تقول
بعض التحليلات العسكرية إن الشرق الأوسط أصبح على أعتاب أزمة متفجرة
للتنافس على سلعة قد تصبح أثمن من النفط :الماء.
الساسة والمحللون يتوقعون عجوزات مائية حادة في المستقبل القريب في عدة
بلدان في الشرق الأوسط الذي يشهد نمواً سكانياً يبلغ 3 في المئة سنوياً.
وإذا ما استمرت وتيرة النمو السكاني هذه على حالها في العقود الثلاثة
المقبلة دون أن تنخفض فلن تتوفر في المنطقة موارد مائية كافية لحاجات
سكان بهذا الحجم الضخم.
فمن
الفرات إلى النيل وخصوصاً حوض نهر الأردن، حيث الموارد المائية المشتركة
تتوزع بين حكومات الأردن واسرائيل والضفة الغربية المحتلة والتي تواجه
كلها مطالب مائية متزايدة نتيجة تزايد أعداد السكان والتوجه نحو الحياة
في المدينة والمتطلبات الزراعية والصناعية الآخذة بالارتفاع.
ولمواجهة هذه المتطلبات المتزايدة، يتسابق خبراء الجيولوجيا والمياه
لسحب مياه الأنهار المشتركة بين هذه الدول ذات المطالب المتضاربة ونضح
الموارد المائية الجوفية التي يجري استنزافها بمعدلات تثير الخوف.
مصر
تستورد نصف حاجاتها الغذائية من الدول الأخرى، والعقبة الأكبر أمام توسيع
مشاريع الإنتاج الزراعي القائمة هي الماء.
في
السنوات الأخيرة، كان نهر النيل موضوعاً لجدل كبير أحدثته إثيوبيا التي
كانت تعمل على مسح مواقع سدود ستبنيها على النيل الأزرق وهو أحد روافد
نهر النيل. وهذا ما تسبب باعتراضات مصرية فورية.
كما
أن المقترح المصري بشق قنوات في مناطق المستنقعات في جنوب السودان بهدف
تقليل الفاقد المائي بسبب التبخر وتوجيهها نحو النيل الأبيض قد جرى وضعه
على الرف إلى وقت غير محدود نتيجة الحرب الأهلية السودانية.
أما
في قطاع غزة الذي تحتله إسرائيل فقد أصبحت المخزونات المائية الجوفية
مالحة نتيجة تسرب مياه البحر إليها. وفي الضفة الغربية التي تحتلها
إسرائيل، حيث الاعتماد الإسرائيلي الفلسطيني المشترك على الموارد المائية
المتوفرة فيها قد يكون سبباً لحرب جديدة في المنطقة في المستقبل القريب
نتيجة حصول إسرائيل على 40 في المئة من المياه التي تستخدمها من الأراضي
المحتلة. وتعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلية على تقييد حفر الفلسطينيين
لآبار جديدة بشدة لمنع استنزاف الموارد المائية الجوفية وتلوثها بمياه
البحر. وهذه الممارسة الإسرائيلية جعلت التنمية الزراعية الفلسطينية
تتوقف.
سد
الثورة الذي بنته سوريا على نهر الفرات شمال وسط البلاد، يروي آلاف
الهكتارات الزراعية ويوفر نصف حاجة البلد من الكهرباء، لكن
تعين
تقليص طاقته الإنتاجية إلى العشر بسبب إيقاف تركيا تدفق مياه الفرات لملء
البحيرة الهائلة خلف سد أتاتورك. واليوم تنقطع المياه عن البيوت في
العاصمة السورية دمشق يومياً بين الساعة الثانية بعد الظهر وحتى السادسة
من صباح اليوم التالي.
استنزاف إسرائيل لمياه نهر الأردن قريباً من بحيرة طبرية جعل مياه النهر
جنوب البحيرة ملوثة لدرجة أن الأردن ما عاد قادراً على استخدامه للوفاء
بمتطلبات سكانه.
إضافة لذلك، تنضح إسرائيل مئة مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر اليرموك
الذي يشكل الحدود بين سوريا والأردن مما يمنع الأردن من الاستفادة من سد
الوحدة الذي يأمل ببنائه مع سوريا على نهر اليرموك.
وقد
أثارت حدة هذه المشكلة مخاوف المحللين السياسيين والخبراء بشؤون الشرق
الأوسط إلى حد كبير لدرجة أنهم يحذرون من احتمال حدوث صراعات عسكرية في
المستقبل على موارد المياه في المنطقة.
