عقب ذلك
وفيما لايزال الطائر مثبتاً بخيط طويل إلى المنقلة يرميه الصياد في
الهواء ليطير بضعة أمتار نحو طعامه. وتزداد المسافة التي يطلق إليها
تدريجياً إلى أن يصل أخيراً إلى مرحلة رميه بدون خيط ليطير حراً. فيما
يكون الصقر في غضون ذلك قد جرى تعريفه أيضاً على الطريدة المطلوبة عبر
طعم هو عبارة عن جناحي حبارى احتفظ بهما الصياد من موسم الصيد السابق.
وبهذه الطريقة يصبح الصقر الذي ربما لم يكن معتاداً على صيد الحبارى في
السابق بالضرورة أو يكون قد أتى من أراض لاتوجد فيها الحبارى يعرف
الغنيمة التي يريد الصياد منه أن يقتنصها له.
ويمضي
الصياد شهور الشتاء وهو يصيد الحبارى مع صقره. حيث يخرج في الفجر باحثاً
عن آثار الحبارى في الرمال ويتتبعها لمعرفته بأن الحبرية طائر ليلي وأنها
ستمضي نهارها مختبئة تحت شجيرة هنا أو هناك. وحين يعثر على الحبرية
ويجبرها على الخروج من مخبئها إلى أرض مفتوحة يطلق الصياد صقره على أمل
أن يمسك بها الصقر ويقتلها. وإن نجح في ذلك فإنه يطعمه عادة رأس وعنق
الحبرية محتفظاً بالباقي لعائلته. وبحلول الربيع حين تبدأ الحبارى
بالقفول مهاجرة إلى أراضي تكاثرها، لاتعود هناك طرائد صغيرة بما يكفي
ليتمكن الصقر من الإمساك بها وقتلها وكبيرة بما يكفي لإطعام الصقر
والصياد. وبالتالي يكون قد حان وقت الفراق حيث يطلق الصياد صقره ليعود
إلى حياة الحرية من جديد بانتظار الخريف المقبل على أمل أسر جوارح جديدة
لتدريبها والصيد بها.
على كل
حال، فقد تغير الكثير منذ تلك الأيام الخوالي التي كان فيها التصقر وسيلة
للحصول على المأكل. فالتصقر اليوم هو هواية للتريض. وبدأ الصقارون يجربون
أنواعاً جديدة من الصقور للحصول على الأقوى والأسرع من الشاهين والحر
الذين اعتادوا عليهما. وتبين لهؤلاء أن هجيناً من صقر الجير الأبيض
الكبير والصقر الحر هو الخيار الأمثل. فصقر الجير يستوطن أقصى شمال
أمريكا الشمالية ولهذا ليس من المفاجئ أن الصقارين واجهوا الكثير من
المشكلات في البداية في تربية وإكثار هذا الصقر في البلاد العربية غير أن
تكييف الهواء والتهجين ساعدهم في حل بعض من هذه المشكلات. وقد شهدت
العقود الثلاث الماضية ظهور عدد من المستشفيات المتخصصة بالصقور لمعالجة
الأمراض التي تصيب الطيور المأسورة أو المرباة في الأسر على السواء.
وقد زرت
مستشفيي الصقور الموجودين في دبي والآخر الموجود في أبو ظبي. وبدت
المستشفيات الثلاثة لي بأنها مشغولة دوماً بلا انقطاع حيث غرف الانتظار
مليئة دوماً بالرجال وصقورهم جاثمة على أيديهم. وهناك الكثير من الأطباء
البيطريين المتخصصين في علاج امراض الصقور العديدة ومنها "القدم
المتعثرة" وذات الرئة وهي الأكثر شيوعاً. في مرض القدم المتعثرة تتعرض
المنطقة بين أصابع الطائر بعدوى حادة تلتقطها عادة من المريض التي تقف
عليه والذي لا يسمح بدوران الدم على نحو جيد في أنسجة القدم. يعالج المرض
إما بالجراحة أو المضادات الحيوية أو كليهما. أما ذات الرئة فهي عدوى
فطرية تصيب المجاري التنفسية وخصوصاً الحويصلات الهوائية الموجودة خلف
الجزء الاسفنجي من الرئة. أما الكسور في الريش فتعالج بزراعات هي ريشات
تثبت على الجزء المتبقي من الريشة المكسورة بصمغ قوي. كما تركب شرائح
ذاكرة صغيرة جداً على الطيور لتمكين أصحابها والمتطوعين من التعرف عليها.
ورغم أن
التصقر في الإمارات لايزال يمارس بالطرق التقليدية فإن الفاعلية التي
توفرها للصيادين وسائل النقل والاتصالات والأسلحة الحديثة قد زادت من
الاستنزاف الذي تتعرض له طرائد الصيد. وبالتوازي مع ذلك فإن تراجع
الموائل الطبيعية وأراضي التكاثر والصيد غير الشرعي على امتداد دروب
هجرتها قد أدى إلى تراجع أعداد الحبارى.
كما يثور
التخوف أيضاً على الصقور لكون هذه الطيور غالية الثمن والتجارة غير
الشرعية بها مزدهرة في منطقة الشرق الأوسط.
في سبتمبر
1989 تأسس المركز الوطني لبحوث الطيور في أبو ظبي وهدفه إكثار الحبارى
والصقور في الأسر لتقليص الضغط الذي تتعرض له هذه الطيور في حياتها
البرية. كما يقوم المركز ببحوث بيئية لنشر معارف وخبرات الحفاظ على
الطيور وحمايتها. الهدف الجوهري من وراء ذلك هو تحقيق صيد مستدام وتوفير
ما يكفي من أعداد الحبارى كمصدر للطرائد للصيادين. فقد شهدت الأعوام
الماضية عدة مرات إطلاق صقور ربيت في الأسر أو صقور أسرت لاستخدامها في
الصيد إلى الحرية من جديد في باكستان من قبل برنامج الشيخ زايد لإطلاق
الصقور بالتعاون مع الصندوق الدولي لحماية الطبيعة (باكستان). في عام
1995 أطلق أكثر من مئة صقر وفي 1996 أطلق 85 صقراً بينها 60 حراً و20
شاهيناً انطلقت لحياة الحرية في منطقة غلغيت شمال باكستان. ورغم أن
الصقور كانت تطلق عادة نهاية موسم الصيد، إلا أن هذا ما كان يحدث أبداً
تحت مراقبة علمية لها. وضمن برنامج المركز القومي لبحوث الطيور، يزود كل
طير بحلقة حول قدمه تحمل شريحة رقمية يمكن من خلالها معرفة هوية الطير
أينما عثر عليه. كما أن عدداً صغيراً من الطيور زودت بأجهزة بث فضائي
صغيرة الحجم لتتبع حركتها أينما ذهبت. وبالفعل فقد جرى تتبع حركة بعضها
إلى غرب الصين وجنوب روسيا ثم إلى كازاخستان على طريق هجرتها الجنوبية.
|