قتلت
مجموعة من
الإرهابيين الأمريكي اليهودي روبرت جاكسون، الذي يعمل في شركة فينيل
العاملة في مجال التعاقدات الدفاعية، بإطلاق النار عليه في العاصمة
السعودية الرياض يوم 6 يونيو الماضي. وفي العام الماضي قتل سبعة موظفين
في شركة فينيل بتفجير انتحاري استهدف مجمعاً سكنياً للأجانب. فلماذا
استهداف فينيل؟
تقول
الكاتبة ماريان ولكنسون في صحيفة سيدني مورننغ هيرالد: "... هناك شيء
وراء الهجمات في الرياض بسبب أهدافها، وتحديداً شركة فينيل... إن القاعدة
تكن عداء خاصاً لفينيل لأن هذه الشركة الأمريكية تقوم بتدريب قوات الحرس
الوطني، وهي قوات الأمن الداخلي للبلاد وجزء مكمل للقوات المسلحة..." لكن
ربما يكون هناك سبب آخر وراء الكراهية لفينيل من جانب أعداء الإدارة
الأمريكية الحالية. فمرتزقة فينيل يعملون في العراق أيضاً كما كان لهذه
الشركة علاقة قوية مع الرئيس الأسبق جورج بوش الأب.
قلة
هم من يعرفون أن فينيل بيعت عام 1992 لمجموعة كارلايل، التي تشبه قائمة
أعضاء مجلس إدارتها موسوعة لرؤساء وسياسيين سابقين ورجال أعمال كبار. ومن
بين هؤلاء: الرئيس جورج بوش الأب، الرئيس جورج بوش الابن، فرانك كارلوتشي
(وزير الدفاع السابق للرئيس رونالد ريغان)، جيمس بيكر (وزير خارجية
الرئيس جورج بوش الأب)، رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجور، رئيس
وزراء تايلاند السابق أناند بانياراتشون، رئيس الفلبين السابق فيدل
راموس، وريتشارد دارمان الذي تقلد مناصب سياسية عدة في عهود أربعة رؤساء
أمريكيين.
مجموعة كارلايل، التي توصف بأنها بنك عالمي خاص ضخم لتجارة الأسهم، كانت
دوماً تمثل عملية سرية مهتمة بجمع المال من أفراد بالغي الثراء للاستثمار
في الشركات التي تشتريها بنذر يسير من قيمتها الفعلية. وتبدأ المناورة
بهذه الشركات حيث يديرونها بأنفسهم خصوصاً وأنها ليست خاضعة لقوانين
الأوراق النقدية والأسهم باعتبارها ذات إدارة خاصة. ثم تباع هذه الشركات
بالفعل بعد أن تحقق كارلايل أرباحاً ضخمة. اليوم أصبحت كارلايل، التي
يوجد مقرها العام في واشنطن، مستثمراً رئيسياً في الشركات الدفاعية
والفضائية وأكبر 11 شركة تعهدات عسكرية في العالم. هدف المجموعة هو تحقيق
إيرادات عالية جداً مع الاحتفاظ بدرجة عالية من السيطرة على الشركات التي
تديرها.
وكان
ديفيد روبنشتاين، أحد مساعدي الرئيس جيمي كارتر الشبان، قد أسس هذه
الشركة الغامضة في واشنطن عام 1987 بالشراكة مع أحد عباقرة العمليات
الضريبية ستيفن نوريس. وكان الأخير قد أكتشف ثغرة ضريبية حيث كان من
الممكن بيع الشركات الخاسرة في ألاسكا إلى الشركات الرابحة لتكون "ملجأ
ضريبياً" لها. واستطاع الاثنان في فترة قصيرة جداً تحقيق أرباح بلغت 20
مليون دولار. أما دخولهم بشكل جدي لعالم الصناعة العسكرية فبدأ عام 1989
حين استأجر خدمات فرانك كارلوتشي الذي عمل خلال وجوده في البنتاغون على
تحديث عمليات مشترياته.
بعد
نهاية الحرب الباردة، أصبح معظم المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في
الشركات العسكرية، غير أن كارلوتشي ومجموعته من المسؤولين السابقين في
البنتاغون والسي آي أيه كانوا يعرفون بالضبط ماذا يفعلون وأخذوا يشترون
هذه الشركات بأثمان بخسة ومن بينها بي دي إم ويونايتد ديفنس التي تصنع
عربات المشاة القتالية برادلي. بعد ذلك بسنتين، أيام حرب الخليج، ارتفعت
قيمة هذه الشركات جداً وهكذا حققت كارلايل أرباحاً ضخمة. حينها أدرك مجلس
إدارتها ميزة توظيف السياسيين. فهؤلاء هم من يضعون السياسات حين يكونون
في مناصبهم ثم يسثمرون هذه السياسات كرأس مال لهم حين يتركون المناصب.
