلاة. في البداية ظن أنهم يحتسون
الخمر، ثم دهش عندما عرف عن القهوة وانتشارها الواسع في مدينة مكة.
وبعد
أن أبعد المصلين عن المسجد، قرر أن يبدأ تحقيقاً في استخدام القهوة
كمشروب، وإمكانية أن
يدفع
الرجال والنساء
نحو التبذير والمغالاة، وهما أمران يحرمهما القانون.
في اليوم
التالي، دعا إلى اجتماع كبار
وجهاء مكة
لمناقشة استخدام القهوة كمشروب.
فتحدث
بعض
الحضور لصالح
المشروب، بينما حرّض بعضهم الآخر على منع القهوة نهائياً، بسبب حكمهم
المسبق عليها، أو عدم معرفتهم الكافية.
وبناء
على نصيحة المجلس الاستشاري، قام الحاكم بمنع استخدام القهوة، وصدر قرار
يغلق المقاهي، وقع عليه غالبية الحاضرين، ثم أرسل إلى السلطان في القاهرة
للحصول على موافقته.
رغم ذلك،
لم يدم انتصار أعداء القهوة طويلاً، إذ أن السلطان لم يوافق على قرار
حاكم مكة، وأمر برفع الحظر عن المقاهي بشكل فوري. إذ كيف يجرؤ على تحريم
مشروب وافق عليه كبار أطباء القاهرة، الذين تحمل آراءهم وزناً أكثر من
أولئك الذين في مكة، والذين لم يجدوا في شرب القهوة ما يخالف القانون؟
صدم خير بيك
عند استلامه هذا
التوبيخ من
السلطان، وتم رفع الحظر المفروض على المقاهي فوراً.
وعندها،
أصبحت القهوة مشروباً معترفاً فيه في مكة،
ولا يعارضه أحد،
واستمر أهل مكة في شربها في البيوت والمقاهي.
إن
إحدى أهم الحقائق في
تاريخ القهوة هي أنها حيثما وجدت، كانت
تخلق
ثورة. كانت القهوة من أكثر المشروبات تطرفاً في العالم،
لأنها
دائماً تجعل
الناس يفكرون. وعندما يبدأ الناس في التفكير، يصبحون خطرين على الحكام،
وعلى أعداء حرية الفكر والتصرف. تمت محاولات كثيرة متكررة لمنع المقاهي
من القاهرة إلى القسطنطينية
باعتبارها أمكنة يتم فيها التحريض على العصيان،
إلا أن استخدام القهوة استمر في انتشاره المتزايد في
مختلف أنحاء
العالم الإسلامي.
بعد غزو
مصر، قدم
السلطان
سليم الأول القهوة إلى
القسطنطينية.
دخلت القهوة إلى سوريا لتصبح مشروباً شعبياً
بحلول عام
1530، ووصلت
حلب عام 1532.
وقد انتشرت
المقاهي في دمشق وغيرها
من مدن
الإمبراطورية
العثمانية.
كانت أقدم
المقاهي مزودة بجميع المفروشات وسبل الراحة، وقد شكلت خلفية حرة للتفاعل
الاجتماعي، والنقاش الحر.
وكان يلتقي
فيها الحقوقيون، الطلاب، والمسافرون الذين كانوا يسافرون ليلاً لتجنب
حرارة النهار،
حيث كانوا يتناولون
القهوة. أما
بالنسبة للصائغين
والحرفيين والفنانين، وكل الذين يعملون لساعات متأخرة،
فقد
أصبحت القهوة أهم مشروب
لديهم. وأقبل
الناس من جميع المستويات الاجتماعية
على
تناول القهوة بحماس كبير.
فانتشرت
المقاهي
بأعداد تناسب الطلب.
وفي
ذلك الوقت، بلغت شعبية القهوة حداً أصبح
تناولها يشكل أرضية قانونية شرعية
للطلاق
عند الأتراك إذا منع الزوج زوجته من احتسائها! |