وفي
المرحلة التالية من حياته، عندماً يغدو الطفل ولداً يافعاً، يرى الغزالي
أن التعليم يجب أن يعده للالتزام بقواعد النظافة الشخصية.، وأن يتعلم
ويراعي النصوص المقدسة، وأن يصوم خلال شهر رمضان المبارك. كما أن الفرد
الصالح لا يجب أن يتزين بالحرير والذهب، وعليه أن يتجنب جمع الثروات من
مصادر غير نظيفة، وألا يسعى لصحبة العظماء. وأضاف الغزالي أن على الطفل
ألا يصاب بالخيلاء ولا يحسد الآخرين. وكتوجيه عام، أشار الغزالي إلى أن
على الطفل أن يعامل الآخرين كما يحب أن يعاملوه، وأما بالنسبة لعلاقة
الطفل بالخالق، فعليه أن ينظر إليه كما يريد من خادمه النظر إليه هو لأن
كل فرد في النتيجة يجب أن يخدم الرحمن.
وفلسفة
الغزالي بشأن التعليم مبنية على مبدأ الارتقاء الذاتي للعثور على
الحقيقة. وذلك الارتقاء هو نتيجة أمرين: العلم الذي يتلقاه وتوجيهات
المعلم. فالتعليم بالنسيبة للغزالي يمكن مقارنته بجهد المزارع في عزق
الأعشاب الضارة وتقليم النباتات لكي تعطي محصولاً جيداً. فهناك في كل
طفل معرفة مستترة تساعده على النمو والحياة، لكن الطفل لا يمكن أن يتطور
من دون معلم، ولا أن يستخدمن طاقاته بأفضل ما يمكن.
وأخيراً،
وليس آخراً، أعطى الغزالي أهمية خاصة للترويح عن النفس. ونصح بأنه، وبعد
يوم من الدراسة، يجب أن يسمح للطفل باللعب والمرح. وحرمانه من هذه
الأنشطة قد يكون له أثر عكسي على تعليم الطفل لأنه قد يؤدي لجفاف روحه
ورتابة تفكيره.
مسؤولية المعلم
يشدد
الغزالي في كتاباته، وفي مناسبات مختلفة، على المهمة العظيمة للمعلم. فهو
يقول "إن المعلم الذي يأخذ على عاتقه تعليم الأطفال وإعدادهم لرحلة
الحياة، إنما يقوم بواجب عظيم." فكما يتوجب عليهم احترامه على الدوام،
عليه أن يكون لطيفاً معهم وأن يعاملهم كما يعامل أولاده. ولا ينبغي عليه
أن يشعرهم بالخجل عبر الانتقاد المباشر، لأن ذلك ليس مجدياً. وإنما عليه
أن يضرب لهم الأمثال ويعلمهم مستخدماً الفرضيات، وبطريقة تجعلهم يشعرون
بالرضا تجاه عملية التعليم.
ويجب على
المعلم أيضاً أن يتصف بالمرونة تجاه كل تلميذ، فيعلمه حسب استعداده
الشخصي وأن يوجهه، متجنباً الإفراط في السرعة أو في البطء لكي يتجنب أن
يصلوا للملل من الدروس. ويجب على المعلم ألا يفقد الأمل بالطالب البطيء،
لأن التعلم هو عملية تكيف مع أشياء جديدة، ولذا فالبعض يكون تكيفهم معها
أبطأ من غيرهم. وينبغي تشجيع كل تلميذ، وبغض النظر عن بطئه أو سرعته في
التعلم، لأن تثبيط العزيمة سيجعل الطفل يفقد الطاقة المستترة يستطيع
الأستاذ أن يساعد الطفل على جني ثمارها، مثلما هو حال المزارع.
وبصورة
عامة، ينبغي على المعلم أن يتولى مسؤولياته طبقاً لبعض المبادئ الأساسية.
وأولها، كما ألمحنا، هو أن المعلم هو تجسيد لصورة الأب بالنسبة لتلاميذه.
وعليه أن يتولى التعليم دوماً بنية خدمة الله عز وجل. ولذا يتوجب عليه أن
يعلم تلميذه باهتمام وتفهم، وأن يهدئ من رغبة الطفل في التعلم السريع.
وإذا أراد تأديب الطفل، فعليه تجنب ذلك علانية، بل يقوم بالأمر بينه وبين
الطفل لكي لا يسيء لسمعة الصغير ولثقته بمعلمه. وأي تصرف معاكس سينتج عنه
تلميذ بعيد عن المرونة، مستعد للقيام بأي شيء يثبت فيه أنه على حق، لكي
يحمي كرامته.
لقد كان
التعليم والتعلم هما خلاصة حياة الغزالي. فالسنوات التي قضاها في المدرسة
النظامية كانت أكثر سنوات حياته إنتاجاً وسعادة. فعناك عرف كيف يكرس نفسه
للتعليم، لكنه في الوقت نفسه كان يهتم بالفلسفة وبزملائه من المفكرين
الإسلاميين مثل الفارابي وابن سينا.وقد تميزت المرحلة الثانية من حياته
بالاكتئاب، حيث مرّ بأزمة روحية شخصية. وعنها توقف عن التعليم وغادر
بغداد، متخلياً عن واجباته اليومية لمدة عامين سافر خلالهما إلى سوريا
وفلسطين وقام بالحج إلى مكة المكرمة. وبعد ذلك،عاد الغزالي إلى طوس، حيث
واصل بعض أنشطته العلمية. ثم دعي للعودة للمدرسة النظامية، فقبل الدعوة
وعلّم لبعض الوقت قبل أن يقفل عائداً إلى طوس حيث عاش فيها حتى وفاته.
لقد كان الغزالي مصلحاً في يوم وعصر كان يصعب فيه كثيراً
القيام بالإصلاح. فالاتصالات كانت بالغة الصعوبة تلك الأيام. ورغم ذلك،
ترك تفانيه في تعليم وتربية الأطفال بصمة واضحة في النظام المدرسي
الإسلامي قروناً عديدة. وبالإضافة لاهتمامه بالتعليم، كان الغزالي قاضياً
شهيراً وأحد علماء الدين المعدودين في تلك الحقبة من العصر الإسلامي.
|