ومع
ذلك لم يول قادة دول الشرق الأوسط سوى قدر قليل من الاهتمام لاحتياجات
بلادهم المائية المستقبلية. ويشير الخبراء إلى ندرة الاهتمام بالبحوث
والدراسات المائية على المستويات الوطنية والأكاديمية. فالشرق الأوسط
بمجمله يعاني من نقص في الخبراء والمتخصصين المؤهلين في العلوم المائية
ليقدموا المشورة المائية المشتركة والحفاظ عليها والاستخدام الذكي لها
بهدف الوفاء بالاحتياجات المستقبلية لسكان المنطقة المتزايدين باستمرار.
غير
أن بعض الخبراء يعتقدون أن المنطقة فيها من الموارد المائية ما يكفي
العديد من دولها بشرط أن تتوصل إلى حد ما من التوافق على الشراكة بها.
لكنهم يردفون قائلين إن دول الشرق الأوسط حتى وإن توصلت لمثل هذه
السياسات بعيدة الأمد على المستوى الوطني، فإن اعتمادهم المتبادل على
الموارد المائية المشتركة يتطلب مستوى أكبر بكثير من التعاون السياسي غير
الموجود حالياً والذي قد يبقى كذلك غالباً في المستقبل.
قبل
التسرع بالشروع في تطوير سياسات بعيدة الأمد للمياه، أصبح من الضرورة
البالغة الآن فهم هذه المعجزة التي تسمى الماء. فقد وصف الماء بأوصاف
كثيرة منها الطفرة الكيماوية والضرورة المطلقة والظاهرة المخيفة والصديق
الخير. وهو مادة وافرة، لكنه يكون نادراً في أحياناً كثيرة. وعلى المستوى
الواقعي، يرتبط الماء بكل نشاطات الإنسان سواء ما يتعلق بالسياسة
والزراعة والصناعة والتشجير والصيد البحري والاستقرار الداخلي والشؤون
الخارجية.
ما
يعرفه معظم الناس عن الماء هو أنهم سيكونون عاجزين بدونه. فالإنسان
يستطيع العيش بلا طعام لأسبوع، لكنه سيموت بعد ثلاثة أيام بدون شربة ماء.
أي مدينة تستطيع أن تصبر 24 ساعة بدون كهرباء، لكن إن انقطعت عنها كل
إمدادات الماء بما في ذلك المستشفيات فإن الذعر سيدب بعد 12 ساعة في كل
ركن فيها.
ويمكن للمرء أن يكون مبالغاً في تقدير قيمة أي شيء كان، إلا قيمة الماء.
صحيح أن من الاستحالة بمكان تعليق قيمة كبيرة على هذا السائل عديم اللون
الذي يحصل عليه معظم البشر بمجرد تدوير الصنبور. غير أن لا بشر ولا حيوان
ولا نبات على وجه الأرض يمكنه البقاء بدونه. فنسبة 90 في المئة من جسم
الإنسان الفتي هي ماء، وهذه النسبة تتراجع إلى 75 في المئة مع التقدم في
العمر لكن يجب الحفاظ عليها
ثابتة
دوماً.
الماء ذو أهمية مطلقة للاستخدام المنزلي. فمليارات من غالونات الماء
تستهلك يومياً حول العالم. غير أن ماء الشرب لايزال عرضة للاستهلاك
بمعدلات تفوق معدلات تجدده في العديد من دول العالم. والبشر يستخدمون 10
في المئة فقط من استهلاكهم المائي في الشرب والمأكل مباشرة. إذ لا يحتاج
الإنسان سوى لعشر أو 12 كأس من الماء يومياً ليبقى على قيد الحياة، كما
أن جزءاً كبيراً من هذه الحاجة للماء يمكن الحصول عليها من مأكلهم
اليومي. ولهذا ليس هناك سوى خطر ضئيل بأن يموت الناس في أنحاء العالم
نتيجة فقدان الماء. إلا أن الجزء الأكبر من الاستهلاك المائي يذهب إلى
الزراعة والصناعة. وفي هذا الميدان يمكن للمعاناة أن تظهر: البشر لن
يموتوا من العطش، غير أن العجز المتواصل في المياه النظيفة قد يجعل
راحتهم وسعادتهم على المحك.
وهذا
ليس نذيراً بالغ السوء مثلما قد يبدو لأن الماء لن يختفي فجأة بين ليلة
وضحاها، ذلك أنه قابل لإنتاجه صناعياً. الأرض فيها من الماء اليوم القدر
نفسه الذي كان فيها منذ خلقت. فالماء يستخدم ويستخدم عدة مرات قبل أن يجد
طريقه في النهاية إلى البحر. والمشكلة هي في أنه مع توفر كمية ثابتة من
الماء، لا يسعنا إلا توقع هطول كميات كبيرة من المطر. وفيما ننتظر هطول
هذا المطر، يزداد الاستهلاك المائي العالمي سواء للأفراد أو المزارع أو
المصانع.