وتحول الأمر إلى ما هو أشبه بباب دوار. فلا أحد يعرف من الذي يعمل لصالح
كارلايل في أي وقت أو كم يكسب أي من أعضاء مجلس إدارتها أو ذوي العلاقة
بها أو مستشاروها. وقد قيل إن المسؤولين الجمهوريين حين يخسرون مناصبهم
ينضمون إلى فريقها في وظائف غامضة غير معروفة، ثم يعودون إلى هذه المناصب
في أي إدارة أمريكية جديدة.
فعلى
سبيل المثال كان كولن باول يقوم ببعض الأعمال الاستشارية لكارلايل بين
عهدي بوش الأب والابن. ولم يظهر اسم كولن باول أبداً على موقع المجموعة
على الإنترنت، لكن أيضاً اسم جورج بوش الأب لم يظهر عليه أبداً وهو الذي
عقب سنوات من الاتهامات الكثيرة له بالتضارب في المصالح بين المناصب التي
يشغلها رفض أن ينهي علاقته بكارلايل حتى نهاية عام 2003.
بوش
الأب كانت مهمته الأساسية جمع الأموال والعلاقات العامة. فكنت تراه يمضي
إلى دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا لتمد له السجادات الحمراء ويمهد
الطريق أمام عقود كارلايل. غير أن قلة فقط هم من أثاروا الأسئلة حول هذا
العمل، فهو لا ينتهك القانون الأمريكي، إلى أن أصبح ابنه رئيساً للولايات
المتحدة. حينها أصبحت قضية تضارب المصالح فجة. فبينما كان الابن بصفته
قائداً عاماً للقوات المسلحة الأمريكية يضع السياسات العسكرية كان الأب
يكسب مالياً من هذه السياسات نيابة عن كارلايل.
وبالطبع فإن تضارب المصالح قضية قد تؤدي للفساد ولهذا السبب باع نائب
الرئيس الأمريكي ديك تشيني أسهمه في هاليبورتن فيما تخلى رئيس لجنة
السياسة الدفاعية ريتشارد بيرل عن علاقاته المالية بشركة دينكورب. وكلا
الشركتين حصلتا على عقود هائلة في العراق دون أن تضطر للدخول في منافسة.
الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن كان عضواً في مجلس إدارة شركة
متفرعة من كارلايل هي كاتيريير في التسعينيات. ولم تكن تلك الشركة قصة
نجاح كما تعرض بوش الابن للكثير من الانتقادات على عمله فيها. في عام
1992 ترك بوش كاتيريير وأصبح حاكم ولاية تكساس حين كان هو المسؤول عن
تعيين أعضاء اللجنة المسؤولة عن إدارة استثمار صندوق تقاعد المعلمين.
و"بحكم المصادفة" عقب ذلك ببضع سنوات قررت اللجنة التي عينها بوش استثمار
مئة مليون دولار من هذه الأموال العامة في ... خمنوا... كارلايل.
كما
يشير منتقدوا كارلايل أيضاً إلى العلاقة بين فرانك كارلوتشي ووزير الدفاع
الحالي دونالد رامسفيلد. فالاثنان كانا زميلين ويعيشان في غرفة واحدة في
الجامعة، ثم عضوان في فريق المصارعة نفسه، ولا يزالان صديقين مقربين. لا
أحد يعرف حجم النفوذ الذي يتمتع به كارلوتشي عند رامسفيلد حين يتعلق
الأمر بموافقته على تعاقدات البنتاغون. غير أننا نعرف أن الرسائل التي
تلقاها رامسفيلد من كارلوتشي ليضغط من أجل تغيرات في سياسة البنتاغون
بشكل تجعل الحواجز غير واضحة بين شخصيات كارلوتشي المتحولة باعتباره
مواطناً أمريكياً وسياسياً سابقاً وصديق رامسفيلد القديم.
يقول
بيتر إيسنر مدير مركز النزاهة العامة وهو مؤسسة بحثية غير ربحية مقرها
واشنطن: "المشكلة تظهر حين تختلط المصلحة التجارية الخاصة والسياسة
العامة. بأي صفة كان الرئيس جورج بوش الأب يتحدث حين قال لولي العهد
السعودي الأمير عبدالله بألا يقلق من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
وبأي صفة يتحدث حين يتعامل مع الكوريين الجنوبيين ويسبب تغيراً سياسياً
هناك؟ أو حين يساهم جيمس بيكر في الجدل حول الانتخابات الرئاسية في صالح
بوش الابن؟ إنها وضعية حكومة مطبخ، وتلك التحركات غير الرسمية هي سر نجاح
كارلايل."
الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور كثيراً ما حذر مما أسمه " المثلث
الحديدي" – التقاء القوة العسكرية والسياسة والشركات الكبيرة حين تبنى
هذه الشركات على قضايا الدفاع وتصبح من القوة والضخامة بحيث تؤثر في
سياسات الحرب. الكثيرون يعتقدون إن كارلايل هي تجسيد لهذا التشابك أكثر
من أي شيء آخر.
على
كل حال، فإن كارلايل تابعت أعمالها بحبور كبير حتى هجمات 11 سبتمبر حين
توجهت نحوها أضواء الإعلام. ففي ذلك اليوم كانت المجموعة تعقد اجتماعاً
لمستثمريها في فندق ريتز كارلتون في واشنطن. كان كارلوتشي وبيكر نجمي
الاجتماع كما حضره جورج بوش الأب لفترة قصيرة. يومها كان أحد 500 مستثمر
في كارلايل من المجتمعين هو شفيق، أخو أسامة بن لادن. في ذلك العام قطعت
كارلايل علاقااتها بعائلة ابن لادن، رغم أن العائلة قد اعترضت على ذلك
بالقول إنها قد تبرأت منذ زمن من ذلك المشؤوم ساكن الكهوف. غير أن الضرر
للطبيعة السرية لمعظم تجارة كارلايل كان قد وقع.
نائب
رئيس كارلايل لشؤون الاتصال كريستوفر أولمان قال: "إنهم يتهموننا بكل
خطأ، لكن أحداً أبداً لم يتمكن من تقديم دليل على أي سلوك خاطئ، لم نواجه
أي دعوى قضائية ضدنا أبداً. إننا هدف جاهز لكل من يريد أن يطلق نيرانه
على الحكومة أو الرؤساء الأمريكيين."
غير
أن معظم الساسة الأمريكيين يحرصون على عدم انتقاد كارلايل. ذلك أن هؤلاء
يعرفون أن فعلهم ذلك سيكون طلقة الرحمة على حياتهم السياسية. فعجائز
الكونغرس لا يعرفون الرحمة مع أولئك الذين يثيرون الشكوك حول الرؤساء
المقبلين أو السابقين مثلما اكتشفت سيدة تجرأت وفعلت ذلك.
عضوة
الكونغرس الديمقراطية سنثيا ماكيني قالت عن حرب جورج بوش على الإرهاب:
"إن المقربين من هذه الإدارة سيجنون أرباحاً هائلة من حرب أمريكا
الجديدة. رئيس أمريكا السابق بوش الأب يعمل في مجلس إدارة مجموعة
كارلايل. صحيفة لوس أنجلوس تايمز ذكرت أنه في يوم واحد فقط الشهر الماضي
كسبت كارلايل 237 مليون دولار من بيعها أسهم شركة يونايتد ديفنس
إندستريز، وهي خامس أكبر شركة على قائمة تعاقدات الجيش الأمريكي. توقيت
طرح الأسهم كان مختاراً بدقة: مسؤولو كارلايل قالوا إنهم قرروا تعويم
أسهم الشركة وطرحها للاكتتاب بعد 11 سبتمبر وليس قبله. وقد حققت الشركة
مكاسبة ضخمة من بيع الأسهم نتيجة دعم الكونغرس للإنفاق العسكري الضخم،
بما في ذلك تمويلها لأهم برنامج سلاح تصممه يونايتد ديفنس (المملوكة
لكارلايل)."
ماكيني كانت تشير إلى مدفع "كروسيدر" الذي تصنعه يونايتد ديفنس. ورغم أن
لجنة في البنتاغون قررت منذ عام 1998 إن هذا المدفع أضخم وأثقل وأبطأ مما
تحتاجه الحرب الحديثة اليوم، فإن ميزانية تطوير المدفع تم تمويلها حين
طلب بوش الابن من الكونغرس أن يزيد الميزانية العسكرية بمقدار 48.1 مليار
دولار. وحين أتى وقت إقرار قانون تصريح الإنتاج ليونايتد ديفنس، صوتت
ماكيني ضد المشروع وأعلنت صراحة عن قناعاتها: "لقد علمت أن مدفع كروسيدر
تنتجه
شركة يونايتد ديفنس إندستريز وأن هذه الشركة مملوكة لمجموعة كارالايل.
