لماتوجه
رسو الله مهاجراً إلى المدينة مع أبي بكر، حمل أبو بكر معه جميع ماله وهي
ستة آلاف درهم، فتقول اسماء : أتاني جدي قحافة وقد عمي، فقال: إن هذا
قد فجعكم بماله ونفسه – يعني بذلك أبا بكر – أي لم ترك لكم شيئاً)
فقلت: كلا
ياجدي ، لقد ترك لنا خيراً كثيراً ، فجمعت أحجاراً وجعلتها في صرة،
وغطيتها بثوب، ثم أخذت بيده، ووضعتها على الثوب الذي تخفه صرة الحجارة
وقلت هذا مال كثير تركه لنا، فقال: أما إذا ترك لكم هذا فنعم.
طار صواب
كفار قريش لخبر هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحبه... قالت
أسماء: أتى أبو جهل مع جماعة من قريش، فطرق الباب فخرجت اليهم، فقال أبو
جهل أين أبوك؟ فقلت لا أدري أين هو؟ فرفع أبو جهل يده ولطم خدي لطمة
شديدة سقط منها قرطي ثم انصرف مع من معه، فكانت اسماء تصدع اي يصيبها
الصداع من شدة تلك اللطمة التي لطمها بها ذلك اللعين، ولكنها كانت تقول
كلما أصابها الصداع بعد أن تضع يدها على رأسها، بذنبي وما يغفر الله
أكثر.
وكانت
اسماء قد تزوجت من الزبير بن العوام، وهو من العشر المبشرين بالجنة، وقد
اسلم وعمرة ستة عشر سنة ، وقد أسلم بعد أبي بكر، وفي رواية أنه أسلم
وعمرة ثمان سنين وهاجر إلى المدينة وهو أبن ثمانية عشر سنة ، وكان يقول
فيه النبي صلى الله عليه وسلم[ لكل نبي حواري، والزبير، حواري وابن عمتي]
لأنه امه هي حنية بنت عبد المطلب. وكان يحب الرسول حباً كبيراً، ويحب أبا
بكر، وكان شهماً كريماً، يقول ولده عردة بن الزبير لما هاجر رسول الله
صلى عليه وسلم لقي الزبير في ركب مع المسلمين كانوا تجاراً قافلين من
الشام، فكسا الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأبا بكر ثياباً
بيضاء.
وكان
الزبير ينفق المال في سبيل الله ، ولا يبالي بما ينفقه في هذا السبيل،
ولكنه رضى الله عنه، لم يكن بذلك الغني حينما تزوج اسماء، نقول رضى الله
عنها: تزوجني الزبير، وماله شئ غير فرسه، فكنت اسوسه وأعلنه، واوق نوى
التمرلاعلنه، وكنت استقي، وأعجن ، وكنت أثقل النوى من أرض الزبير وبقيت
على هذا الحال حتى أرسل لي أبي بخادم، فكفاني سياسة النرس وكما أني
أعتقني إلي بهذا الخادم.
هذه ابنة
الصديق، تقوم بكل هذا العمل، تعجن، وتجلب الماء، وتسوس فرس زوجها، وتحمل
النوى على رأسها، فلله در هولاء النساء، كيف تصرف الرسالة، وربين الرجال
، وتحملن لظى الهجر في يوم الهجرة .
لماذا لقبت
بذات النطاقين؟!
تقول أسماء
رضى الله عنها: صنعت سفرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي حين أراد
أن يهاجر، فلم أجد لسفرة النبي ولا لقائه- اي قربة الماء والطعام-
ماأربطهما فيه، فقلت لأبي ما أجد ما أربط به الانطاقي، فقال شقية نصفين،
فأربطي بهما، فلذلك سميت بذات النطاقين.
كانت سخية
النفس، لا تدخر شئياً لغد، تعتق كل يوم رقبة إذا مرضت.
هاجرت إلى
المدينة، وكانت تحمل بولدها عبدالله بن الزبير، فعندما وصلت قباء رجاءها
المخاض وولدت عبدالله، فحملته وجاءت به إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فكبر المسلمون لولادته، حيث أنه يهود المدينة، أشاعوا بان
المهاجرين قد سحرهم اليهود وفلا يولدهم، فخاب ادعائهم، فوضعه رسول الله
في حجره، وحنكه بتمرة بعد أن لا كها رسولالله بنعمة الشريف ثم وضعها في
فم عبدالله، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما دخل جوف
عبدالله، وهو الذي سماه بهذا الاسم.
وتمر
السنوات باسماء مع زوجها الزبير وولدها عبدالله في المدينة، وشهدت كل
المشاهد والتحولات، وعزة الاسلام،وروعة الاخوة بين المؤمنين، وكان
عبدالله يحب امه وخالته عائشة حباً لا نظير له ، وترعرع في بيت أمه
وخالته عائشة، التي كانت كثيرة التفقد له، شديدة التعلق به، وكان إذا رآه
رسول الله صلى الله عليه وسلم يهش له ويستبشر، شب صواماً قواماً، ورعاً،
زاهداً، وكل من عرفه قال من خير هذه الأمة بعد رسول الله طاعة للله عبد
الله بن الزبير وكان
شهدت اسماء
بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم معركة اليرموك مع زوجها الزبير وما
هي الاسنوات حتى طلقها الزبير بسبب يمين حلفه، فعادت إلى مكة مع ولدها
عبدالله ، واستقر بها المثام حيث بلغت التسعين من عمرها، واصيبت بالعمى،
ولكن أحداث الحياة لم تتركها، وبويع لعبد الله بالخلافة بعد مقتل على رضى
الله عنه ورانت له الحجاز ومصر، ولكن الحجاج بن يوسف في عهد عبد الملك بن
مروان جهز جيشاً لقتال عبدالله بن الزبير، وحاصره في المسجد الحرام،
وكانت وقعة كبيرة وفتنة قاد زمامها الحجاج، أحب أن أعنت قلمي عن ذكرها،
فجاء عبدالله إلى أمه اسماء، فقال لها: يااماه إن القوم قاتلي لا محالة،
فقالت يابن : عش كريماً ومت كريماً ،ولا يأخذك القوم أسيراً ، وأعلم ان
الشاة لا تشعر بالسلخ بعدا لذبح، ووجه الحجاج المنجنيق إلى الكعبة، وقتل
عندها عبدا لله بن الزبير، وصلبه، ثم بعث الحجاج إلى اسماء، يطلبها فأبت،
فجاء اليها الحجاج، وقال لها: هل رأيت ما فعل الله بالمنافق- يعني ولدها
عبدالله – فقالت: والله ما هو بمنافق، ولكنه الصوام القوام التي الباذل
في سبيل الله، ولكنني احدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يخرج من ثقف كذاب ومبير ، فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فانت،
فقام من عندها ولم يتكلم، ثم بعث اليها رجالاً يكلمونها فقالت لهم، أما
آن لهذا الفارس أن يترجل، فأنزلوه من الصلب، وغسلت ولدها، وكانت أعضائه
تتفسخ، وكفنته وصلت عليه ودفنته محتسبة صابرة.
عميت
اسماء، وبلغت المائة من عمرها، وكانت تقول: الارواح عند الله خالدة، ويوم
لقاء الله سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
تلك هي
أسماء التي سمت فوق كل مصائب الحياة، عاشت مهاجرة مجاهدة، وماتت ولسان
حالها يقول:عش عزيزاً ومت كريماً، وإلى الله عاقبة الأمور.
|