العالمان أنطوان لافوازيه وهنري كافيندش اكتشفا عام 1781 أن الماء مكون
من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة تتحد في جزيء واحد لتشكيل الماء. لكن
في السنوات الأخيرة تعين تعديل هذه النظرية مع اكتشاف أن لكل من
الهيدروجين والأكسجين نظائر تتشابه في كل شيء إلا في وزن ذراتها. أحد هذه
النظائر للهيدروجين هو الديتريوم ذو الوزن النوعي الذي يبلغ ضعف الوزن
النوعي للهيدروجين والذي يتحد مع الأكسجين لتشكيل "الماء الثقيل"، وهو
مادة ضرورية لإنتاج أول قنبلة نووية. واليوم يعتقد أن هناك على الأقل 16
صيغة كيماوية ممكنة للماء.
الماء مطلق النقاء موضوع انشغلت به المخابر. فالماء في أي حالة كان يحتوي
دوماً على آثار لمواد أخرى. في البحار المفتوحة يحتوي الماء على 3.5 في
المئة من كلور الصوديوم إلى جانب عناصر أخرى توجد في الأرض. التقسير
العلمي الحالي لتركيبة ماء البحر، أي وجود الأملاح المذابة فيه، هو أن
ماء المطر قد أذابها من على اليابسة ونقلها معه إلى البحر على مدى أكثر
من مليار عام. وكان لهذا التغير في ماء البحر نتائج بالغة الأهمية على
الإنسان. فالبحار والمحيطات تشغل حوالي ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية
ولا يستطيع الإنسان اليوم أن يشرب منها قطرة واحدة!
على
الجانب الحيوي، يذيب الماء أيضاً الغذاء الذي يأكله الإنسان والحيوان.
وبالتالي فإنه يشكل الوسيط الذي ينتقل به الغذاء إلى خلايا الجسم ومن
خلية إلى أخرى. وحالما تصل هذه المغذيات إلى هدفها المنشود، تنفصل عن
الماء بشكل سحري. ولولا الماء لما استطاعت أي من خلايا الجسم أن تقوم
بوظائفها.
وللماء خواص فريدة. ففي حالته الصلبة على شكل ثلج ، يتكون من ترليونات
لاحصر لها من الجزيئات الجليدية التي لاتكرر بعضها أبداً في نموذج
تبلورها. أما في حالته الصلبة الأخرى على شكل جليد فيكون المادة الوحيدة
في العالم التي تتمدد حين تتجمد. ولو لم يتمدد الماء المتجمد فإنه لن
يطفو على الماء السائل ولكان العالم منذ دهور قد تحول إلى كرة عملاقة من
الجليد.
وللماء سلوك مثير للفضول فيما يتعلق بالحرارة أيضاً. فالمركبات ذات
الصيغة الكيماوية الشبيهة بالماء تغلي عند درجة حرارة 100 فهرنهايت تحت
الصفر، فيما الماء يتمكن من مواصلة امتصاص الحرارة دون أن يغلي حتى حرارة
212 درجة فهرنهايت فوق الصفر عند مستوى سطح البحر. ولو كان تركيب الماء
الكيماوي مختلفاً قليلاً عن تركيبته التي نعرفها لكانت مياه الأرض كلها
قد غلت وتبخرت في الفضاء منذ أزمان سحيقة.
الميزة الاستثنائية الأخرى للماء هي درجة توتر سطحه، أي قدرته على
التماسك مع بعضه أو مع المواد الأخرى. وهذه الخاصية هي سبب تشكل القطرات
التي تتواتر من صنبور ماء بدلاً من أن ينزل رذاذاً. ويستطيع الماء نتيجة
هذا التوتر السطحي أن يلتصق بالأجسام الصلبة مثل الصخور والتربة وهذا هو
السبب وراء تشكل المياه الجوفية. كما أن من خواصه بالغة الأهمية قدرته
على إذابة مواد أخرى. فهو أكثر مادة مذيبة متوفرة على سطح الأرض. ولهذا
نجد أن الماء في الأنهار والبحار إنما هو حقيقة الأمر محلول من مواد
مختلفة تصادفت وتلامست معه. وقدرته على إذابة الفضلات العضوية ثم طرحها
منه هي التي جعلتنا نستخدمه للتخلص منها.