أضف لذلك أن والد الرئيس جورج بوش كان على قائمة رواتب مجموعة كارلايل
وقلت في نفسي إن كل التوجيهات الأخلاقية التي سمعناها في الكونغرس تشير
أن هذا شيء يجب علينا أن نتجنبه في سلوكنا الشخصي."
وبفضل ماكيني ولدت موجة عداء لمشروع كروسيدر مما دفع كارلايل لممارسة
نفوذها والشروع بحملة ضغط مكثفة. مسؤولو المجموعة كانوا يعرفون أن اللعبة
قد انتهت، غير أنهم استطاعوا إطالة عمر المشروع إلى حين قبض 237 مليون
دولار أمريكي. وبعدها بقليل أعلن رامسفيلد التخلي عن مشروع كروسيدر في
أجواء بهرجة عامة استثنائية.
غير
أن ماكيني لم تخرج من هذه القضية دون خسائر. فقد أصبحت هدفاً لهجوم
العديدين من زملائها السياسيين الذين وصفوها بعدم الوطنية كما قاوم
الجمهوريون حملتها الانتخابية للبقاء في الكونغرس عبر ترشيحهم جمهورية
سوداء ضد ماكيني الديمقراطية في الانتخابات التمهيدية. ثم حدث شيء غريب.
حوالي 47 ألف جمهوري غيروا مواقفهم وصوتوا لصالح المنافسة الجمهورية
السابقة لماكيني بشكل ضمن خسارتها. ولم يساعدها في شيء اتهامها للرئيس
بوش بالسماح بحدوث هجمات 11 سبتمبر لتعظيم حسابات كارلايل المصرفية.
اليوم عادت كارلايل إلى الواقع. فقد اعتبرت فينيل ذات العلاقات بأعمال
المرتزقة، قضية أكثر سخونة من أن تتعامل معها وقررت بيعها عام 1997.
فينيل مملوكة حالياً لشركة نورثروب غرومان، الذي انضم رئيسها وكبير
مدرائها التنفيذيين السابق إلى كارلايل في منصب استشاري أول لمجموعتها
الدفاعية والفضائية في أكتوبر الماضي. أما الرئيس الحالي لمجموعة كارلايل
فهو لويس جيرستنر الذي يتمتع باحترام في الأوساط التجارية حيث كان في
السابق رئيساً لشركة آي بي إم والذي نوعت كارلايل تحت إشرافه من أعمالها
وحاولت اكتساب المزيد من الشفافية. وتؤكد الشركة أن القطاع الدفاعي
والجوي يمثل فقط 15 في المئة من استثماراتها وأنها تزيد حجم استثماراتها
في أوروبا.
حالياً، كارلايل هي المالكة لشركة فيات آفيو، وهي مورد فضائي لشركة
آريانسبيس مما يمكن المجموعة من أن تكون عضواً في مجلس الصواريخ
الأوروبي، وفي سبتمبر 2001 اشترت أيضاً حصة مسيطرة في شركة بوفورز
السويدية المنتجة للأسلحة كما اشترت في ديسمبر 2002 ثلث أسهم شركة كينيتك
وهي فرع خاص من مركز البحوث والتطوير العسكري البريطاني الذي يتمتع
بالنفوذ داخل الحكومة البريطانية.
فهل
أصبحت مجموعة كارلايل حقاً أكثر شفافية في عملياتها أمر أكثر سرية؟ وهل
أصبحت تمارس قدراً أقل من النفوذ في الساحة السياسية الدولية أم أكبر؟
وهل لا تزال تتحكم بفينيل عبر واحدة من شركاتها الهاربة في واحدة من
الجنان المالية؟ ربما لن نعرف أبداً. فشأن جماعات المافيا التي تحمي
أسرارها من العلنية، هكذا يفعل الرؤساء السابقون والمتزلفون لهم في هذا
النادي الأكثر سرية لتسويق الحروب باسمها الذي يوحي بقيمة بريطانية
قديمة. لكن هذا يجب ألا يمنعنا من البحث. فمثلما تذكر الشركة في
منشوراتها: "إننا نستثمر في الفرص السانحة في عالم الصناعة التي تتأثر
إلى حد كبير في التغيرات الطارئة على السياسة الحكومية." نعم، بكل دقة!
والسؤال هو: من هو بالضبط ذلك الذي يضع هذه السياسات- الحكومة الأمريكية
أم كارلايل؟
|