والماء يتحول من حالة إلى أخرى بسهولة بالغة. فخلال تغيره من الحالة
الصلبة إلى السائلة ثم الغازية وعودته إلى حالته الصلبة من جديد لا يتعرض
الماء لأي تغير كيماوي مهما كانت المواد المذابة فيه. كما أنه يتمتع
بالقدرة على تصفية نفسه. ففي حالته الغازية أثناء تبخره يتخلص الماء من
معظم شوائبه مثل الملح والطمي والجراثيم. ولو لم يكن كذلك لكان الماء
مادة دائمة التلوث ولكانت الحياة قد أصبحت مستحيلة على البسيطة منذ زمن
طويل. أما ما لا يقوم الماء بمعالجته ذاتياً فوراً فهو انتقاله إلى البحر
وهو المكب النهائي للماء ليبدأ من جديد كل عمليات التنقية التي حدثت له
على الأرض.
وفيما يغطي ماء البحر قرابة ثلاثة أرباع سطح الأرض، فإنه يشكل حوالي 7 في
المئة من كتلة الكوكب. وهذه الكمية من الماء ذات أهمية جوهرية لتواصل
تدفق الماء حول العالم فيما يعرف بالدورة المائية (الهيدرولوجية). إذ
باعتبار أن هذا المركب الكيماوي غير قابل للتفكك بشكل طبيعي، فإنه يوجد
دوماً في أحد أشكاله الثلاثة في الطبيعة يحمله ذلك النظام الأبدي السرمدي
الذي يأخذ الماء من سطح الأرض إلى الجو ويدوره حول الأرض بكل أشكال الطقس
قبل أن يعيده للأرض بشكل من الأشكال لتبدأ الدورة من جديد.
هذه
الدورة المائية تعمل على تغيير وجه الأرض بدون توقف. فحين يكون مطراً
حميداً تجده يغذي المزروعات والغابات. وحين يترافق مع خراب الأعاصير يحطم
ويدمر كل شيء بناه الإنسان. كما يعمل بلا كلل وبدون عائق على أكل القارات
حينما يحتها من أطرافها. أكبر الجبال تتحول تدريجياً إلى هضاب بفعل قطرات
الماء الصغيرة والأنهار الجليدية الضخمة. وفوق كل هذا تتعرض نصف التربة
الموجودة حالياً على سطح الأرض للتآكل وتنتقل إلى البحر مع المطر نتيجة
المعايير الزراعية المتواضعة المطبقة في العديد من دول العالم.
لأزمان طويلة حاول كبار العلماء ذوي العقول المنظمة تصنيف الماء ومشتقاته
في فئات مرتبة تدعى العلوم. أحد هذه الفئات هي الجيولوجيا التي تهتم
بتفسير كيفية تشكل الماء أصلاً على سطح الأرض. كبار العلماء يعتقدون أنه
لم يكن هناك ماء على كوكبنا حين تشكله، بل كانت هناك المواد الكيماوية
التي يمكن انتاجه منها. أما كيفية الجمع بين الهيدروجين والأوكسجين معاً
لإنتاج هذه الكميات الضخمة من الماء فهو سؤال لايزال موضوعاً لنظريات
عديدة، رغم أن أياً منها لا تزعم تقديم دليل على صحتها.
النظرية الأكثر قبولاً اليوم هي أن الأرض حين تشكلت كانت محاطة بغلاف جوي
مكون من ثاني أكسيد الكربون والأمونيا. والأمونيا مركب من الآزوت
والهيدروجين. ويعتقد أن الماء قد ظهر أول مرة على سطح الأرض على شكل بخار
متصاعد من الحمم البركانية المنصهرة- بخار كثيف جداً بحيث أخذ المطر ينصب
من السماء لآلاف السنوات. تبدو هذه النظرية مقبولة للكثيرين لأن المعروف
أن البخار يتصاعد عادة من البراكين وينابيع المياه الساخنة، فيما يجادل
آخرون في هذه النظرية مشيرين إلى حقيقة أن هذا البخار ما هو في حقيقته
سوى ماء أصلاً يغلي تحت سطح الأرض. وشأن السؤال عن نشأة الأرض، فإن حل
مسألة كيفية تشكل الماء على الأرض يبدو أنها ستبقي العلماء مشغولين لزمن
بعيد مقبل.
القرآن الكريم واضح تماماً في تأكيده أن الماء أتى إلى الأرض من مصدر
آخر. فهو يصف مصدر الماء في الآية 9 من سورة ق بالقول: "ونزلنا من السماء
ماء مباركاً فأنبتنا منه جنات وحب الحصيد". وهذه الآية لا تشير فحسب إلى
السموات كمصدر لماء الأرض بل تخبرنا بأنه كان نعمة من الله تعالى. وفي
آيات قرآنية أخرى يرد ذكر الماء على أنه نعمة من نعم الله الأخرى. يقول
الله تعالى في سورة النبأ: "ألم نجعل لكم الأرض مهاداً؟ والجبال أوتاداً؟
وخلقناكم أزواجاً؟ وجعلنا نومكم سباتاً؟ وجعلنا الليل لباساً؟ وجعلنا
النهار معاشاً؟ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً؟ وجعلنا سراجاً وهاجاً؟
وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً."
ومرة
أخرى يؤكد القرآن على هذه الحقيقة: "واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما
أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح وكان
الله على كل شيء مقتدراً." وبالنتيجة فإن القرآن يؤكد على أن مصدر الماء
لم يكن مصادفة كونية سعيدة كما يريدنا العلماء أن نعتقد، بل هو روح
الحياة التي أرسلت إلى الأرض من السموات لجعل الحياة كما نعرفها اليوم
ممكنة عليها.
وهناك أحاديث نبوية كثيرة تروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم تمنع
المسلمين من تلويث مصادرة الماء. فالحديث الشريف يخبرنا أن من المحرم
مطلقاً قضاء الحاجة في أي مكان يمكن اعتباره مصدراً مائياً. كما أن
أحاديث كثيرة تحرم إهدار الماء. حيث يخرج ابن ماجة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مر برجل يسرف في الماء وهو يتوضأ. فاقترب منه وسأله عن سبب هذه
المضيعة. فأجابه الرجل مستغرباً أن يكون في الوضوء مضيعة. فقال عليه
الصلاة والسلام: " نعم، لا تسرف ولو كنت على نهر جار."
وقد
أرسى الإسلام قواعد واضحة لا تقبل الجدل بخصوص توزيع الماء. والقاعدة
العامة هي أن كل الناس شركاء في الموارد المائية. وقد ورد في صحيح
البخاري حث الرسول لأصحابه على تقاسم الماء بين أنفسهم ومع الآخرين.
فقد
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبس الماء الفائض عن الآخرين لأن
ذلك يحرم الناس من سقيا ماشيتهم.
كما
يروي عنه عروة في صحيح البخاري أن رجلاً من الأنصار تشاجر مع الزبير حول
اقتسام الماء فقال عليه الصلاة والسلام للزبير أن يسقي زرعه ثم يترك
الماء ينساب إلى زرع الآخرين. فرد عليه الأنصاري قائلاً ألأنه قريبك يا
رسول الله؟ فأمر الرسول الزبير أن يسقي حتى يصل الماء لأعلى السواقي بين
نخيله ثم يتوقف، أي أن يترك الماء ينتقل لأراضي الآخرين.
كما
يروي أبو هريرة أيضاً عن رسول الله أن ثلاثة من البشر لن يكلمهم الله ولا
ينظر إلى وجوههم يوم القيامة. وهؤلاء هم:
-
الذي يحلف كذباً لترويج بضاعته.
-
الذي يحلف كذباً للاستيلاء على أملاك الآخرين.
-
الذي يمنع عن الناس فائض مائه، فالله سيحرمه يومها مثلما حرم هو في
الدنيا غيره مما لم تصنعه يداه.
إن
على الناس أن يبدأوا قبل فوات الأوان بالتفكير في المستقبل، عشرة، عشرين،
ثلاثين عاماً من الآن. كما أن من المهم أيضاً أن نفهم حقيقة أساسية هي أن
هناك حدوداً لما هو متوفر لنا من الماء وأن عليهم التوقف عن اعتباره
شيئاً مجانياً والشروع في إجراءات سريعة لحمايته. ويجب علينا ألا نشك
أبداً في أن المستقبل سيشهد مصاعب هائلة في التشارك بموارد المياه لأن
حقوق الكثيرين فيه تختلط بمشكلات سياسية وقانونية. غير أن ذلك ليس
مستحيلاً! التقنيات تتوفر لنا اليوم لجعل النهر يلتف عائداً إلى الخلف أو
لجعله يصعد تلة بتكلفة يمكن تحملها. كما أن تصدير مياه الشرب النظيفة إلى
دول أخرى هو احتمال ممكن. فحيث توجد الإرادة، لابد من العثور على الوسائل
إذا ما استطاع البشر أن يتغلبوا على مصالحهم القومية وأنانيتهم وطمعهم.
|